إيران

ركزت الصحف الإيرانية، اليوم الخميس، 26 حزيران/يونيو 2025، على مفاعيل الانتصار الإستراتيجي الذي حققته الجمهورية الإسلامية في مواجهتها الأخيرة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، ورأت أنه بداية لتبدّل واسع في المعادلات الإقليمية والدولية. وأشارت الصحف إلى أنّ بعض أبعاد هذا الانتصار بدأت تتكشف تدريجيًا، خصوصًا على صعيد الردع العسكري وتوازن القوى، وكذلك في المسار الدبلوماسي؛ فباتت طهران تتحدث من موقع قوة غير مسبوق منذ سنوات.
كما رأت بعض التحليلات أنّ هذا الانتصار سيترك أثرًا عميقًا في مسارات الملفات الساخنة في المنطقة، من سورية إلى لبنان واليمن، إضافة إلى الملف النووي، وسط ترقب عالمي لكيفية تعاطي واشنطن مع هذا التحوّل النوعي.
النصر أم الهزيمة؟
بداية، كتبت صحيفة إيران: "إحدى آفات المناخ السياسي الإيراني، والتي ليست موجودة فقط في إيران بالطبع، هي التسرع في التصرف وتقييم كلّ حدث. على سبيل المثال، يمكننا أن نذكر حادثتي هجوم إيران على العديدة ردًا على العدوان الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، وكذلك إعلان وقف إطلاق النار.
في الحال الأولى، قبل أي تفاصيل عن الهجوم ومدى الأضرار وردود الفعل، حاول البعض التشكيك فيه وتصويره على أنه مسرحية، تمامًا مثل المحاولة التي حاول ترامب غرسها في تغريداته".
وتابعت "هذا في حين أن تحليل هذا الحدث الكبير ودراسته، ما هو إلا الهجوم على أكبر قاعدة أميركية على أراضي إحدى الدول القريبة من طهران، قطر، لا يمكن أن يتم من دون تفاصيل وكشف أخبار ومعلومات دقيقة".
وكان هذا التسرع واضحًا، أيضًا، في إعلان وقف إطلاق النار، قبل أن تصل الساعة إلى 7:30 صباحًا، كان البعض قد حدد بالفعل الفائز أو الخاسر في هذه المعركة. مع أن طريقة انتهاء وقف إطلاق النار وطبيعته تُعدّان بلا شك أحد أهم العوامل في قياس النصر أو الهزيمة في مقاومة الاثني عشر يومًا.
أولًا، بالنظر إلى نوع الإجراءات والتدابير ومواقف العدو، يُمكن القول بوضوح إن هدفهم كان إسقاط النظام وتغييره. وكانت الأهداف المعلنة رسميًا لإنهاء برامج إيران النووية والصاروخية من بين أهداف "تل أبيب" الأخرى في بداية الهجوم على إيران.
وفي ما يتعلق بالهدف الأول، واجه العدوّ صدمةً كبيرة، إذ ظنّ، تحت تأثير الحركة البهلوية، أن الشعب سينضم قريبًا إلى "إسرائيل" كمنقذ. ومع ذلك، ثمة غموض ونقص في المعلومات في ما يتعلق بقدرات إيران الصاروخية والنووية، ويستحيل الحكم عليها. ومع ذلك، يمكن القول إن النظام الصهيوني قد وجّه ضرباتٍ بفضل القدرات التشغيلية لطائراته المقاتلة، إلا أن هناك كثيرًا من الشكوك والريبة عند الشخصيات ووسائل الإعلام العبرية عن مدى اقترابه من هدفه.
على الجانب الآخر، أطلقت إيران، في مواجهة الحرب المفروضة عليها، ما يقارب 550 صاروخًا باليستيًا و1000 طائرة مسيّرة على "إسرائيل"، ما أسفر عن مقتل 28 إسرائيليًا على الأقل وإصابة أكثر من ألف. كما دُمرت عشرات المواقع في المناطق الإسرائيلية، وتضررت مئات المنازل بشدة. ووفقًا لتقرير إدارة الضرائب التابعة للنظام، فقد وردت 41,651 طلب تعويض إلى مراكز صناديق التعويضات، منها 32,975 طلبًا للمباني. رقمٌ غريبٌ يُشير إلى ارتفاع حجم الضربات الصاروخية الإيرانية على المناطق السكنية والإدارية أو المراكز العلمية. هذه المعلومات لا تشمل المناطق العسكرية غير المُعلنة.
[...] من جهةٍ أخرى، استطاعت "إسرائيل"، برأيها، تحقيق بعض الإنجازات لنفسها. من وجهة نظر إذاعة الجيش الإسرائيلي، كان دخول الولايات المتحدة في الحملة العسكرية لمهاجمة المنشآت النووية، وخاصةً منشأة فوردو، أعظم إنجازات هذه الحرب. بالطبع، هناك جانبٌ خفيٌّ آخر، يُظهر أيضًا عجز "تل أبيب" وحاجتها إلى الاعتماد على الولايات المتحدة ودعمها.
كذلك، تُعدّ الهجمات على عشرات المنشآت والأفراد المرتبطين بالبرنامج النووي، مثل مصانع أجهزة الطرد المركزي، واغتيال 15 عالمًا نوويًا إيرانيًا بارزًا، واغتيال أربعة من كبار القادة العسكريين، واغتيال اثنين من كبار مسؤولي فيلق القدس، من بينهم الحاج رمضان الشخصية المهمّة والمؤثرة في القضية الفلسطينية ومقاومة حماس، بالإضافة إلى الهجمات على مراكز الدفاع، قضايا أخرى يمكن ذكرها في هذا السياق. ليس من السهل دراسة وتحليل الحالات المذكورة أعلاه لعدم وجود تقدير دقيق لمدى تحقق بعضها؛ ولكن إجمالًا، يمكن القول إنه على الرغم من تعرض إيران والأمة الإيرانية العظيمة لبعض الضربات، إلا أنهما حققتا نصرًا إستراتيجيًا في المجمل برفضهما السلام المفروض والحفاظ على الوحدة الوطنية، وبالتعلم من الهزائم غير الإستراتيجية، عليهما محاولة الاستعداد لاستمرار الحرب بين "إسرائيل" وإيران. من الواضح أن "تل أبيب" لن تتخلى عن هذه المغامرة الكبيرة بهذه السهولة".
البيانات الضخمة لا تقول الحقيقة بالضرورة
من جهتها، كتبت صحيفة وطن أمروز: "لماذا قررت أميركا ووكيلها نظام الاحتلال الصهيوني شنّ حرب على إيران؟ للإجابة عن هذا السؤال جوانب متعددة. أحد مكونات قرار شنّ حرب شاملة على إيران يعود إلى فهم العدوّ للمجتمع الإيراني. والسؤال الآن هو: ما هو هذا الفهم الخاص للمجتمع الإيراني الذي شجّع العدوّ على شنّ حرب على بلدنا، ومن أين تغلغل في عقول صناع القرار عند العدوّ الصهيوني؟".
وقالت: "إنّ الفهم الذي شجّع العدوّ على اتّخاذ قرار مهاجمة إيران هو هذا الفهم للمجتمع الإيراني: هذا المجتمع مجتمع هشّ ومتهاوٍ، وقد تخلّى أعضاؤه عن القيم الجماعية، ويعارضون النظام السياسي القائم بأي ثمن".
وفي السنوات والأشهر والأيام التي سبقت الحرب، كان هناك من روّج لهذا الفهم للمجتمع الإيراني. كما سعت المعارضة البهلوية الجديدة جاهدةً إلى إيصال هذا الفهم إلى جهاز العدوّ الإدراكيّ لتشجيعه على شنّ حرب على إيران، ولكن هذا ليس كلّ شيء.
وتابعت الصحيفة: "يجب أن نجد جزءًا من قصّة فهم وجهة نظر العدوّ في قرار مهاجمة إيران في ظاهرة البيانات الضخمة الجديدة. مع تطوّر الإنترنت وفاعليته، وخاصةً مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت بيانات كثيرة عن سلوك الجمهور متاحة لأصحاب منصات الإنترنت التفاعلية. وكانت الشركات الكبرى التي تبيع السلع وتدير الحملات الانتخابية من أهم وأوائل الشركات التي أبدت رغبتها في جمع وتحليل البيانات الضخمة لتحليل سلوك المجتمع وإدارة سياستها التجارية أو الانتخابية وفقًا لمصالحه وأذواقه".
وفي ما يتعلق بتفسير هذه الظاهرة الجديدة، أي تراكم بيانات الإنترنت على شكل بيانات ضخمة، تجدر الإشارة إلى أن البيانات الضخمة تشير إلى مجموعة من البيانات التي تتجاوز، نظرًا إلى حجمها الهائل وسرعة إنتاجها العالية وتنوعها الواسع، قدرات أدوات معالجة البيانات التقليدية. وقد تشكلت هذه الظاهرة مع توسع التقنيات الرقمية والإنترنت والأجهزة المتصلة بالشبكات، مثل أجهزة استشعار إنترنت الأشياء ومنصات التواصل الاجتماعي. تُولّد هذه البيانات من مصادر متعددة، ما يسمح بإجراء تحليل معمق واستخراج الأنماط الخفية. وتُعد البيانات الضخمة مهمّة ليس فقط بسبب حجمها، أيضًا بسبب قدرتها على خلق قيمة.
ووفقًا للصحيفة: "من منظور اجتماعي وعلمي، تُعدّ البيانات الضخمة أداةً لفهم المجتمعات بشكل أفضل وحل المشكلات المعقّدة. يُمكن أن يُؤدي تحليل البيانات الضخمة إلى تحديد الاتّجاهات الاجتماعية، والتنبؤ بالتغيرات الاقتصادية، وحتّى فهم طبيعة ردود فعل الناس أزاء الأزمات. يبدأ تحليل البيانات الضخمة بقياس المواقف، ويؤدي إلى تشكيلها. من شبه المؤكد أن أحد أسس قرار مهاجمة إيران كان تحليل البيانات الضخمة على الإنترنت الفارسي، وخاصةً منصات التواصل الاجتماعي الفارسية. إن وجود المناهج السلوكية، كونها التيار الرئيسي للعلوم الإنسانية في المراكز الأكاديمية والسياسية الأميركية، وبالتالي في النظام الصهيوني، يُعزز هذه الإمكانية بشكل كبير".
[...] أظهرت قصّة إيران أنه لا يمكن وضع البيانات الضخمة في الركائز الأساسية للقرارات المتعلّقة بالدول. إن فشل حسابات العدو في الحرب الأخيرة على إيران مثالٌ واضح على هذا الادّعاء، لكن الحقيقة هي أن هذه البيانات الضخمة ساعدت العدوّ في اتّخاذ قرار مهاجمة إيران، لذلك من الواضح أن حوكمة البيانات من ضرورات المجتمع الإيراني اليوم".
انتصار إيران في هندسة الحرب غير المتكافئة
هذا؛ وكتبت صحيفة رسالت: "في عالم فوضوي؛ حيث كُتبت قواعد لعبة القوّة لسنوات لمصلحة الأثرياء، خرقت إيران الثورية القواعد مرة أخرى؛ ليس على أرض العدو، ولكن من خلال إعادة تعريف ساحة المعركة وإزعاج الشكل الراسخ للحرب الحديثة.
وردًا على عدوان النظام الصهيوني، لم تغير جمهورية إيران الإسلامية المعادلات العسكرية للمنطقة فحسب، شككت أيضًا بشكل أساسي في نموذج الحرب المستقبلية. في هذا المجال، لم يكن ما حدث مجرد تبادل لإطلاق النار؛ بل كان نوعًا من الثورة المفاهيمية في هندسة القوّة.
1. [...] فشل مفهوم الأمن الرقمي: في عالم اليوم، يعد الأمن نتاجًا لإدارة الصورة وهندسة السرد أكثر من كونه نتاجًا للقوة الحقيقية. لكن إيران، في هجوم غير مسبوق، مزقت طبقات هذا الغطاء الرقمي واستهدفت البنية التحتية النفسية لتل أبيب بشكل مباشر
2. [...] إلغاء مشروع نهاية التاريخ: لقد عطل رد إيران الحاسم خارطة طريق الأحادية الأميركية. من دون أن تكون عضوًا في أي تحالف رسمي ومن دون الاعتماد على الدولار أو حلف شمال الأطلسي، تحدت الجمهورية الإسلامية النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة. في هذا الحدث، شهدنا عودة نوع من إرادة القوّة الثورية الجديدة؛ ليس من أجل الهيمنة، ولكن من أجل المعنى. لقد كانت الحرب الأخيرة بمثابة "لا" تاريخية للمشروع الغربي للعولمة الموجهة نحو الهيمنة.
3. إدخال الردع الإيماني إلى أدبيات الأمن العالمي: في حين عرّف الغرب الردع أنه مبدأ التدمير المتبادل المؤكد، قدمت الجمهورية الإسلامية مفهومًا جديدًا: الردع الناتج عن الإيمان والاستشهاد والاستعداد الوجودي للتضحية
[...] النصر في هذه المعركة لا يُقاس بالتعريف الغربي الرسمي. هنا، يعني النصر زعزعة إدراك العدو، وليس مجرد الهيمنة العسكرية.
هزمت الجمهورية الإسلامية عدوًا ما يزال عاجزًا عن فهم معنى هذا الهجوم، بشكل صحيح، بهجومٍ مليء بالمعنى. كان هذا انتصارًا من طراز الثورة الإسلامية".