مقالات

انتهى العدوان "الإسرائيلي"- الأميركي على إيران بصورة مختلفة عما بدأ:
ضربة إيرانية لقاعدة "العديد" التي تحتضن مقر القيادة الوسطى الأميركيةـ من دون أن تستتبع ردًا أميركيًا، وضربة أخرى للداخل "الإسرائيلي"، استمرت إلى ما بُعيد توقيت ترامب لوقف النار وأوقعت قتلى.
بلغ العدوان نهايته، مبدئيًا، من دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة:
1. تدمير قدرات إيران النووية؛ حتى العدو يقول إنه لا يوجد لديه تقييم لنتائج الضربة الأميركية لمنشأة "فوردو". وفي الأساس، يقول الإيرانيون إن البرنامج النووي هو في عقول الباحثين الإيرانيين قبل أن يكون في أجهزة تخصيب اليورانيوم، ولا يمكن القضاء عليه بضربة عسكرية، ويعبّرون بالقول: "البرنامج النووي هو مثل قطار بلا مكابح".
2. القضاء على قدرات إيران الصاروخية الخارقة للدفاعات الجوية؛ والمفارقة أن العدو عاين موجة جديدة منها، في صباح "وقف النار"، حين لم يتمكّن من صدّها أو الرد عليها.
3. تهيئة الأرضية لإسقاط نظام الجمهورية الاسلامية؛ وهنا، تحققَ العكس تمامًا. يوجد الآن اصطفاف وطني عريض حول الدولة في إيران، خاصة بعدما أفصحت تصريحات العدو وغاراته الجوية عن الرغبة في تفكيك إيران وزرع الفوضى فيها.
إزاء ذلك، اضطر نتنياهو إلى الطلب من ترامب، بعد ظهر يوم أمس الاثنين، إعلان وقف النار. وهنا؛ بالضبط وضع الجانب الإيراني لمسته النارية على جرح الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"؛ فاضطر "الإسرائيلي" ومعه الأميركي إلى ابتلاع الضربتين وتسويق وقف النار على أنه نجاح كبير.
إلى متى؟
مما لا شك فيه أنه وقف هش لإطلاق النار، حيث لا توجد مبادرة تشير إلى استئناف المفاوضات النووية في وقت قريب. إذا كان الأميركي يرى أنه قضى على البرنامج النووي الإيراني ولم يعد هناك حاجة إلى المفاوضات، فهذا لا يريح الجانب "الإسرائيلي" الذي يريد تفكيك البرنامج من أساسه واغتيال العلماء الإيرانيين النوويين.
لم يتحقق هدف ترامب بجرّ إيران إلى "استسلام غير مشروط"، وهو الآن يتمنى لإيران مستقبلًا عظيمًا، كعادته في تنميق الكلمات الجميلة عندما يخفق في ترجمة سطوته في التعامل مع الأقوياء.
أما نتنياهو؛ فقد أدرك متأخرًا أن انخراط الولايات المتحدة الأميركية في الحرب لن يتعدى ما حصل من قصف لمنشآت نووية إيرانية. وذلك لأسباب أميركية عدة تبدأ بالاقتصاد، ولا تنتهي بالتخوف من تورط قد يطول في حرب جديدة تستنزف القدرات العسكرية الأميركية؛ بينما تريد بلاده التركيز على الصين.
ما حققه العدو
1. تمكّن العدو، في الضربة الافتتاحية الغادرة، من اغتيال خيرة من القادة العسكريين والنوويين الإيرانيين، بعضهم كان على رأس عمله، وآخرون استشهدوا مع عائلاتهم في منازلهم.
2. تمكّن العدو من فرض سيطرة جوية واسعة فوق إيران بفعل تقدم سلاحه الجوي. ويجب الأخذ بالحسبان؛ أن ذلك لم يكن ممكنًا لولا التسليح والمساندة الإستخبارية واللوجستية والتمويل من الولايات المتحدة. بهذا المعنى، كل حرب تشنها "إسرائيل" إنما تخوضها بالقدرات الأميركية غير المحدودة. بينما تعتمد إيران على قوتها الذاتية، وغالبًا على إنتاجها العسكري الخاص، ما يجعل أي محاولة للمقارنة في مجال سلاح الجو غير موضوعية، ومحاولة للتقليل من أهمية التطور الذي أحرزته إيران التي لا يتوفر لها ظهير دولي مماثل.
3. نجح العدو في نسف طاولة المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين، إيران وأمريكا، وجرّ ترامب إلى مربّعه في مواجهة إيران. لكن هذا النجاح لم يكتمل وفقًا لما أراده نتنياهو. ثمة مأزق عسكري صهيوني بعد أن استطاعت إيران إحداث توازن ردع، ومأزق سياسي أميركي ناجم عن عدم القدرة على توظيف نتائج الحرب في أي مفاوضات مستقبلية مع إيران، لأن ورقة التهديد بالخيار العسكري استُنفدت، والنتائج لم تكن حاسمة لمصلحته إلى درجة قد تساعده في فرض شروطه المعروفة.
ما حققته ايران
1. هذه أول حرب مباشرة تخوضها الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الكيان الصهيوني. وقد نجحت في تحويل التهديد الذي طال أراضيها ومنشآتها وقواتها المسلحة ونظامها السياسي إلى فرصة لتأكيد استحالة القضاء عليها بالقوة العسكرية، أو إلغاء دورها على الصعيد الإقليمي. بهذا المعنى، كان العدو يفترض أن الحرب ستضرب قدرات إيران، وستشلّ دورها الإقليمي، لكن النتائج تعيد فرض الحضور القوي للجمهورية الإسلامية، وهي التي تجرؤ على ضرب "اسرائيل"، ليلًا ونهارًا، وضرب القاعدة الأميركية الأكبر في المنطقة، وهذا له ما بعده من حسابات.
2. هذه الحرب كانت فرصة لكي تردّ إيران بالفعل على المخذّلين الذين كانوا يروجون، طوال الوقت، أن إيران لا تريد أن تردّ على "إسرائيل" ولا على أمريكا، أو ليست لها القدرة على ذلك.
3. تمكّنت إيران من فرض توازن رعب حقيقي على الكيان عطّل مناحي الحياة العامة، وقد أوقعت خسائر وأضرارًا جسيمة في منشآت ومواقع مهمة، استخبارية وعسكرية واقتصادية، تكتم العدو عنها.
4. بخلاف ما حدث في اليوم الأول من نشوة انتصار في كيان العدو، حكومةً ومستوطنين، أدت العمليات العسكرية الإيرانية، وبوتيرة يومية في الصباح والظهر والمساء وساعات الفجر، إلى هزّ ثقة المستوطنين بقدرات جيشهم على حمايتهم وعلى حسم الحرب. وبالتالي، عندما طال الوقت؛ وجد كثيرون أن العيش في الملاجئ مُتعب جدًا، ولا يوفر حماية مطلقة أمام الصواريخ الإيرانية، وأصبحت فكرة الجلاء عن الكيان مستساغة، ما أدى إلى هجرة حاولت سلطات الاحتلال السيطرة عليها بضبط عمليات المغادرة.
5. تمكّنت إيران من اختبار فاعلية صواريخها المتعددة الأنواع، في ساحة حرب حقيقية، وتعرّفت إلى القدرات الفعلية لكل منها في حقلِ تجاوز دفاعات العدو والوصول إلى أهدافها المحددة. ومن شأن ذلك أن يساعد الباحثين العاملين في تطوير هذه القدرات في إدخال تحسينات جديدة، بما يتلاءم مع ساحة الحرب مستقبلًا، بينما يجري العدو هو الآخر تقييمًا لأوجه الإخفاق في أنظمته الدفاعية.
6. أظهرت الحرب ثغرات مهمة في الجانب الأمني، لاسيما تغلغل خلايا للعدو في مناطق إيران المختلفة، وهي التي شاركت في الضربة الافتتاحية بمسيّرات مفخخة وتوفير المعلومات للعدو عن انتشار المنصات الصاروخية وبطاريات الدفاع الجوي والشخصيات العلمية والعسكرية. لكن تمكّنت الأجهزة الأمنية الإيرانية من تفكيك العديد من هذه الخلايا، ومن المتوقع أن يتيح وقف النار فرصة لتزخيم حملة ملاحقة هذه الخلايا التي تتسلل إلى البلاد من منافذ دول مجاورة، على امتداد حدود إيران الطويلة.
7. في وقت أراد العدو فيه أن تحدث الحرب صدعًا وفوضى في داخل إيران، أسهمت مجرياتها في تحشيد الإيرانيين خلف قيادتهم بشكل لم يسبق له مثيل، منذ مدة طويلة. لقد تغلبت المشاعر الوطنية على الاختلافات السياسية والخلافات الجزئية، وظهر ذلك في تصريحات لإيرانيين كانوا ينتقدون نظامهم باستمرار، لكنهم رأوا أن العدوان الخارجي، لا سيما من جانب "إسرائيل"، يفرض تناسي أية ملاحظات الآن والعمل لإفشال أهداف العدو.
في الحصيلة، وقفت إيران وحيدة بينما دول الغرب تبارك "حرب إسرائيل القذرة بالنيابة عنا"، وفقًا لتعبير مستشار ألمانيا، ومجلس الأمن لم يتمكّن من أخذ قرار بوقف النار، والوكالة الدولية للطاقة الذرية عاجزة هي الأخرى عن النطق بإدانة ضرب منشآت نووية تخضع لمراقبتها. مع ذلك، صمدت الجمهورية الإسلامية أمام موجة عاتية، وتمكّنت من توجيه ضربات قاسية للعدو دفعته لطلب وقف النار.
هي جولة قتال استعدّ لها الكيان الصهيوني، منذ سنوات طويلة، بالمشاركة مع الولايات المتحدة ودول أخرى في مناورات جوية مشتركة ومحاكاة على عمليات هجومية، وبتحضير وسائل القتال اللازمة. واستعدّت لها إيران، من جهتها، في المناورات والتطوير الصاروخي الذي يعوّض نسبيًا عن انعدام التكافؤ في سلاح الجو. والآن، فإن وقف النار، إذا صمد، لن يلغي مساعي العدو لإبقاء الأنظار مركزة على إيران بهدف تهيئة الأجواء لافتعال حرب جديدة، على أمل أن تشارك الولايات المتحدة فيها بصورة أكبر من قبل.
لقد ربط العدو مصيره ووجوده بهذه المواجهة، وأصبح ذلك مؤكدًا بعد النتائج المخيبة لهذه الجولة التي لم تحقق له الأهداف الاستراتيجية الكبرى، والتي شخّصها مبكرًا.