نقاط على الحروف

في 27 تشرين الثاني الماضي، أُعلن عن وقف إطلاق النار بين كيان الاحتلال "الإسرائيلي" وبين لبنان، لندخل بعدها في سلسلة خروقات "إسرائيلية" عدوانية عُدّت بالآلاف، توزعت ما بين الجنوب اللبناني والبقاع كذلك. خروقات عدوانية طاولت مدنيين ومنازل آمنين، سرعان ما تحوّلت إعلامياً لدى الأطراف المناوئة للمقاومة إلى مادة تقلب فيها الحقائق. فبدل التنديد بالعدوان "الإسرائيلي" المتكرر على اللبنانيين راحت هذه المنابر تتنطح للتبرير للاحتلال، من باب دعوة المقاومة إلى تسليم سلاحها وتكرار السردية "الإسرائيلية" بتسليم السلاح مقابل انتفاء "حجة" هذه الخروقات. لا يقف الأمر هنا، إذ عُمل منذ أشهر عدة، بل ونشط في الفترة الأخيرة لا سيما بعد العدوان "الإسرائيلي" على الجمهورية الإسلامية في إيران، الترويج لفكرة التطبيع مع الاحتلال، استناداً الى ما شهده لبنان أخيراً من حرب "إسرائيلية" مدّمرة، ومحاولة تغرير اللبنانيين بدخول منطقة "الشرق الأوسط" عصراً جديداً أو بالاصطلاح الأميركي :"الشرق الأوسط الجديد"!. والدعوة بالتالي إلى تسليم السلاح والعيش بـ "سلام"!.
Mtv رأس الحربة
على رأس هذا الإعلام يمكن الاستناد إلى قناة mtv من خلال محطات عدة طاولت برامجها وأخبارها السياسية. المحطة تسعى في الآونة الأخيرة، وعبر منصات مختلفة حتى الترفيهية منها إلى الترويج للتطبيع، وشيطنة سلاح المقاومة وقلب الحقائق عبر اعتبار هذا السلاح سبباً في بقاء الاحتلال وعدوانه على اللبنانيين لا العكس. سننطلق أخيراً مما بُث على هذه الشاشة، خلال تغطيتها للعدوان "الإسرائيلي" على الجنوب اللبناني تحديداً "النبطية الفوقا" ومرتفعات "كفرتبنيت". ففي مقدمة نشرة أخبارها (27 حزيران) ادعت mtv أن "المشكلة" تكمن في أن المسؤولين اللبنانيين، "يتجاهلون ما طلب منهم في اتفاقية وقف إطلاق النار":"من تفكيك كل المنشآت المخصصة لإنتاج الأسلحة وكل البنى التحتية في المواقع العسكرية".وختمت بالقول :"حزب الله يشكل خطراً على الجنوبيين أكثر مما تشكل عليهم تهديداً إسرائيل". كان لافتاً تضمين هذه النشرة تقريراً بعنوان :"اتفاقيات أبراهام والسلام"، تحدث عن "تغيرات في المنطقة"، وسأل المعدُّ :"هل ستؤدي (التغيرات) إلى سلام دائم؟". في المضمون، استند التقرير إلى حرب الـ12 يوماً بين كيان الاحتلال وإيران، لينطلق منها صوب "التحولات الكبرى في المنطقة"، أبرزها "توسيع اتفاقيات أبراهام"، في تطبيع العلاقات مع الاحتلال بانضمام مزيد من الدول العربية! يستشهد التقرير بكلام رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن "انتصار إسرائيل في الحرب ضد إيران سمح بتوسيع اتفاقيات التطبيع". ليأتي دور لبنان في هذا السياق، إذ يلفت التقرير إلى أن أوروبا لم "تسعَ بعد إلى إقامة علاقة ديبلوماسية بين لبنان وإسرائيل" فيما سورية دخلت في مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال.
مارسيل غانم : كفانا مكابرة.. حان وقت التطبيع!
في أثناء العدوان "الإسرائيلي" على الجمهورية الإسلامية في إيران، طالعنا مارسيل غانم في برنامجه "صار الوقت" بمقدمة من العيار الثقيل تودي بنا إلى خلاصة دعوته الواضحة والصريحة للتطبيع مع الاحتلال. اتكأ غانم هنا، على الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان، وراح يتباهى بغطرسة "إسرائيل" ويعتبر نزع سلاح المقاومة "أمراً حتمياً". الأخطر هنا، اعتباره الحديث عن "السلام" "ضرورة لحماية لبنان". قائلاً :"كفانا مكابرة وتضييعاً للوقت"، لقد تغيّر العالم، ودخلنا عصراً مختلفاً". أفرد غانم مساحة للتغني بالاحتلال وبقدرته التدميرية، داعياً إلى إسقاط نظرية "محو إسرائيل من الخريطة"، بل راح يزايد في هذه النقطة، معتبراً أنها أي "إسرائيل" باتت "قابلة للعيش بعد ما محت خصومها بكبسة بيجر". طبعاً، يسخر هنا، غانم دون خجل من عشرات الجرحى والشهداء اللبنانيين الذين طاولهم العدوان "الإسرائيلي" بتفجير البيجر!. لم يقف الأمر هنا، بل قلّل من شأن الدمار الحاصل في الكيان جراء الضربات الصاروخية الإيرانية، قائلاً لمن فرح بالخراب داخل كيان الاحتلال: "مظلومية اليهود بنت لهم دولة على أنقاض فلسطين"!.
التطبيع في قلب البرامج الترفيهية أيضاً
لم يكن الترويج للتطبيع مع الاحتلال، محصوراً في البرامج السياسية أو في نشرات الأخبار، بل يبدو أنه تسلّل إلى شاشة mtv عبر البرامج الترفيهية التي من شأنها أن تستقطب جمهوراً مختلفاً وقد يكون أوسع. سنتكئ هنا على برنامج "كل القصة" الذي بدأ عرضه في الشتاء الماضي، لنصل إلى الحلقتين الأخيرتين وما تضمنتاه من دعوة إلى التطبيع مع الاحتلال. سنعود إلى الوراء إلى حلقة بثت في 8 حزيران (قبيل العدوان "الإسرائيلي" على إيران)، إذ عرضت عدة خرائط جغرافية لـ"الشرق الأوسط"، للقول بأن الأخير يشهد "تغيرات" مع "إزالة أذرع إيران" (المقصود هنا العدوان "الإسرائيلي" على كل من لبنان واليمن وفلسطين). الحلقة استشهدت بالرئيس السوري أحمد الشرع الذي أجرى مقابلة مع صحيفة عبرية، في خطوة رأت فيها مذيعات البرنامج أنها تعني بأن "الشعب السوري سئم الحروب وتضييع الفرص"!. البرنامج تفاخر بأن السعودية على "طريق التطبيع" و"لبنان أكيد" كما رددت إحداهنّ، والمطلوب :"دخول لبنان خريطة الشرق الأوسط الجديد"، داعية إلى "سلام حقيقي" و"وقف للحروب والعيش بتقدم وتطور"!. حلقة أخرى يمكن الاستناد إليها هنا (عرضت بتاريخ 15 حزيران)، انتقدت بشدة بيان وزير الإعلام بول مرقص بخصوص معاقبة كل من يتواصل مع العدو "الإسرائيلي" ضمن ما نصّ عليه القانون اللبناني. اتجه النقاش هنا، إلى اعتبار قانون مقاطعة "إسرائيل" لا يعدو كونه يستخدم "لتصفية الحسابات أو لإسكات الأصوات"، إذ حاولن هنا، إفراغه من مضمونه. ودعت المذيعات إلى تعديل القانون، لا بل وروّجن لفكرة بقمة الغباء مفادها: أن التواصل مع العدو يصبّ في "الدفاع عن لبنان"!.