مقالات

كل ما شهدته هذه المنطقة وتشهده من حروبٍ وجرائمٍ وويلاتٍ، هو نتيجة آلام ولادة "الشرق الأوسط الجديد الأميركي- الصهيوني"، وما يبدو جليًا أن كل دولة من دول هذه المنطقة، دفعت وتدفع تباعًا آلام هذه الولادة، منذ الغزو الأميركي للعراق في ربيع العام 2003، حتى اندلاع الحرب الصهيونية على الجمهورية الإسلامية في إيران راهنًا، مروراً بسقوط الدولة السورية، وقبلها العدوان الصهيوني على لبنان، في صيف العام 2006، ثم العدوان الثاني المتمادي والمستمر على هذا البلد، حتى الساعة. ولكن لم تستطع "إسرائيل" وكل من يقف خلفها، التخلص من المقاومة الإسلامية في لبنان، رغم تلقيها ضرباتٍ أمنيةٍ موجعةٍ من العدو.
أما بالنسبة لسورية، فقد تحولت من دولةٍ قويةٍ إلى سلطةٍ ضعيفةٍ صاغرةٍ أمام الولايات المتحدة والكيان "الإسرائيلي"، تؤدي دورًا وظيفيًا في هذه المنطقة، بخاصةٍ لناحية تقطيع أوصال محور المقاومة الذي كان يمتد من إيران إلى العراق، مرورًا بسورية، وصولًا إلى لبنان، لحماية أمن هذا الكيان، ومحاولة القضاء على النهج المقاوم، تحت عناوينٍ مذهبيةٍ فتنويةٍ، تهدف بعمقها إلى محاربة أي جهةٍ معادية للصهاينة، وإسكات أي صوتٍ مقاومٍ، أو حتى معتدلٍ، في ضوء وصول الجماعات التكفيرية المسلحة إلى "السلطة الراهنة في دمشق".
وهنا يؤكد مرجع سياسي عربي، أن "سورية العام 1958 وصولًا إلى العام 2011، مرورًا بالعام 1970 وما تلا ذلك انتهت اليوم، وأضحت "حياة سلطة الأمر الواقع في دمشق"، مرتبطةً بالكامل بواشنطن وحلفائها المؤثرين في الواقع السوري، وأبرزهم: بريطانيا، تركيا، السعودية". ويلفت إلى أن "هذا الحلف المذكور لن يسمح بوجود جيش سوري قوي على الإطلاق، إذ سيتم تحويله إلى أجهزةٍ أمنيةٍ في أحسن الأحوال، وذلك انسجامًا مع "الخطة الأميركية- الإسرائيلية للسلام" في الشرق الأوسط الجديد". ويقول: "لقد سقطت سورية تلك الدولة القوية".
ويضيف: "لا تزال واشنطن تسعى لإزالة أي عوائق قد تعرقل "قيامة الشرق الأوسط الأميركي"، بخاصةٍ توطين الفلسطينيين في بلدان انتشارهم، ويبقى العائق الأكبر، توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي يرفض هذا الأمر، كذلك ترفض مصر، انتقالهم إلى شمال سيناء، أما في سورية، فلا مشكلة في توطين الفلسطينيين، بعد سقوط الدولة التي كانت منضويةً في محور المقاومة، ووصول "سلطة أمر واقع" تابعة للمحور الغربي، (صاحب مشروع التوطين)"، يختم المرجع المذكور آنفًا.
والواضح تمامًا، أن المحور المعادي للمقاومة يتابع حربه على رافضي "السلام الأميركي" في المنطقة، بخاصة الجمهورية الإسلامية في إيران، الداعمة لكل حركات المقاومة والتحرر في العالم، لذا تتعرض راهنًا لعدوانٍ أميركيٍ- صهيونيٍ غير مسبوقٍ، لأن محور المقاومة بقيادة إيران، يقف سدًا منيعًا في وجه تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على أي حركة مقاومة ترفض الانصياع للعدو "الإسرائيلي" والإدارة الأميركية. ولكن رغم ضراوة هذه الحرب القذرة على إيران، فإنها تبقى الدولة الوحيدة التي قصفت "تل أبيب" قصفًا مزلزلًا مدمرًا، فقد تجاوزت الصواريخ الإيرانية العملاقة كل منظومات الدفاع الجوي الأميركي وسواه، المنتشرة في فلسطين المحتلة، ووصلت إلى أهدافها بدقةٍ عاليةٍ، رغم رمزية عاصمة الكيان الصهيوني لدى المجتمع الغربي، وفعلًا هذه هي المرة الوحيدة التي تُحطَّم فيها "أسطورة إسرائيل" بهذا الشكل المذل، ولم يعتد الصهاينة ذلك، فاستنجدوا بواشنطن بعدما وجدوا أنفسهم في مشكلة وجودية حقيقية. فيما اعتاد الشعب الإيراني على الصبر والتضحية والثبات، والذي يبدع في التطور والحداثة، تحت الحصار الأميركي- الغربي، منذ انتصار الثورة الإسلامية، في العام 1979، إضافة إلى الحرب التي شنها صدام حسين على الجمهورية الإسلامية، والتي دامت نحو ثمانية أعوامٍ".
وتعقيبًا على ما ورد آنفًا، ترى مصادر سياسية عربية أن "كل دولة من دول هذه المنطقة، ستعاني تباعًا من ولادة "الشرق الأوسط الجديد بنسخته الأميركية"، ولن تسلم تركيا والسعودية من هذه الآلام، خصوصًا في حال استكمل المحور الأميركي- الصهيوني سيطرته على هذا المنطقة، فحتمًا لن يسمح بالتمدد التركي، عبر المنظمات المتشددة في سورية، والتي لا يرتاح لوجودها الكيان "الإسرائيلي"، على مقربة من حدوده الموّقتة". أما بشأن السعودية، فتسأل المصادر: "هل تدخل الرياض في مخطط "السلام الأميركي" أي التطبيع مع العدو الصهيوني، قبل ولادة فلسطينية، أي تبلور ما يعرف بـ "حل الدولتين"؟ وهل تقبل "إسرائيل" بضم الضفة الغربية، أي "يهودا والسامرة"، وفق التسمية الصهيونية، إلى الدولة الفلسطينية؟ وهل ستفرض الإدارة الأميركية على "تل أبيب" السير بحل الدولتين؟
والسؤال الأدق، "هل يبقى الكيان الصهيوني وحده دون سواه، بمنأىً عن الآلام المذكورة؟".