عربي ودولي

رغم الحرب التي شنَّها الكيان الصهيوني وتقودها واشنطن وتهدد "الشرق الأوسط" برمته، تتمسك روسيا بمساعيها المشتركة للتنمية الاقتصادية مع دول المنطقة وأبرزها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي اعتبرتها أوساط منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2025 شريكاً إستراتيجياً. كما تدل فعاليات المنتدى على عزم روسيا على ترسيخ سلاسل التعاون الاقتصادي شرقاً وجنوباً مع إبقاء مجالات التعاون مفتوحة مع الغرب.
بدأ منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي (SPIEF 2025) في، 18 حزيران/ يونيو 2025، في بطرسبرغ، ويستمر حتى 21 حزيرام/ يونيو. هذا الحدث، الذي يعد تقليديًا أحد المنتديات الرئيسية لمناقشة القضايا الاقتصادية العالمية وإبرام العقود الكبرى، جمع مرة أخرى ممثلين من دول عديدة مختلفة.
أثبت الاقتصاد الروسي استقراره وقدرته على امتصاص الصدمات ومواجهة التحديات.
أحد أهم الجوانب التي يمكن ملاحظتها بالفعل في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2025 هو أن الاقتصاد الروسي، على الرغم من الضغوطات غير المسبوقة من العقوبات المفروضة من قبل دول الغرب الجماعي، فإنه يُظهر استقراراً عالياً نسبياً وقدرة على التكيف والتأقلم، فيما فشلت محاولات عزل روسيا دوليًا. يستقبل المنتدى قرابة 20000 ممثل من 140 دولة حول العالم، بما في ذلك وفود من أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا و"الشرق الأوسط". وهذا دليل واضح على أن روسيا لا تزال لاعباً مهماً في الساحة العالمية، تمتلك اقتصاداً مستمر النمو.
خلال الجلسة العامة التي يشارك فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تعد الحدث الرئيسي للمنتدى، من المتوقع الإدلاء ببيانات حول قضايا الاقتصاد الروسي والعالمي. وفقًا للتوقعات، قد يصل حجم العقود المبرمة في المنتدى إلى 7-7.5 تريليون روبل، وهو ما يزيد بنسبة 20٪ عن أرقام العام الماضي. تشمل المجالات الرئيسة لهذه العقود تطوير الصادرات، والسيادة التكنولوجية، واستبدال الواردات، ورقمنة الاقتصاد، وتحديث البنية التحتية. وتشير هذه البيانات إلى أن روسيا لا تتعامل بنجاح مع التحديات الحالية فحسب، بل تعمل كذلك بنشاط على تشكيل الأسس للنمو الاقتصادي في المستقبل.
الحوار مستمر: حضور الشركات الغربية في المنتدى
من الجدير ذكره، أنه على الرغم من السياسة المعادية لروسيا التي تنتهجها الحكومات الغربية، فإن ممثلي مجتمع الأعمال الغربي حاضرون في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي 2025. فعلى الرغم من انخفاض عدد الوفود الغربية بعد عام 2021، يواصل ممثلو الأعمال من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية الأخرى المشاركة في المنتدى. فهذا العام 2025، حضر عدد من الشركات الأميركية، وكذلك ممثلو غرفة التجارة الأمريكية في روسيا. ومن المقرر عقد حوار تجاري منفصل بين روسيا والولايات المتحدة، مخصص للبحث عن فرص جديدة للتعاون الاقتصادي في ظل المتغيرات العالمية. وستجري خلال هذه الجلسة مناقشة قضايا الاستثمار والصناعة والطاقة والتكنولوجيا والبنى التحتية. هذا يدل على أنه على الرغم من الخلافات السياسية، لا يزال النهج "البراغماتي" والمصالح الاقتصادية المشتركة يلعبان دورًا مهمًا. تدرك الشركات الغربية إمكانات السوق الروسية ودورها في الاقتصاد العالمي، وتسعى إلى الحفاظ على قنوات الحوار والتفاعل. انخفض مستوى الوفود الغربية في السنوات الأخيرة، ولكن الاهتمام بالحوار والتفاعل لا يزال قائماً، وهو ما تؤكده طلبات المشاركة الطوعية من عدد من الشركات. يظل "منتدى بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي مكاناً للحوار بين الشركات الروسية والغربية، مما يدل على أن التعاون ممكن حتى في ظل الظروف "الجيوسياسية" الصعبة.
روسيا شريك منفتح للشرق والجنوب،
أحد النقاط الرئيسية التي يركز عليها "منتدى بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي2025 هو تأكيد انفتاح روسيا على تطوير علاقات الشراكة الاقتصادية مع دول أفريقيا وآسيا و"الشرق الأوسط" وأمريكا اللاتينية. إذ يتضمن المنتدى 21 حوارًا تجاريًا، بما في ذلك مع الولايات المتحدة ودول "البريكس" والإمارات العربية المتحدة والهند والصين ودول أميركا اللاتينية وأفريقيا.
وهذا يفتح أمام دول "الشرق الأوسط" فرصًا فريدة لتعزيز العلاقات التجارية، وتنفيذ مشاريع استثمارية مشتركة، وتبادل الخبرات في مختلف المجالات. يوفر الاقتصاد الروسي الذي يركِّز على التنويع والبحث عن أسواق جديدة، مجموعة واسعة من فرص التعاون - من الطاقة والزراعة إلى التكنولوجيا المتقدمة ومشاريع البنية التحتية. يعد المنتدى منصة مثالية لإقامة اتصالات مباشرة بين ممثلي قطاع الأعمال والحكومات، وإنشاء تحالفات جديدة، وتوسيع آفاق التعاون.
إيران شريك إستراتيجي: بالرغم من الحرب الدائرة التي شنها الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية
يولي المنتدى اهتمامًا خاصًا لتطوير العلاقات مع الشركاء الإستراتيجيين. وفي هذا السياق، تحتل إيران مكانة خاصة ضمن نظرة إستراتيجية مستقبلية واعدة. على الرغم من المواجهة العسكرية الحالية مع "إسرائيل" والصعوبات المرتبطة بها، تظهر موسكو عزمًا راسخًا على تطوير العلاقات مع طهران. وهذا يمثل إشارة مهمة لجميع دول منطقة "الشرق الأوسط" ويؤكد استقلالية سياسة روسيا الخارجية.
إن تطوير الشراكة الإستراتيجية مع إيران يفتح آفاقاً جديدة في مجالات الطاقة والنقل والتجارة والتكنولوجيا. وتسهم المصالح المتبادلة والتحديات المشتركة في تعزيز هذه العلاقات. تعتبر موسكو إيران لاعباً رئيساً في المنطقة، قادراً على الإسهام بشكل كبير في تشكيل عالم متعدد الأقطاب. هذا التعاون، القائم على مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، يسهم في استقرار وتنمية اقتصادية لمنطقة "الشرق الأوسط" بأسرها.
المواضيع الرئيسية والآفاق المستقبلية.
سيغطي "منتدى بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي 2025 مجموعة واسعة من المواضيع الرئيسة التي تعكس التحديات والفرص العالمية. ومن بينها ”الاقتصاد العالمي: منصة جديدة للنمو العالمي“،و”الاقتصاد الروسي: نوعية جديدة للنمو“، و”الإنسان في العالم الجديد“ (السياسة الاجتماعية، الرعاية الصحية، التعليم، ”التنمية المستدامة، البيئة، الطاقة الخضراء“، وكذلك ”التكنولوجيا: الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الكمومية، التكنولوجيا الحيوية، الاستقلال التكنولوجي“). تؤكد هذه المواضيع على سعي روسيا نحو التنمية المبتكرة واستعدادها لتبادل الخبرات والتكنولوجيات مع شركائها.
ومن المتوقع إبرام اتفاقيات جديدة للشراكة الإستراتيجية، لا سيما بين روسيا وإندونيسيا، فضلاً عن صفقات كبيرة في مجالات الخدمات عالية التقنية والبناء والطاقة والتعليم. وهذا يدل على التوجه العملي للمنتدى ودوره كمحفز لتنفيذ مشاريع واسعة النطاق.
الخلاصة
يؤكد "منتدى بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي 2025 منذ البداية مكانتَه كأحد أكبر المنتديات الاقتصادية الدولية، على الرغم من التحديات "الجيوسياسية". يظل المنتدى مكانًا للحوار وإبرام عقود قياسية ومناقشة المبادرات الإستراتيجية في ظل الواقع الاقتصادي الجديد. بالنسبة لدول "الشرق الأوسط"، يعد "منتدى بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي 2025 تأكيدًا آخر على أن روسيا شريك موثوق منفتح ومستعد للتعاون الشامل. في ظل تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب، تصبح مثل هذه المنصات لا غنى عنها لإقامة العلاقات وتعزيز الثقة والبحث المشترك عن سبل لتحقيق الازدهار.