عين على العدو

حذّر الكاتب البريطاني جدعون راشمان، في مقال نشرته صحيفة Financial Times، من أن "إسرائيل" نجحت في جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، لكنها تغامر بمستقبلها ومستقبل حليفتها الكبرى في معركة لا يمكن التكهن بنتائجها.
وأكد راشمان أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتخذ قرار التصعيد من فراغ، بل جاء في سياق "نجاحات إسرائيلية" تكتيكية، أرادت تل أبيب تحويلها إلى مواجهة استراتيجية بالوكالة مع طهران، فيما يظهر ترامب كما لو أنه "المنتصر"، وفق تعبير الكاتب، عبر تبنّيه خطاب الانتصار بعد حملة القصف الأميركية الأخيرة ضد أهداف داخل إيران.
لكن الكاتب شدد على أن "التداعيات المتوسطة والطويلة الأمد للحرب ليست واضحة أبداً"، لافتاً إلى أن "إسرائيل" تواجه معضلة تاريخية في قدرتها على تحويل النجاحات الآنية إلى أمن مستدام، وهو ما لم تنجح فيه عبر تاريخها، رغم امتلاكها ترسانة نووية ودعماً أميركياً مفتوحاً.
وأشار راشمان إلى أن لدى واشنطن تاريخاً طويلاً ومريراً من الحروب التي بدأت بانتصارات عسكرية أولية ثم تحولت إلى كوارث مفتوحة، كما حدث في العراق وأفغانستان، مضيفاً أن "حملات القصف نادراً ما تُسقط أنظمة أو تغيّرها".
في رؤيته للسيناريوهات المحتملة، رأى الكاتب أن النتيجة الوحيدة التي يمكن للإدارة الأميركية أن تُعلِنها "نجاحاً" هي تفكيك إيران برنامجها النووي واستبدال النظام الحالي بحكومة موالية للغرب. لكنه استدرك ليقول إن "هذا السيناريو يبدو مستبعداً للغاية".
أما السيناريوهات الأكثر واقعية، بحسب راشمان، فهي أن تبقى إيران عدواً مصمّماً، حتى وإن تضررت مؤقتاً، وقد ترد بطرق غير تقليدية وغير متوقعة، أو أن تدخل البلاد في اضطرابات داخلية قد تفتح الباب أمام فوضى إقليمية جديدة، وتتيح للجماعات الإرهابية إنشاء ملاذات آمنة، تماماً كما جرى في حقبة ما بعد غزو العراق.
وأكد أن كل هذه الاحتمالات تحمل معها خطر الانجرار الأميركي إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، وربما إلى إرسال قوات برية مجدداً، ما يعني الدخول في متاهة مكلفة لا خروج منها بسهولة، لا سيما مع ضبابية الموقف الإيراني وغياب قدرة واشنطن على حسم الصراع بسرعة.
كيان هشّ في مواجهة أمة
ورغم ما وصفه بـ"النجاحات الحالية" لكيان الاحتلال، حذّر راشمان من هشاشة الموقع الاستراتيجي لـ"إسرائيل"، قائلاً إن عدد سكانها لا يتجاوز 10 ملايين، فيما تحيط بها منطقة يسكنها مئات الملايين من العرب والمسلمين، الأمر الذي يجعل مشروع الهيمنة الإسرائيلية محكوماً بالفشل البنيوي مهما بلغت قدراتها العسكرية.
وأضاف أن "إسرائيل"، التي طالما راهنت على الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة، بدأت تلمس تبدلاً خطيراً في المزاج الأميركي، خصوصاً داخل الحزب الديمقراطي، بسبب الحرب الوحشية التي تشنها على غزة منذ شهور.
وختم الكاتب تحليله بالتنبيه إلى أن تحميل حكومة نتنياهو مسؤولية إدخال الولايات المتحدة في حرب عبثية طويلة قد يُفضي إلى انتفاضة سياسية داخل واشنطن ضد "إسرائيل"، تشمل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتخلّف آثاراً بعيدة المدى على العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين.