لبنان

دعا مسؤول منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله الشيخ محمد عمرو إلى استلهام دروس عاشوراء، كونها مدرسة ثورية للوعي والبصيرة، مؤكدًا أن: "عاشوراء ليست مناسبة بكاء فحسب، هي مدرسة "هيهات منّا الذلّة"، وموقف وجودي يُحدّد طريق الحق من الباطل".
جاء كلام الشيخ عمرو خلال مشاركته في المجلس العاشورائي الذي يقيمه حزب الله في كفرسالا - عمشيت، بحضور حشد من أهالي المنطقة.
رأى الشيخ عمرو أن: "الإنسان خُلق لرسالة أسمى من الأكل والشرب، فهو خليفة الله في الأرض، وما يجري من مآسٍ ومجازر ليس سببه الأنبياء أو المصلحين، بل الشيطان وأتباعه الذين يسعون لإطفاء نور الله وتفتيت إرادة الشعوب". وأضاف: "الإمام الحسين (ع) لم يُقتل لأنه حفيد النبيّ فقط، بل لأنه وقف في وجه الطغيان، وعلينا اليوم أن نُحدد: هل نحن مع خط الحسين أم مع خط الطغاة؟ لأنه لا يوجد خط ثالث".
ورأى أن المشروع القائم في المنطقة، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، يستهدف تجريد الشعوب من مقوّمات قوتها وثرواتها. والعالم الذي تسمعون عنه أنه يعيش في بحبوحة ورخاء، إنما يفعل ذلك لأنه نهب ثروات الشعوب المستضعفة. فرنسا، على سبيل المثال، يبلغ احتياطيها من الذهب نحو 2440 طنًا، وهي الدولة الرابعة عالميًا، ولا يوجد فيها منجم ذهب واحد.. فمن أين أتت بهذا الذهب؟ يمكنكم النظر إلى إفريقيا والدول التي استعمرتها لمعرفة حجم مأساة هذه الدول وما عاشته وتعيشه".
وأكَّد أنَّ: "هذه الدول الاستعمارية لن تترك الشعوب بحالها؛ فحتّى ما أسموه في المشرق بـ"استقلال الدول"، أو ما عُرف بمعاهدة سايكس بيكو، فقد وُضع على أسس استعمارية خبيثة، إذ قسّموا الشعوب، وفي داخلها عزّزوا وزرعوا بذور التقسيم والاحتراب الدائم، بينما كان كلّ أبناء المنطقة قبل هذا التاريخ يعيشون بسلام وتحاور وتقارب وألفة".
وأشار إلى أنَّ: "أميركا باتت تحكم العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وتحوّلت "إسرائيل" إلى أداة قذرة ينفّذ الغرب عبرها مشاريعه لتقسيم المنطقة، ونهب ثرواتها، وزرع الفتنة بين مكوّناتها".
وانتقد الأداء الدولي قائلًا: "أين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان من مجازر غزّة؟! عشرات الآلاف من الأبرياء يُقتلون بصمت عالمي مريب، والمجتمع الدولي نفسه الذي دمّر العراق بناءً على كذبة أسلحة الدمار، لم يعتذر إلا بعد سقوط آلاف الضحايا".
وعن الوضع في لبنان، سأل الشيخ عمرو: "من احتل بيروت؟ هل كانت المقاومة؟ أم أن المقاومة نشأت ردًّا على الاحتلال؟"، مضيفًا أن: "هناك مشروعًا لتغيير هوية النظام اللبناني ودور لبنان الريادي في التعايش والتعدد؛ لأنه النظام الوحيد في المنطقة الذي يشكّل نقيضًا لـ"إسرائيل" في السياحة والخدمات المالية والترانزيت والطبابة والتعليم والهندسة والإعلام".
وتابع: "من يصدّق أن "إسرائيل" ستترك لبنان يستعيد دوره، فعليه أن يراجع حساباته جيدًا. "إسرائيل" تعلم أنه في حال استعاد لبنان دوره، لن تكون لها مكانة اقتصادية أو سياحية، ولا حتّى خدماتية في المنطقة. لبنان، بالمقاييس كافة، أقرب إلى أسواق آسيا وأوروبا والعالم العربي من الكيان الإسرائيلي، وهو بلد تعشقه وتحترمه كلّ شعوب المنطقة، مقابل كيان "إسرائيلي" ارتكب كلّ المجازر بحق شعوب المنطقة، وهو مرفوض ومكروه في وجدانها، بل وحتّى في أوروبا اليوم".
كما أشار إلى: "وجود إرادة دولية لمنع لبنان من استخراج نفطه وغازه، في وقتٍ تتحوّل فيه "إسرائيل" إلى ما يُسمّى قبلة السلام. لكن كيف يمكن لكيانٍ قام على الاحتلال والإبادة أن يُصبح قبلة للسلام؟ نحن نعلم أن من يحبّ السلام يمنحه للآخرين، لا أن يحتلّ الدول ويبيد الشعوب. هذا العالم المستكبر لا يكتفي بالاحتلال والقتل، بل يريد أن يسخر من الشعوب التي يقتلها، يخدعها، ويقلب الحق باطلًا والباطل حقًا، مع أن "إسرائيل" لم تطبّق قرارًا دوليًا واحدًا، ولم تحترم يومًا حقًا لأي فرد أو سيادة في هذه المنطقة".
وتطرّق إلى الحرب الثقافية التي تُشنّ على المنطقة، مؤكدًا أن: "ما يجري اليوم من تطبيع مع مفاهيم دخيلة مثل المثلية وغيرها، هو جزء من مشروع لتغيير القيم والتقاليد التي تربى عليها أبناء هذه المنطقة، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، عبر نشرها بيننا باسم الحداثة، وصولًا إلى محو الهوية، وجعل الشعوب عبيدًا للاقتصاد والسياسة والثقافة الغربية الغريبة عنا".
وختم الشيخ عمرو بالقول: "نحن لا نقاتل حبًا بالحرب، لا أحد يحبّ الحرب، لكن هذه المعركة مفروضة علينا، وتستهدف وجود كلّ أبناء هذه المنطقة الأصيلين في أوطانهم ومستقبلهم وحريتهم. وهم يريدون إعادة الكرّة، فكما احتلوا فلسطين وهجّروا شعبها، يريدون تهجير كلّ أبناء المنطقة. وهذا ظلم، ونحن نقاتل لأننا نرفض الظلم الواقع علينا في الأساس، ونتمسّك بحقنا في البقاء والكرامة. اليوم، وعلى الرغم من كلّ الأحداث، فإن العدوّ قلق.. ونحن أقوياء، ولا توجد قوة في العالم قادرة على اقتلاعنا من جذورنا، من أرضنا، ما دمنا نُعلنها: نحن عبيد الله، ولسنا عبيدًا لأحد".