مقالات

اثنا عشر يوماً صاروخياً مدمراً على تل أبيب وحيفا وعلى أنحاء كيانهم كافة. فجأةً، قرر الرئيس ترامب وقف الحرب التي شنتها "إسرائيل" على إيران، استناداً إلى قوانين صادرة عن عفاريت تسكن تحت سابع أرض.
هكذا، وفي ظل شريعة الغاب، نصَّبت "إسرائيل" نفسها شرطي العالم، وقررت شن هجوم على إيران لتدمير برنامجها النووي؛ لأنها يمكن أو من المحتمل، أو سوف، أو ستسعى لامتلاك قنبلة نووية، هذا الشرطي الذي يمتلك مئات الرؤوس النووية.
لكنها لم تكن تعلم، أن مدنًا صاروخية تحت الأرض ستطلق حممها على هذا الكيان، ما سيؤدي إلى دمار لم تشهده "إسرائيل" هذه مذ زُرعت في فلسطين.
أن نرى الـ ”نتنياهو“ يخرج بمؤتمر صحفي ليقول، (سننصرف لإعادة الإعمار)، هذا التعبير الذي كان حكراً علينا نحن في الوطن العربي. فنحن الذين كانت دائماً مدننا تدمر ونسعى لإعادة إعمارها. هذا حدث جديد لم تشهده "إسرائيل" على مر التاريخ.
السؤال الذي يُطرَح الآن: من ربح الحرب ومن خسرها؟
من الطبيعي أن يقول مناصرو إيران، إنها انتصرت، فيما سيقول معادوها، إن "إسرائيل" وأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعفاريت الزرقاء قد انتصروا. دعونا نناقش هذا السؤال منطقياً وعلمياً.
أهداف "إسرائيل" من شن هذه الحرب على إيران هي أولاً، تدمير البرنامج النووي، وثانياً، إسقاط النظام، و ثالثاً، جر أميركا إلى حرب معها، لتصبح حرباً إقليمية، ويمكن أن تصبح عالمية.
الهدف الأول، تحدثت عنه صحف أميركية و"إسرائيلية"، استناداً إلى تقارير استخباراتية، فإن الضربات التي شنتها "إسرائيل" وأميركا باستعمالها القنبلة الضخمة GBU 57، على المفاعلات النووية، لم تؤدِ إلى تدميرها بشكل كامل، إنما أدت إلى تأخير البرنامج النووي لستةِ أشهرٍ.
كما أن إيران صرّحت، أنها تمكنت من نقل محتويات المفاعلات، وأصبحت في أماكن آمنة، وأنها ستستأنف العمل في هذا البرنامج وستسرِّع من تطويره. كما أنها ستقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستمنع مديرها من دخول الأراضي الإيرانية؛ لما قام به من تزوير للحقائق قبل وخلال وبعد العدوان "الإسرائيلي".
إذاً الهدف الأول لم يتحقق.
أما الهدف الثاني، وهو إسقاط النظام، فقد أظهر الشعب الإيراني تماسكاً وتضامناً مع نظامه ليشمل حتى المعارضين الذين خرجوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليقولوا إنهم لن يكونوا أبداً مع العدوان ضد بلدهم، حتى لو كانوا يعارضون نظام الحكم في بلدهم. فدعوة الـ "نتنياهو" الشعب الإيراني للانتفاض على نظام الحكم في بلدهم، صباح الهجوم المباغت، باءت بالفشل ولم تلقَ من يستجيب لها.
الهدف الثالث، وهو جر أميركا إلى حرب مع إيران لتصبح حرباً إقليمية لم تفلح، فكل ما قامت به أميركا وبعد ضغطٍ من اللوبي الصهيوني و"الإيباك"، هو إرسال مفخرة طائراتها مزوَّدةً بأضخم قنابلها لتستهدف مفاعل "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان"، لتتلقى بعد ساعات قليلة رداً صاروخياً إيرانياً على أضخم قواعدها في المنطقة وهي قاعدة "العديد" في قطر، حيث أصيبت إصابات مباشرة بعدد من الصواريخ والتي شوهدت بواسطة الهواتف الذكية المنتشرة مع المواطنين هناك؛ ليعلن بعدها الرئيس ترامب أنه سيوقف الحرب وسيتحدث مع الـ "نتنياهو" بهذا الخصوص لإجباره على ذلك.
ساعات قليلة وأُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة قطرية، لتختتم إيران الحرب قبل بدء سريان مفعول الاتفاق بدقائق، بهجمة صاروخية مدمرة توزعت على جنوب الكيان ووسطه وشماله، الأمر الذي جعل "إسرائيل" ترسل طائراتها للرد، مما جعل الرئيس الأميركي يدين ذلك ويعِد بأن تعود هذه الطائرات أدراجها دون تنفيذ العملية، لكن "إسرائيل" لم تفِ بهذا الوعد.
إذاً الأهداف "الإسرائيلية" الثلاثة من الحرب على إيران، لم تتحقق. والدمار الذي حصل في أنحاء هذا الكيان كافة، وخاصة في مدنه المهمة كـ"تل أبيب" وحيفا، كان مهولاً بحيث أن صحفاً "إسرائيلية" تحدثت عن خسائر بمليارات الدولارات وأن الصواريخ الإيرانية دمرت عدداً مهماً من المراكز العسكرية والإستراتيجية "الإسرائيلية"، والتي ما زالت "إسرائيل" تفرض تعتيماً إعلامياً عليها، بحسب الصحف "الإسرائيلية".
بعد هذا التحليل المنطقي العلمي، نستنتج أن إيران خرجت من هذه الحرب منتصرة رغم الدمار الذي حل بعدد من مراكزها العسكرية، ورغم سقوط عدد من القادة العسكريين العلماء. وأن "إسرائيل" خرجت خاسرة منها، بعدما صرح الرئيس الأميركي، أنه أنقذها في هذه الحرب.
يجب ألا نغفل أن إيران كانت خلال هذه الاثني عشر يوماً من المعركة، تحارب "إسرائيل" ومعظم الدول العظمى التي كانت تساندها، بمفردها دون مساعدة أي من الدول الحليفة والصديقة وأي من حلفائها في محور المقاومة، و الأهم من ذلك أن إيران تمكنت من كسب هذه المعركة بقدراتها الذاتية وبصناعة إيرانية من قبل علماء وخبراء وضباط إيرانيين، ولم تستعمل أسلحة من صناعة غير إيرانية.
معركة انتهت بسرعة بضغط أميركي، لنقول إنها جولة توقفت باتفاق هشٍ لا يرتكز على أسس واضحة، مما يجعلنا نقول، إن هناك جولة جديدة يحضر لها جميع الأطراف، بعد مراجعة نقدية لإخفاقات كل طرف، خلال هذه الجولة علَّه يتجنبها في الجولة القادمة التي لا أراها قريبة ولكن ليست ببعيدة أيضاً.