كلام الأمين

غسان بن جدو: مشاهدينا المحترمين سلام الله عليكم. حزننا على فراق السيد الأمة الشهيد السيد حسن نصر الله لن يفارقنا مدى العمر، إنه يعني معظمنا كما نظن بمن فيهم أو في مقدمنا سماحته ضيفنا الموقّر، لكن الحزن هذا هو دافعٌ محرّضٌ محفّزٌ على الكدح، على المبادرة واستعادة زمامها، على الواقعية بثبات، والحكمة بذكاء، وما أكثرها من صفاتٍ هي متوفرةٌ لدى أصحاب الشأن أقلّه كما أظهرت أشهر الفراق التي مرّت.
المسؤولية عظيمةٌ صعبةٌ ومركّبة، ما أعقدها من مهمةٍ وما أثقله من واجب، التحديات خلطةٌ داخليةٌ وخارجيةٌ وحتى ذاتيةٌ بشكلٍ عميق، يزيدها تشابكٌ لا يريده أحدٌ أن يصبح اشتباكاً إلّا المتلذذون بنهج الإلغاء والاستئصال والدافعون نحو الاحتراب مع غير الشبيه، وما أقلّهم حتى وإن كانت أصواتهم هي الأعلى وتنفّذهم هو الأقوى. فالحوار الصحافي هذه المرة صعبٌ، هذا طبيعيٌ مفهومٌ ومتفهَّم، فيه من العنة النفسية الكثير، واللاقدرة على التعبير والتشريح ما هو أكثر، لكن الثقة في ضيفنا صاحب السماحة الأمين الخليفة منعقدةٌ في مصداقيه الشخصية، وكفاءته على الشرح بشفافيةٍ، والإفادة بصراحةٍ، ووضع الإصبع على أي جرحٍ بأمانةٍ أمام الجماهير الناهمة بحقٍّ وأحقيةٍ على أن تعرف الحقيقة وأن تقف على مستقبلها، نقول بوضوحٍ على مستقبل وجودها بكرامةٍ واحترامٍ وأمان. ربّما هذا في بلده لبنان العظيم، حيث التنوع الداخلي الكامل الشامل مصدر غنىً وثراء هذه العظمة الموصوفة، لكنه تنوّعٌ فيه من الاختلاف الكثير والتناقض غير القليل. هذا يزيد في تعقيد المشهد والتحدّي، ويتطلّب كثيراً من الأجوبة لا شكّ، فهم مختلفون متباينون أكيد، لكنهم شركاء في الوطن ولهم حقٌ في السؤال والخلاف والمطالبة بأجوبةٍ وحلولٍ يعتبرونها هم أيضاً وجوديةً للبنان الكيان.
الرأي العام العربي يحتاج فهماً لما جرى ويجري، وإنسانية الأحرار وأصدقاء العروبة والنضال الأممي المشترك يتطلّعون الى معرفة جانبٍ من خيارات الأفق وإمكانات البقاء والثبات. بعد سنواتٍ، بل عقودٍ من الانتصارات التاريخية النموذجية خدشتها انتكاسةٌ أمنيةٌ خطيرةٌ بائنة لم يتسنى لصمودٍ عسكريٍ أسطوري عانق انتصاراً كبيراً غير ظاهرٍ من أن يشفي غليل الناس والأنصار وجماهير الأحرار أينما كانوا، بل نقول بجرأةٍ وصراحة لم يتمكّن حتى الآن من أن يبعث فيهم اطمئناناً جدياً أمام استمرار العدوان في غدره وحقده على لبنان، ومناطق محددةٍ معروفةٍ من أرضه وشعبه.
ربّما قليلون جداً ممن كانوا يتصورون مقاومةٍ بلا سيدها نصر الله، وحزبٍ بلا حسنه أحسنهم أحسننا، ربّما لا أحد منّا ونحن الغافلون عن سنن الله ومشيئته وما يُقدّره من خيرٍ لصاحب الخير شهيدنا الأسمى، لا أحد منّا كان يظنّ أنه سيعيش بقية زمنه بلا السيد حسن.
لكن في الوقت ذاته، إن من هم على تماسٍ مع المقاومة وحزبها في لبنان لم يُفاجؤوا أنّ خليفة الأمين الأكبر السيد حسن وبعده الأمين السيد هاشم هو الأمين الشيخ نعيم قاسم.
إنّ مقدّمة مقابلةٍ صحافية لا تجيز الاستفاضة ولا الحديث الإيجابي الشخصي، وما يمكن أن يلامس مديحاً حتى وإن كان واقعياً، لعلّ نجاح الرجل في إدارة المعركة العسكرية بطريقةٍ فاجأت الصديق والحليف قبل الخصم والعدو، تماماً كإعادة ترميم تنظيمٍ أُصيب في مقتلٍ، ولا نبالغ، وكإدارة تشييعٍ تاريخيٍ كان محفوفاً بمخاطر أمنيةٍ وهواجس فوضى بشريةٍ أمثلةٌ بسيطةٌ على ما سلف.
اليوم، هو مقام السؤال بحثٌ عن جوابٍ من صاحب أمانةٍ جدير وقرارٍ مسؤول، من مشهودٍ له بكفاءةٍ تنظيميةٍ إدارية، بمرونةٍ صلبةٍ وحكمةٍ وطنية، مع انتماء للقضية العامة باطمئنانٍ وطمأنةٍ لبيئةٍ ليس فقط قدّمت الغالي والنفيس، ولكنها بيئةٌ نادرةٌ في وفائها وشجاعتها ووطنيتها العالية، ربّما عدا بيئة غزة حيث الاستثناء الكوني النادر بحقّ.
حوارٌ خاصٌ هذا اليوم مع سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله، في مقابلةٍ نتمناها جامعةً وإن كانت غير شاملة، نأمل أن تكون مقدّمةً لسرديةٍ ضروريةٍ تنتظرها الأجيال ليس فقط بعضٌ من نحن. حوارٌ خاص يتحدث أكثر عن لحظ الحاضر ريثما ينقشع الضباب كي نتحدث في وقتٍ لاحقٍ بإذن الله عن الرواية الكاملة لحكاية حزب الله ومحطاته الكبرى والصغرى، بحيراتها المُقلقة وإنجازاتها العظيمة المخفية غير المرويّة، ولكنها المطمئنة حتماً أقلّه كما نسمع ونفهم.
سماحة الشيخ نعيم قاسم أخلص الاحترام والتقدير، شكراً لوقتكم، وأنا أعرف أنكم تحت ضغوطٍ هائلة، وربّما من حسن الخيار أننا نتحدّث مع سماحتكم في الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق الميادين، بتواضعها، بإمكاناتها المحدودة وقدراتها التي نتمنى أن تكون أكبر، أقول متواضع بحقّ، إنتاجاتٍ وأعمالٍ ينتظرها الكبير ويتوجّب منّا الكثير، مع ضروبٍ من قصورٍ وتقصير نعتذر عنها.
الشيخ نعيم قاسم: أولاً أنا أريد أن أرحّب بكم، بسم الله الرحمن الرحيم، وأريد أن أهنئ قناة الميادين وأهنئكم بالتخصيص، وكل العاملين، لأن قناة الميادين استطاعت أن تسدّ ثغرة كبيرة جداً في منطقتنا، وفي آنٍ معاً هي المتصدّي الأبرز لمشروع المقاومة ومشروع العزّة ومشروع الوحدة، ومشروع الأمة التي تتكاتف. اليوم مع وجود استكبار ومنهجيته في تعطيل قدرات الأمة وفي دعم الكيان الاسرائيلي، وفي محاولة إيجاد صيَغ ملتبسة في المنطقة وخاضعة، سيكون هناك إعلام مواكِب خطِر وواسع وقادر وعنده إمكانات كبيرة، أن تتمكّن الميادين في أن تكون الشمس التي تضيء في هذا العالم بشكل مؤثّر الى درجة أنّ اسرائيل لا تتحمّل أن تنقلوا صورة الواقع وليس أكثر من ذلك، وتمنع الميادين من أن تكون في فلسطين المحتلة، هذا وسام كبير على الأثر والمنهجية. مبروك لكم، مبروك للعاملين، وبصراحة أنا أقول مبروك للمشاهدين لأنّهم استطاعوا أن يسمعوا ويروا شيء يوضِح لهم الحقيقة حتى لا يأخذوا من الجهة الخاطئة.
غسان بن جدو: متفضّل سماحة الشيخ بهذا التقديم الجميل والمحفّز لنا بلا شك. سماحة الشيخ هناك سؤال منهجي، إنجازاتكم كبيرة وعظيمة على مدى سنوات طويلة، ومحطاتكم كبرى منذ اثنين وثمانين عام انطلاقة المقاومة في لبنان، هي معروفة عناصر استمرار حزب الله المقاومة ومحطاته الكبرى، من تحرير جنوب لبنان، الى حرب تموز، الى ما تسمونه التحرير الثالث في حرب تحرير الجرود، الى غير ذلك، لكن في المسيرة هذه أنتم في قيادة حزب الله كيف نظرتم الى معركة إسناد غزة؟
الشيخ نعيم قاسم: معركة الإسناد هي نِتاج طبيعي في رأينا لطوفان الأقصى، يوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول عرفنا بأنّه يوجد طوفان كما عرف العالم، يعني الإخوة في قيادة حماس في الداخل قاموا بهذا الإجراء العظيم والمؤثّر والإنقلابي والذي غيّر وضع المنطقة ولكن نحن لم نكن على علم. أتذكر بعد نصف ساعة من بداية طوفان الأقصى وصل خبر الى سماحة السيد الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه أنهم بدؤوا في فلسطين طوفان الأقصى من غزة ونريد أن نرى ماذا يمكن أن يفعل حزب الله مع التمنّي أن يفتح حزب الله المعركة بشكلٍ شامل على قاعدة أنّ هذه ستكون معركة استثنائية يمكن أن تعطي نتائج غير عادية.
للوهلة الأولى لا بدّ من التداول حتى نناقش القرار، وبالتالي لا يمكن أن تعطي القرار بنصف ساعة وربع ساعة، أوّل فكرة بادر بها سماحة السيد هي إعطاء الأمر في اليوم التالي الى القصف على مزارع شبعا، على قاعدة أنها أرض لبنانية محتلة، بالتأكيد سيردّ الاسرائيلي، نردّ نحن على الاسرائيلي بتوسعة أكبر، بانتظار أن نناقش ما هو المدى وما الذي يمكن أن نصنعه. اجتمعت الشورى قررت أن ندخل نحن بمعركة مساندة. لماذا مساندة وليست حرب شاملة؟ لأن الحرب الشاملة سيكون لها نتائج متوقَّعة وبالتالي يجب أن يكون هناك استعدادات موجودة لدينا قبلها، وهذا لم يكن متوفراً، فكان لا بدّ أن ندخل بعملية المساندة وبشكل محدود ونقرأ أين التطوّر الذي سيحصل خلال الأسبوع، الأسبوعين الأول والثاني وعلى أساسها نحسم خيارنا بشكل واضح أكثر.
عندما مرّ أسبوعان وثلاثة على مسار المساندة خلاص ترسّخ في قيادة الشورى عندنا برئاسة سماحة الأمين العام قدّس الله روحه، أننا يجب أن نخوض حرب مساندة وليست حرباً شاملة، السبب أنّ المساندة تحقّق الأهداف المطلوبة من دون حاجة الى الحرب الشاملة، لأنه إذا خضنا الحرب الشاملة سيكون هناك دمار وخراب وتدخّل أميركي وستكبر الأمور بشكل أكبر دون أن نحقق الأهداف المطلوبة، بينما إذا بالمساندة استطعنا أن نحقق الأهداف، ما هي الأهداف؟
- أولاً جذب قدرة كبيرة من قوات العدو الاسرائيلي الى منطقة الشمال
- ثانياً، تهجير السكان حتى يُخلَق أزمة اجتماعية، اقتصادية، أمنية في شمال فلسطين
- ثالثاً إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى بالجنود الذين يقاتلون على قاعدة أن هذا أيضاً يسبب بخطوات للهزيمة
وهذا يسحب من القدرات الموجودة في منطقة غزة وغلاف غزة ويخفّف عن الأهل في غزة، إضافة الى أنه يعطي رسالة واضحة للاسرائيليين أنّهم سيواجهون على جبهتين وبالتالي أفضل لهم أن يجدوا حلّا ويوقِفوا الموضوع، فتكون عملية المساندة قد حققت الأهداف بالتخفيف عن غزة وبدفع الاسرائيلي أن يذهب الى الحل.
غسان بن جدو: من فضلك سماحة الشيخ، عندما تقول إنه تم الاتّصال بكم بعد نصف ساعة، تمّ الاتصال بكم من لبنان أو من غزة؟ ثانياً عندما طُلب منكم بوضوح أن يدخل حزب الله هذه المعركة الشاملة من دون أي تنسيق مسبق!
الشيخ نعيم قاسم: لم يكن هناك أي تنسيق مسبق ببداية المعركة، ونحن لم نكن نعرف، وبالتالي لا نستطيع، إذا لم نكن على علم لا نستطيع أن ندخل في معركة شاملة، بالوقت الذي كما ذكرت لك بالتحليل الذي حللناه خلال الأسابيع الثلاثة بعد أن بدأنا، اقتنعنا بأنّ المساندة تحقق الأهداف.
غسان بن جدو: اتصلوا بكم من لبنان أو من غزة؟
الشيخ نعيم قاسم: لا، نحن وصلتنا رسالة أحد ما من لبنان نقلها من غزة، يعني الرسالة من محمد الضيف رحمة الله تعالى عليه شخصياً، وأنا نسيت إن كانت قد جاءت رسالة أخرى من يحيى السنوار رحمه الله، لأن الذي كان يتابع هذا الموضوع مباشرةً هو سماحة السيد بالاتّصالات التي يجرونها معه. فنحن كنا نعتبر أن هذه المساندة تحقق الهدف المطلوب..
غسان بن جدو: من فضلك هل أوضحتم لهم مقاربتكم بصراحة؟
الشيخ نعيم قاسم: بالحقيقة أكثر واحد تناقشنا معه وقتذاك الأستاذ خليل الحية مع مجموعة من المرافقين له كانوا يزورون لبنان ويغادرون، ويمكنني القول بعد مرور شهرين من المساندة قالوا لنا بوضوح بجلسة مع سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه "نحن الآن مقتنعون أنّ المساندة كافية وتؤدّي الغرض المطلوب"، وإلّا خلال الشهرين كان هناك نقاش أن المساندة غير كافية، لكن تبيّن بأنّ الإسرائيلي متغوّل جداً، صار هناك قواعد جديدة لم تكن موجودة في الكيان الاسرائيلي، الدعم الأميركي مفتوح بشكل مطلق حتى يفعل الاسرائيلي ما يريد في داخل غزة، فمع هذا الإجرام غير العادي أكثر من المساندة لن تحقق المطلوب لأنك لن تمنعه، يعني لو تمنعه كان عندنا مجال أن نفكّر، لكن نحن كانت قناعتنا أنه لن تمنعه لأن المساندة حققت الأهداف المطلوبة..
غسان بن جدو: الى أي مدى أخذتم أيضاً بعين الاعتبار بشكل جدّي الوضع اللبناني الداخلي؟ تباين الأطراف..
الشيخ نعيم قاسم: دعني أكون صريح معك وواضح. بالوقت الذي نحن لدينا فيه قناعة أنه يجب تحرير القدس وأنّ الانعكاس الموجود في الاحتلال الاسرائيلي هو أيضاً انعكاس على لبنان لأنه أيضاً جزء من لبنان محتل، لكن في آنٍ معاً كنا نراعي أنه إذا أردنا أن نقوم بأعمال نأخذ خصوصية لبنان بعين الاعتبار، يعني يوجد أفرقاء في لبنان لا يوافقونا على التحرّك الذي نريد القيام به، يوجد ناس في لبنان يجدون أن منهجيتنا نستطيع أن نقوم بها لوحدنا لكن لا يمكننا القيام بها في وطن مترابط مع بعضه، لذلك كنّا نأخذ بعين الاعتبار أنّ القرار يلحظ الداخل اللبناني. يعني الآن إذا أردت أن أترجم عملياً أقول أنّ المساندة أخذت بعين الاعتبار كيف نخدم غزة وفي آنٍ معاً كيف لا نضرّ بلبنان، وكان دائماً سماحة السيد قدّس الله روحه يكرر "نحن لا نريد حرباً في لبنان"، يعني لم تبقَ سرية أو ضمن النقاشات، صارت معلنة، وبناءً على تصريحات سماحة السيد "لا نريد حرباً في لبنان" يومذاك الأميركان سحبوا البارجة التابعة لهم على أساس كانوا قد هيّئوها حتى إذا دخل حزب الله يدخلون هم الى المعركة مباشرةً ليخففوا عن الاسرائيلي. هذا كله أدركه الآخرون، لكن عملياً نعم نحن كنا نأخذ بعين الاعتبار الوضع اللبناني بما لا ينعكس سلباً على طريقة الأداء في المواجهة.
غسان بن جدو: وقراركم كان قراراً جماعياً، يعني لم يكن قرار سماحة السيد حسن نصر الله لوحده.
الشيخ نعيم قاسم: هناك أمر ناس كثيرون لا يعرفونه عن سماحة السيد قدّس الله روحه، سماحة السيّد كان دائماً يطرح القضايا في داخل الشورى، وفي بعض الأحيان إن كانت لديه وجهة نظر وسمع رأي آخَر وكان مُقنع هذا الرأي الآخَر كان يعدّل ويغيّر، قرار المساندة هو قرار بالإجماع داخل الشورى.
غسان بن جدو: وفي اليوم نفسه؟
الشيخ نعيم قاسم: لا ليس أول يوم، قلنا أول يوم عُمل مبادرة في الثامن من تشرين الأول بضرب مزارع شبعا.
غسان بن جدو: متى اجتمعتم؟
الشيخ نعيم قاسم: بعد يومين، يعني حتى تجتمع العالم لأن هكذا أمر لا يؤخَذ قراره بالهاتف أو بالاتصالات، والمعرفة كلها كانت طارئة. فعملياً القرار كان جماعي، كل قراراتنا الأساسية كانت هكذا، بالنهاية هو يكمل إدارة المعركة بناءً على هذه التوجهات التي نحن متفقون عليها وآخذيها.
غسان بن جدو: معركة طوفان الأقصى كانت ضمن ما سُمي ومعروف بوحدة الساحات، لذا كان ربّما مفهوماً أن يطالبكم أو يرجوكم الإخوة في غزة بأن تنخرطوا في هذه المعركة ضمن ما يُعرَف بوحدة الساحات. لكن أنا سؤالي سماحة الشيخ بصراحة ووضوح هل كنتم أيضاً جزءاً مما يمكن أن نسميه اصطلاحاً "وحدة الأهداف"؟ يعني بمعنى آخَر وحدة الساحات أنتم تنخرطون في المعركة، وحدة الأهداف كما عندكن غرفة عمليات عسكرية يكون عندكم غرفة عمليات سياسية، تناقشون، أنتم جزء من مفاوضات وغيرها، هل هذا تمّ أم كلا؟
الشيخ نعيم قاسم: حتى أكون واضح معك، لا يوجد عندنا شيء اسمه غرفة عمليات لوحدة الساحات أو وحدة الأهداف تجتمع وتناقش وتوزع الأدوار وترسل تقارير وتتداول بالموضوع، هذا الشكل التنظيمي غير موجود، نشأت فكرة وحدة الساحات قبل سنة أو سنتين من طوفان الأقصى بالنقاشات والتداول، أنه نحن طالما أهدافنا محددة وموحدة في نفس الوقت وكلنا نقرأ في كتاب واحد، ألا يجب أن نقوم بطريقة أن يكون التنسيق بيننا تنسيق وحدة الساحات؟ كانت فكرة، وحدة الساحات فكرة، لكن لم تترجَم بشكل تنظيمي معيّن. نعم وجود الجمهورية الاسلامية الايرانية أساس في هذا الموضوع، وجود القضية المركزي أساس والتي هي قضية فلسطين والقدس، لكن لم يتبلور شكل تنظيمي. عندما جاء طوفان الأقصى تحت عنوان وحدة الساحات الطبيعية بسبب وحدة الأهداف التي نؤمن بها بشكل مشترك، يجب أن نبدأ التنسيق. من هنا تلاحظ أنّ كل ساحة قدّمت بمواجهة الكيان الاسرائيلي بحسب تقديراتها وظروفها، ليس أنّ هناك أحد يرسم ويقول أنتم تعطون كذا وأنتم تفعلون كذا والآن ننشئ تلاحم قوى وكذا، لا وجود لهذا، يوجد أن قيادة حزب الله اجتمعت، ما يمكن أن نفعل نحن في هذا الوضع كجزء من وحدة الساحات؟ جلس اليمنيون مع بعضهم، جلس العراقيون مع بعضهم، الايرانيون فكروا أيضاً ماذا يمكن أن يفعلوا، كل جهة هي فكّرت..
غسان بن جدو: إيران أيضاً لم تكن على علم بما حصل في طوفان الأقصى.
الشيخ نعيم قاسم: معلوماتي أن إيران لم تكن على علم، بل أكثر من ذلك، قسم من قيادة حماس في الخارج لم يكن على علم.
غسان بن جدو: وإيران في هذه الحالة كيف تصرّفت؟
الشيخ نعيم قاسم: إيران تصرّفت أنّنا لا يجب أن نناقش، كما نحن تصرفنا، لا يجب أن نناقش قالوا لنا أم لم يقولوا، نحن علينا مسؤولية، علينا واجب أن ننصر القضية الفلسطينية بكل محطاتها، الآن هي في محطة استراتيجية مهمة اسمها طوفان الأقصى، ماذا نستطيع أن نقدم في هذه المحطة؟ بالنهاية هم درسوا وقدموا بما اعتبروا أنهم يستطيعون أن يقوموا به في هذه المرحلة بالطريقة التي يقومون بها، ولا تنسَ أنه لم يتوقف الدعم الايراني العسكري والمالي والسياسي والاعلامي والنصيحة والمخابراتي وكل ما يرتبط بهذا الأمر كانت إيران تشتغله.
غسان بن جدو: سماحة الشيخ العزيز حفظكم الله، نصل الى المحطة الأصعب والأعقد، تعرف هذا اللقاء هو ليس لقاء رواية ولا لقاء السردية الكاملة، نحن نقدّم محطات حتى نصل الى … لعلّ المحطة الأكثر تعقيداً والأكثر عنةً وصعوبةً وألماً هي محطة البيجر وأجهزة اللاسلكي، حديثٌ كبير متشعب حول هذه المسألة، لا زالت حتى أقرب الى الخيال، هل أجريتم تحقيقا؟ اكتشفتم ما الذي جرى؟ هل هو خرقٌ بشري؟ هل هي عمالة؟ هو ماذا بالتحديد؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن شكّلنا لجنة تحقيق مركزية لا زالت تشتغل الى الآن ولم تنته بشكل نهائي، ومع لجنة التحقيق المركزية أنشأنا لجان تحقيق فرعية في كل موضوع من الموضوعات، يعني بيجر، مكان شهادة سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، مكان السيد الهاشمي رضوان الله تعالى عليه، وهكذا، يعني أنشأنا محطات متفرقة وأيضاً لجنة مركزية، اللجنة المركزية لا زالت تعمل. لكن أنا أستطيع أن أقول لك بعض القواعد العامة التي قد وصلنا إليها وهي واضحة تماماً بالتحقيق بما حصل. موضوع البيجر هو موضوع يبدأ من ثغرة كبيرة كانت موجودة عندنا بعملية الشراء، لأن الشراء كان يحصل بطريقة كان يعتقد الإخوة أنه مموّه، غير معروف، له آليات معينة عبر عدة دول، بحيث لا يُعرَف أنها قادمة الى الحزب، تبيّن أنه لا كانوا مكشوفين الذين يشترون، أو الشركات التي تتابع هذا الموضوع الى الشركة الأم التي أنشأت علاقة مع الاسرائيليين أو أن الاسرائيليين تابعوها بطريقة معينة، وأخذوا خطوات للتصنيع، الى أن أرسلوها لنا.
غسان بن جدو: عندك فكرة هذا بأي سنة، عندك فكرة التحقيق متى اكتشف أن البيجر الذي تم شراءه مخترق؟ أم أنه في الأشهر الأخيرة...؟
الشيخ نعيم قاسم: الشراء كله حصل في السنة والسنة ونصف الأخيرة.
غسان بن جدو: هذا النوع من البيجر.
الشيخ نعيم قاسم: هذا النوع من البيجر. الأمر الثاني نحن عندنا فحص للبيجر، وعندنا فحص مهم، سواء للبيجر أو لأمور أخرى، وتمّ الفحص بالأدوات المتوفرة، بالطرق المعروفة، لكن تبيّن أن نوع المتفجرات التي وضعوها في هذا البيجر نوع استثنائي لا يستطيع هذا النوع من الفحص الذي كان يقوم به الإخوان أن يصلوا له، والآن يُحكى أنه كان يجب أن يقوموا بطرق أخرى أو ما شابه ذلك، يمكن أن تضعها في دائرة التقصير ويمكن أن تضعها في دائرة القصور، لكن نحن مصيبتنا بدأت من المكانين، لم نكن نعلم أنّ سلسلة الشراء مكشوفة ولم نستطع من خلال وسائلنا أن نكتشف وجود التفجير. لذلك حصلت هذه النتيجة السيئة وشملت حوالي ثلاثة آلاف أخ وأخت وطفل وامرأة ورجل، حسب مكان تواجد هذا البيجر، وكانت ضربة كبيرة جداً.
فقط للعلم، في السابع عشر من أيلول حصلت ضربة البيجر، في الثامن عشر من أيلول ضربة اللاسلكي، بعد الظهر من الثامن عشر كان عندنا اجتماع شورى، وهو آخر اجتماع عقدناه مع سماحة السيّد قدّس الله روحه، طبعاً كان غاضبا جداً، كلّف لجان تحقيق في هذا الموضوع، أمر كان غريب جداً ومفاجئ، لكن وددت أن أقول هذا المعنى.
الأمر الثاني حتى أُكمل الصورة في موضوع الخرق، نحن أيضاً كان عندنا ثغرة أخرى اسمها شبكة الاتّصالات، كان يصلنا أخبار من إخواننا المعنيين أن هنا يوجد تنصّت، هناك يوجد تنصّت، لكن المعلومة كانت أن التنصّت موضعي، لم يكن أحد قد وصل عندنا الى أن التنصّت شبه شامل، أو واسع بشكل كبير جداً، الى درجة أن الاسرائيلي يأخذ كل شيء ويطّلع على كل شيء ويعرف كل شيء. طبعاً هذه نحن لم نكن نعرفها بهذا المستوى.
الأمر الثالث، هذا الطيران الإسرائيلي الذي كان يخرج كل يوم على مدة سبع عشرة سنة ويصوّر في كافة الأنحاء في كل لبنان، كان يحتفظ بداتا معلومات عن متغيّرات جغرافية تحصل في هذا المكان أو في ذاك، أو في هذه المزرعة، أو في صخرة، أو محل بعيد أو قريب، فتجمّعت لديهم معلومات كافية حول أماكن وجود القدرة، بنسبة معيّنة حسبما وصل هو بالمعلومات التي لديه. أيضاً هذه السعة بالمعرفة نحن لم تكن متوفرة لدينا، نعرف بعض الأمور وقمنا ببعض الاحتياطات، ونقل الإخوان بعض الأشياء من أماكن الى أخرى، لكن الذي كان يعرفه الاسرائيلي أكثر. بكل صراحة أقول لك العمالة البشرية صارت أمر خفيفة جداً ومحدودة جداً أمام هذا الكم الضخم من المعلومات الذي كان متوفر بسبب التنصّت وبسبب الطيران المسيّر والإحداثيات التي أخذها.
نحن حتى الآن لم يظهر معنا أنه يوجد خرق بشري، دعني أكون دقيق، واسع، يعني..
غسان بن جدو: ولا نوعي.
الشيخ نعيم قاسم: لا، لا، لا يوجد.
غسان بن جدو: قيادة عليا، قائد كبير..
الشيخ نعيم قاسم: أعوذ بالله، لا عندنا معطيات عن خرق بشري واسع، ولا معطيات عن خرق بشري بشخصيات أساسية أو قادة في داخل الحزب، وحين ينتهي التحقيق أنا بصراحة سأحكي الرأي العام وأقول لهم إن كان يوجد خرق بشري أو لا، وكم مستوى هذا الخرق البشري، يهمّني أن يعرف الرأي العام، لكن الآن ابتداءً أقول لك أن الأمر الذي حصل بالتنصّت وبالطيران المسيّر وبكل الوسائل التي فيها التقاط معلومات كانت هي المقتل الأساسي بالنسبة لنا، وكانت بحجم كبير جداً أكثر مما كنّا نعرف وأكثر مما كنّا نتوقع.
غسان بن جدو: هل صحيح أن حزب الله كان قد اكتشف أو تلمّس أن أجهزة البيجرز كانت ملغومة، وحين أراد أن يحقق فيها أكثر تقنياً علم الاسرائيلي فضرب ضربته؟
الشيخ نعيم قاسم: في اليومين الأخيرين كان هناك محاولة للبحث في البيجر بطريقة مختلفة، يعني مثلاً أن يكسروا البيجر أو كذا، لأنهم شعروا أن هناك خلل معيّن الذي يجعل هناك علامات استفهام، هذا حصل، لكن هل الاسرائيلي صحيح بدأ لأنه خاف أن تنكشف هذا تقديره.
غسان بن جدو: لا فكرة لديكم في هذا الأمر.
الشيخ نعيم قاسم: لا، ليست لديّ فكرة إذا كان صحيح هذا هو السبب أو يضعها حجّة ليقول بدأنا في هذا الوقت ردة فعل، لا، ممكن ألّا يكون هذا السبب، السبب أنه أخذ قرار بالبدء.
غسان بن جدو: سماحة الشيخ هل صحيح أيضاً أنه كان هناك وجبة أخرى من الحاجيات العسكرية للحزب كانت هي أيضاً مفخخة ولكن لم تصلكم؟
الشيخ نعيم قاسم: صحيح، صحيح، أكبر مثال على ذلك، كان هناك وجبة من حوالي ألف وخمسمئة من البيجرز المفخخة كانت موجودة في تركيا، ويومذاك جرى اتّصال مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الأستاذ نجيب ميقاتي ليتصل مع الرئيس أردوغان ويطلب منه أن هذه الشحنة التي كادت تصل الى مطار تركيا أن يأخذوها ويفجروها، لأنها من هذا ال، لكن هذا جرى بعد تفجير البيجر، استدركنا هذا الموضوع حتى لا نحصل عليها، رغم أنها كانت قد تخطّت جزء من المسار.
غسان بن جدو: لست أدري إن كان دقيقاً، تعرف الكلام كثير، ولكن قيل أو هكذا بلغني أنه أيضاً كان هناك دروع للعسكر والمقاومين أيضاً كان يمكن أن تصلكم وكانت مفخخة، وهذه لو وصلتكم لكانت الكارثة الكبرى، نحن نتحدث عن الآلاف من الجنود.
الشيخ نعيم قاسم: هذا لا علم لي به، يعني لم بُطرَح بأن هذا الأمر موجود.
غسان بن جدو: سماحة الشيخ بكل محبة ووضوح، أنا كصحفي شاكر جداً لصراحتك وهذه الصراحة شجاعة، وهذا جزء من كلامكم يطمئن الرأي العام بلا شك أنكم أمين عام صريح وشفاف وشجاع وجريء ومطمئن، في الوقت نفسه قد يكون جزءاً من هذه البيئة ومن الأصدقاء والأنصار الذين ستنتابهم هواجس، أنتم في لحظةٍ كنتم أقوياء جداً وحصل ما حصل، الآن ربّما أنتم أقل قوة بحكم ما بعد الحرب، كيف يمكن أن تطمئنوا الى أنّ أيضاً ما لديكم ليس مخترقاً بهذا الشكل؟
الشيخ نعيم قاسم: انظر أستاذ غسان، أريد أن أسألك، هل يمكن لهذا الحزب الذي أُصيب بالبيجر، واللاسلكي، وانضربت قدرات نوعية له خلال يوم واحد ألف وستمئة غارة مئتي وخمسين طائرة اسرائيلية على مواقع مختلفة، واستشهد أمينه العام سيد شهداء الأمة قدّس الله روحه السيد حسن، واستشهد سماحة السيد الهاشمي قدّس الله روحه، ومجموعة من القادة الكبار بالمعاونين والصف الأول وبعض من الموجودين في الوحدات، كان بحسب النظرية الاسرائيلية سينتهي الحزب لأن ما أُصيب به خلال أيام يُفترَض أن هذا إنهاء الحزب، وهذا كان توقّعهم، طيّب عندما يعود الحزب ويقف على قدميه ويخوض معركة البأس، ويستطيع خلال شهرين أن يوصِل الاسرائيلي في السابع والعشرين تشرين الثاني من سنة 2024 الى اتّفاق وقف إطلاق النار، ويستمر هذا الحزب، ما معنى ذلك؟ يعني أن الطاقة الكامنة في داخل الحزب عدداً، وعدّةً، والأهم من الاثنين العقيدة والروحية والإيمان والصلابة التي تجعل الفرد بحجم عشرة وبحجم عشرين وثلاثين، لو ما وُجدت هذه القوة الكامنة، وتجربتها على الأرض موجودة ونحن لا نقول على مهلكم علينا سيحدث أمر ما، لا، حدث، حدث أنه عاد الحزب وقف على قدميه. الآن، تقول لي ليس قدر ما كان سابقاً، صحيح فيوجد تضحيات ضخمة أين تذهب هذه التضحيات؟ لكن أين يكمن الفرق؟ أن هذه التضحيات الضخمة هي رفعت مقامات أصحابها وإن شاء الله نالوا ما تمنون الشهادة التي أرادوها، وفي الوقت نفسه أعطتنا زخما حتى نحمل الأمانة ونربّي الأجيال القادمة ونسير نحن وأهلنا والمقاومون لمرحلة جديدة، وأنا قلت في التشييع، قلت نحن أمام مرحلة جديدة، المرحلة الجديدة لها معطياتها ولها أدواتها ولها إمكاناتها ولها خططها لكننا ثابتون.
بالحقيقة أنا لا أطمئن فقط، أنا أقول وهل تتوقعون أنتم إلّا أن نكون نحن موجودين وأقوياء وقادرين أن نحقق المستقبل الذي نريده نحن؟ هذا الحزب الذي عنده هكذا قادة ذهبوا شهداء، وعنده هكذا جرحى، اذهب واسمع ماذا يقولون جرحى البيجر، يقولون أمور لا تُصدَّق يا أخي قدر ما عندهم معنويات وروحانية والفرد منهم يكمل في المكان المناسب. اسمع الناس ماذا تحكي، أهلنا ماذا يحكوا، كم عندهم التفاف، كم هم سعداء حين يتحدثون عن شهادة أولادهم ويقولون لك أنا بعد عندي اثنين، راح ثلاثة بعد عندي اثنين، راح واحد بعد عندي واحد، الشاب، المرأة، الكبير، الصغير، الطفل، ابن ثماني سنوات وتسع سنوات، ابنة ثماني سنوات وتسع سنوات ماذا يقولون، كأن عندهم وعي سياسي وقد درسوا في جامعات عالمية، يفهمون ماذا يقولون. أنا أقول هكذا شعب، هكذا أمة، هكذا حزب، هكذا مقاومة، هل يتوقّع أحد أن تُهزَم؟ لا تُهزَم.
الآن، ضُربَت ضربة قاسية، صحيح، تضحيات كبرى، صحيح، نحن أعلنّا من البداية وقلنا أن الحزب انتصر، هناك ناس انتقدوا، لكنهم لم يسمعوا بماذا انتصر، نحن كنا دائماً نربط النصر بشيء، كنا نقول الحزب انتصر بالاستمرارية، الحزب انتصر بمنع اسرائيل أن تتقدم الى الداخل اللبناني وأن تصل الى بيروت أو الى صيدا، الحزب انتصر بأنّ الألفة الموجودة في الداخل اللبناني بقيت على أحسن وتيرة ولم تستطع اسرائيل أن تفتعل فتنة، الحزب انتصر بأنّ الإنهاء لم يحصل وتحقيق أهداف الاسرائيلي لم يحصل، ونحن مستمرون. هذا انتصارنا، هو الانتصار ليس دائماً انتصار والله أنت انتصرت عسكرياً يعني أنك منتصر، أنت منتصر بالاستمرار، وهل يتوقّع أحد أنّ مقاومة عندها هذه القدرات بهذه الإمكانات تواجه إسرائيل وأميركا وقسم من الدول الغربية بإمكانات، وهل من السهل حين يُقال وصل كل يوم ثلاث الى أربع طائرات محمّلة بأطنان من الذخائر للكيان الاسرائيلي! ما هذا، هذا أمر خيالي!، تحدّثوا عن ستمئة طائرة، وأكثر من مئة باخرة، كلها محمّلة صواريخ، كل الدنيا تواجه هذه المجموعة الصغيرة وبقيت واقفة على قدميها، ويُقيم الاسرائيلي معها اتّفاق من خلال الدولة اللبنانية، ولا زلنا الى الآن واقفين وصامدين، ماذا يقول المرء؟ يقول هذا انتصار باستمرارية المقاومة.
أنا أطمئن الناس، نحن باقون، صامدون، يعني ماذا سيفعل الاسرائيلي؟
غسان بن جدو: يستمر بأعماله، بضرباته، بغدره..
الشيخ نعيم قاسم: افترض الاسرائيلي استمر بالعدوان، أنا أقول لك أمراً، الآن هذا النوع من العدوان الذي يقوم به الاسرائيلي ويطوّر به رويداً رويدا، والضربات الأخيرة التي حصلت على الضاحية لتسع بنايات بلا مبرر، هي جزء من محاولة الاسرائيلي بالتعاون الكامل مئة بالمئة مع الأميركي وبإرشادات الأميركي، لأن الاسرائيلي قال أنا ضربت الضاحية بعد أن استشرت الأميركان، وهو دائماً سيقول إنه يستشير الأميركان…
غسان بن جدو: وصدّقتموه.
الشيخ نعيم قاسم: مئة بالمئة تشاوروا مع الأميركان، وهل هم يستطيعون أن يفعلوا ذلك بدون الأميركان؟ هو الأميركي مشروعه أنه دعونا نأخذ بالسياسة ما لم نأخذه بالحرب، إذاً حتى يستطيع الأميركان بالسياسة أن يأخذوا عليهم أن يمارسوا ضغوطات، الضغوطات يمارسونها من خلال اسرائيل. فعملياً نحن لا نستطيع أن نبقى صابرين الى ما شاء الله، يوجد حدود بالنهاية، متى وكيف وبأي طريقة؟ أنا لست بمحل لأحدد آليات ولا زمان، لكن إذا اعتقد الاسرائيلي ومن خلفه الأميركي ومن خلفه أيّاً كان أنه إذا ضغطوا علينا أكثر يحققون أهداف، لن يحققوا أهدافهم مهما كان الضغط، نحن أعلنّاها، سنواجه عندما يكون هناك قرار عندنا بالمواجهة، وعندنا خيارين لا ثالث لهما، النصر أو الشهادة، نحن لا خيار لدينا اسمه الاستسلام، هذا غير وارد، ولذلك إذا كانوا يريدون حل المشكلة المفروض أن يتوقفوا ويذهبوا الى تطبيق ما عليهم بالاتّفاق وبالتالي تسير الدولة اللبنانية بالطريقة المناسبة.
هنا أحب أن أحيي فخامة الرئيس جوزيف عون وأحيي المسؤولين اللبنانيين، دولة الرئيس بري، كل المسؤولين المعنيين، حتى لا أذكر كل واحد لوحده الآن، أنّه لاحظت بعد قصف الضاحية ما هذا المشهد الجميل، أنّ أركان الدولة اللبنانية على موقفٍ واحد، قائد الجيش على الموقف نفسه، المقاومة على الموقف نفسه، حزب الله وأمل، كثير من الحلفاء..
غسان بن جدو: ونحن في طريقنا الى هذا الحاضر سماحة الشيخ بدٌّ أن نتحدث عن محطة استشهاد سماحة السيد رحمه الله، نحن بالمناسبة لا نحب أن نتحدث عن قتل السيد حسن، نحب أن نتحدث عن استشهاد السيد حسن ربّما لاعتبارات دينية، عقائدية، إنسانية، وجدانية، الى غير ذلك. في وقت لاحق أكيد سماحتكم ستتحدثون في أكثر تفاصيل في هذه المسألة لكن من فضلك أوضح لي شخصياً سماحتك بعض كواليس استشهاد سماحة السيد، في تلك اللحظة، ذلك الانفجار، ما قيل عن مفاجأتكم بأنه كان في المكان ذاته الذي عادةً يُقيم فيه ويتحدّث فيه ويجتمع فيه ويُدير فيه غرفة عملياته، الى غير ذلك. وعلى المستوى الشخصي ما الذي انتابك في تلك اللحظة؟
الشيخ نعيم قاسم: استشهاد سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه لم يكن مفاجئ للعالم كله فقط، لا، نحن كان مفاجئ لنا أيضاً، إذا سألتني قبل ذلك الوقت ماذا تتصور؟ كنت قلت لك أتصور أن نموت كلنا ويبقى سماحة السيد، لأنه من ناحية العمر، من ناحية القوة والشجاعة، من ناحية التسديد الإلهي، مجموعة معطيات ربّما لها علاقة بالأمانة لأنه نحن لا نعرف الأجل متى يأتي، ما كنا نتوقع نحن أن سماحة السيد يُستشهد في هذا الوقت. ولكن بنفس الوقت ربّما من حقّه أن يرتاح، من حقّه أن يرتقي الى المكان الأعلى، يا عمّي الشهادة بالنسبة لنا الشهادة هي أعلى وسام، هو أخذ الوسام الأعلى، نحن هكذا نراه، لكن نحن خسرنا، الخسارة علينا.
نحن لا نبكي لأنه هو غادر، لا، هو ارتاح، هو في عليائه، هو رسم خط وهذا الخط مستمر، نبكي لأننا كيف نعوّض هذه الإمكانات، هذه القدرات، هذا الموقف، هذه اللهجة، هذا العطاء، هذا الزخم، لكن هذه سنة الحياة، نحن جماعة متديّنون، نخاف الله ونعرف الحق، نعرف أن الموت حقّ، نعرف أن هذه هي الشهادة. أنا على المستوى الشخصي رحت أتساءل صحيح استشهد؟ يا عمّي ربّما الخبر غير صحيح، ربّما عندما يحفرون يجدون أنه في غرفة مثلاً لم يصله، الى أن أكّد الإخوة في اليوم التالي أن هذا الجثمان أخرجناه. حقيقةً أصعب شيء علينا بالموقع الذي نحن به أنه كيف نتابع بعده، لأنّه لا يوجد عندنا شهادة توقِف مسيرة، عندنا شهادة تغذّي مسيرة، كيف يمكن أن نكون نحن أهل حتى هذه الشهادة تغذينا لنقوم بالعمل الصحيح؟ أعاننا الله بإذنه على هذا العمل.
غسان بن جدو: أستميحك في فاصل سماحة الشيخ من فضلك.
مشاهدينا الكرام أرجو أن تتفضلوا بالبقاء معنا، فاصلٌ قصير نعود بعده لاستكمال حوارِ خاص مع سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله.
غسان بن جدو: أهلاً بكم مشاهدينا الكرام الى هذا الحوار الخاص مع سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله.
سماحة الشيخ كنّا تحدنا قبل الى حين استشهاد سماحة السيد، بعدئذ بدأت الأمور تتضح، لم نكن على علم أن سماحة السيد هاشم صفي الدين قد اختير أميناً عاماً، ولكننا منذ الأيام الأولى، بل منذ اللحظات الأولى شاهدناك وعرفناك، ربّما بصفتك نائباً للأمين العام فكان طبيعياً. الإطلالة الأولى كانت بالنسبة للجمهور لافتة بعض الشيء، سأصدقك القول سماحة الشيخ وأقول تلك الإطلالة الأولى حتى وإن كانت على مستوى المضمون كانت صادقة وقوية، لكن على مستوى الشكل بدا كأنكم في وضعٍ غير طبيعي، وانعكست ربّما سلبية وعدم سلبية، سلبية لدى البعض، وراحة لدى البعض أنكم موجودون على الأقل، هل من كواليس لتلك الإطلالة الأولى إذا سمحت؟
الشيخ نعيم قاسم: الإطلالة الأولى كانت في ثلاثين أيلول، يعني بعد ثلاثة أيام من استشهاد سماحة السيد، لأنني كنت نائب أمين عام ولأنّ نائب الأمين العام يحلّ محل الأمين العام الى حين اختيار أمين عام جديد، فكان لا بد أن أخرج أنا أتكلم لأنه كنّا في الفترة لم نستقرّ بعد على نتيجة..
غسان بن جدو: من فضلك، قرار الإطلالة كان بمبادرةٍ منك؟
الشيخ نعيم قاسم: بمبادرة منّي بتنسيق أنا وسماحة السيد هاشم قدّس الله روحه، يعني أنا تحدثت معه قلت له أنا أفكر أنه يجب أن أخرج لنتحدث مع الناس لأن الناس وضعها جداً صعب، لا نستطيع ألّا نتكلم، قال لي أنا أؤيّد صحيح يجب أن تخرج وتتحدث، وبالتالي هذه المشورة التي كانت موجودة، وكان هناك صعوبة بعض الشيء مع الإخوان الباقين لأنه كان جوّنا صعب جداً.
أنا كنت قد وضعوني الإخوان في شقة مؤلفة من ثلاث غرف على أساس أن أبقى محمياً في الفترة التي كان سماحة السيد قدّس الله روحه، هو الإدارة عنده، أنا عندي الإدارة السياسية، يعني ما يطلبه منّي هو أنا أقوم به. لكن مع الشهادة صرت أنا معني بأن أتحدث. فاتّفقنا نحن والحاج محمد عفيف رحمة الله عليه وقدّس روحه، أرسلنا له خبر أن يرسل لنا واحد متخصص، أن يكون هو فقط مَن يعلم، ينقله الإخوة من الحماية ويحضرونه الى مكان، الإخوان قالول لي نأخذك الى مكان آخَر حتى تصوّر، قلت لهم حسناً، متى؟ قالوا غداً صباحاً إن شاء الله.
وإذ، أنا نمت، عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يدق عليّ الباب أحد الإخوان الذين كانوا معي، قلت في نفسي ربّما حصل أمر ما، قلت له خير؟ قال لي نريد تصوير المقابلة، قلت أي مقابلة أي لقاء؟ قال لي الكلمة التي كنّا سنصورها غداً علينا أن نصورها الآن، قلت الآن والساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأنا نائم! على الأقل حتى أغسل وجهي وأرتاح بعض الشيء أحتاج لربع ساعة أو ثلث ساعة، قال لا مشكلة المصوّر أصبح هنا، قلت أيضاً أصبح هنا؟ قال نعم. خلاص أنا فهمت أنه يجب أن نتكلم. هناك أمر جيد كنت قد قمت به أنني حضّرت قبل ليلة على أساس في اليوم التالي وليس في ذلك الوقت، فقلنا له حسناً، أين ستسجلون؟ قال في الغرفة الثانية. هناك غرفة كان فيها تحت غير مفروض، وهي غرفة صغيرة، قال نصوّر هنا لأنه لا يوجد مكان آخَر، قلت له كيف ذلك فلا تتسع الغرفة، قال لا عليك المصوّر خبير في هذا الموضوع.
غسان بن جدو: في ما سميتموها بعاشرة الزلزلة.
الشيخ نعيم قاسم: نعم لأنه مرّ علينا عشرة أيام من سبعة وعشرين الى سبعة الضربات تأتي وراء بعضها، يعني لم نلحق، وبالتالي فقط حتى نجمع بعضها، حتى تحكي العالم مع بعضها، خاصةً بدأ يخف التواصل عبر وسائل التواصل المعتادة بسبب أنها مخروقة، لكن الحمد لله تعالى.
غسان بن جدو: ما حصل سماحة الشيخ هو كان انعكاساً لوضعكم الصعب بشكل عام، بعدئذ استُشهد السيد هاشم صفي الدين وتوليتم المسؤولية. عند توليكم المسؤولية التحدي الأكبر تعلى شخصكم الكريم هو العمل العسكري، إدارة الحرب العسكرية، ومعروف عن سماحة الشيخ نعيم قاسم صحيح أنه رجل إداري لامع كما يُقال، سياسي، إداري، مهني، اجتماعي، علمي، لكن ليس معروف عنكم تخصصكم العسكري ولا حتى متابعتكم له. فجأةً وجدتم أنفسكم أميناً عاماً مسؤولاً عن العمل العسكري، بصراحةً وأمام الله سماحة الشيخ أنتم فعلاً كنتم تديرون العمل العسكري أم كما قيل لنا الجانب الايراني هو الذي جاء وأدار العملية العسكرية؟ القرار لمَن؟ التوجيهات ممن؟
الشيخ نعيم قاسم: الأمين العام في حزب الله هو رئيس المجلس الجهادي، يعني هو معني بإدارة العمل العسكري. عندما صرنا في هذا الموقع بات يجب أن نتعرف أكثر، نتواصل أكثر، نرى القادة المعنيين في هذا الموضوع ليستطيع المرء أن يدير هذا العمل. أنا سأقول لك أمراً قاله لي أحدهم.
غسان بن جدو: أحدهم من القادة العسكريين؟
الشيخ نعيم قاسم: أحدهم من القادة العسكريين إيراني، وآخَر لبناني لكنه ليس في الحزب، تكلما معي بشكل مباشر لكن هناك ناس تكلموا في أماكن أخرى. قال لي نحن متفاجئون بك، قلت له لماذا؟ قال كيف تدير معركة عسكرية؟ فأنت لا علاقة لك بالموضوع، قلت له أريد أن أسألك سؤال، إدارة حزب وإدارة مقاومة ما مقوّماتها الأساسية؟ أولاً أن يكون المرء عنده بعض الكفاءة بالقدرة الإدارية، ثانياً أن يكون عنده وعي سياسي يفهم هذا الحزب ماذا يريد وما هدفه، ثالثاً أن يكون عنده تجربة وخبرة بحيث أن عنده إطلالة إجمالية على ما في هذا الحزب وعلى قدراته وعلى وضعه حتى يستطيع أن يُدير، هذه الثلاثة متوفرة، أنا عضو شورى مع سماحة الأمين العام قدّس الله روحه، ونائب للأمين العام لاثنتي وثلاثين سنة، في داخل الشورى كان سماحة السيد قدّس الله روحه يحضر الهيكليات العسكرية تُقرَّر في الشورى، أسماء القيادات العسكرية تُقرَّر في الشورى، القرار السياسي..
غسان بن جدو: هكذا! عفواً أسماء القادة العسكريين!
الشيخ نعيم قاسم: نعم أسماء القادة العسكريين الأساسيين، المعاونين ومسؤولي الوحدات تُقرَّر في الشورى، ثالثاً كان موضوع المعارك المحتملة أو الخطوات التي تُجرى، فرضاً حين قمنا بحرب الجرود أو حين ذهبنا الى سوريا، أو حين نقاتل أو حين نرد على عمل عسكري اسرائيلي أو ما شابه، كل هذا يُعرَض في داخل الشورى ويُقال، نفكر كذا وعندنا هكذا اقتراح، المجلس الجهادي قال كذا، نضرب بهذه الطريقة، تُطلق مسيرة، يُطلق صاروخ وكذا. يعني عندنا شيء من الإلمام بكيف تصدر القرار العسكري. قلت أيضاً لهذا الأخ ليس مطلوب من القائد أن يعرف كم طول السبطانة، ويعرف الفرق بين عناوين القذائف أو الطائرات المسيّرة أو ما شابه، وإن كان عندنا فكرة إجمالية، هذه عادةً المختصون هم يقولون، يقول للمسؤول ماذا تريد؟ يقول الأمين العام أريد ضرب حيفا، يقول لك يمكنك أن تضرب حيفا بهذه الطريقة أو تلك الطريقة أو تلك، وهذه تفعل كذا وتلك تفعل كذا وتلك تفعل كذا، فبما أنه أمين عام يأخذ القرار اضربها بالطريقة الثانية، هذه لا تحتاج أن يكون عنده خبرة عسكرية كافية. فالمهم أنا أحب أن أقول لك هذا الحزب كان يُدار كما يُدار الحزب الذي له أمين عام، لم يكن أحد يدير الحزب بدلاً منّا، لا، ومن اليوم الأول، وهذا الانتظام الذي كان في المعركة بين مئتي أو أقل بقليل أو أكثر بقليل كل يوم هذا كان تابع لقرارات تُتّخَذ، عندما تُضرب تل أبيب لوحدها كان لها قرارها وليس أي واحد يضرب، عندما يصل الى بيت بنيامين نتنياهو هذه تحتاج الى قرارها، حين جاء يوم الأحد الذي أسموه هم يوم الأحد الأسود الرابع والعشرين من تشرين الثاني، 370 بين صاروخ وطائرة والى آخره هذا أيضاً بقرار.
غسان بن جدو: يعني موضوع تل أبيب لم يكن صدفةً.
الشيخ نعيم قاسم: لا يوجد شيء صدفة، كله مبني على قرارات، والأمين العام كان يتابع من خلال القيادة العسكرية، نعم يوجد مشورة إيرانية نحن نشكرهم بكل المساعدة والمشورة، لكن القرارات كانت قرارات لها علاقة بالهيكلية التابعة لنا وبطريقة الإدارة بحمد الله تعالى، وحتى أذكر أنه الكلمة الثالثة مجرّد أن أنهيتها بدأ القصف، كيف يظهران سوياً؟ لولا وجود خطة مرسومة بالموضوع لا يظهرا سوياً.
بكل الأحوال الحمد لله كانت القيادة موجودة، أنا أريد أن أذكر هنا أمراً مهما، كل القيادة العسكرية كانت مملوءة وموجودة ولم يكن هناك موقع عسكري واحد شاغر، وضعنا بدائل بسرعة، الصمود الاسطوري الذي كان موجود على الجبهة له جانبين، جانب هم الشباب المتموضعون وهم القائمون بالحمل ويعرفون ماذا يفعلون حتى لو انقطعوا عن العالم، وقاموا بشىء أسطوري، يوجد قسم آخَر كان يأتي من الخارج واسمه الدعم، الذي اسمه القصف، وأقول لك أكثر من ذلك، الى آخر لحظة كان هناك مقاتلين مجاهدين يصلون الى الخيام وعلى أماكن أخرى من الجبهة الخلفية، لم ينقطع كل شيء، نعم هناك أماكن لم نكن نستطيع…
غسان بن جدو: يعني دعم بشري كان يصل!
الشيخ نعيم قاسم: دعم بشري نعم، ودعم عسكري، يعني كانت بعض الحاجات أيضاً تصل. هذا كله كان له علاقة بالإدارة العسكرية التي كانت موجودة، والأمين العام يتابع مع هذه الإدارة العسكرية، حاجاتها، متطلباتها، قرارها والى آخره. الحمد لله تعالى قدّرنا الله أن نعمل في هذه المسيرة، وبالنهاية ليست المسألة الفنية التي نتوقف عندها، فنحن كل حزبنا، نحن في حزبنا لا يوجد عسكر وسياسة، لأن الحزب عندنا كله عسكري وسياسي والى آخره، لكن هذا له وظيفة سياسية وذاك له وظيفة عسكرية، وإلّا كلنا سوياً.
غسان بن جدو: مع ذلك طبعاً سماحة السيد بالظروف الحالية لا يجوز لي ولا لأمثالي أن يغوصوا كثيراً في الأسئلة العسكرية، لطبيعة الأمور، ولكن مع ذلك الآن عندما تقول لي سماحة الشيخ أنّ كل شيء تمّ ملؤه، كل شغور تمّ ملؤه، هل يمكن أن تطمئن البيئة والجمهور والأنصار فعلياً أنّ حزب الله الآن مقاومته العسكرية بقطع النظر عن ماذا ستفعلون، على أهبة الجاهزية، قادرة، مقاومة حزب الله قادرة ولديها القدرات البشرية وغير البشرية؟
الشيخ نعيم قاسم: أنا سأكون صريح معك وأتمنى على الناس أن تتقبّل هذا الموضوع. كل شيء له علاقة بالأعداد البشرية لن أتكلم عنه، كل شيء له علاقة بالإمكانات العسكرية لن أتكلم عنه، كل شيء له علاقة بنسَب مئوية كم قوتنا وكم بقي منها وكم راح وكم جاء لن أتكلم عنه، أكتفي بكلمة واحدة، نحن نرمم، ونتعافى، والآن جاهزون، فقط.
غسان بن جدو: الآن جاهزون؟
الشيخ نعيم قاسم: طبعاً.
غسان بن جدو: لماذا؟
الشيخ نعيم قاسم: افترض أن اسرائيل هجمت نتفرج عليها؟ لا نقاتلها.
غسان بن جدو: طيّب ما ذُكر عن تصفية خمسمئة مخزن من أسلحتكم المتوسطة والثقيلة، تصفيتها من قبل المعنيين هنا.
الشيخ نعيم قاسم: هم يتكلمون عن الشيء الذي رأوه في جنوب نهر الليطاني، البلد واسع الحمد لله. المهم، أنا في هذا التفصيل لن أتكلم..
غسان بن جدو: الرسالة وصلت.
الشيخ نعيم قاسم: أعتقد الناس تفهم علينا، لكن نحن لسنا جماعة لم نعد ولم نسكت على ضيم. يعني "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوةِ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" هذا يستمر عادةً، يبقى أنه لماذا نتكلم عن طاقتنا وإمكاناتنا؟ لكن ليعرف العدو والصديق نحن جماعة ميدان.
غسان بن جدو: ذكرتَ قبل قليل اليوم الشهير الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وفعلاً كان يوماً كبيراً، ولكن للحقيقة سماحة الشيخ عندما نعود الى تلك المرحلة كان التوقع كبيراً على أن المقاومة ستستمر طويلاً، فإذا بها تقبل وقف إطلاق النار بسرعةٍ لا تتجاوز أياماً ثلاثة، والمفارقة الأكبر التي أتمنى أن تتحدث عنها بصراحة أن الليلة الأخيرة التزم حزب الله الصمت المطبق عسكرياً أتحدث، تم الاتّفاق على وقف إطلاق النار، اسرائيل بقيت تقصف تقصف الى قبل الرابعة صباحاً بلحظات، حزب الله التزم الصمت، فهمها البعض أنه ضعف، فهمه البعض على أنه فعلاً انكسار وهزيمة، وأراد البعض أيضاً أن يأمل فهماً بأنه حكمةٌ كبيرة من قبل قيادة حزب الله، أين أنتم؟
الشيخ نعيم قاسم: أنا سأقول ما حصل وكل واحد يقدّر إن كان صح أو خطأ أو حكمة أو غير ذلك، حتى لا أدخل أنا في التقييم.
منذ أن كان سماحة السيد قدّس الله روحه، كان يقول نحن لا نريد حرباً، قبل أن تفتح الحرب بالطريقة التي فتحت بدأ يُحكى بأن هناك مشروع فرنسي أميركي لوقف إطلاق النار في لبنان لمدة واحد وعشرين يوم بمعزل عن غزة، يعني غزة مستمرة لأنه نحن سابقاً ربطنا بغزة، فطرحوا مشروع هل تقبلون واحد وعشرين يوم؟ وكان الوسيط في هذا الموضوع يوصِل الى الرئيسين بري وميقاتي بأنه يوجد هكذا مشروع، وثمّ نزل بيان مشترك فرنسي أميركي في يوم الخامس والعشرين من أيلول بأن هناك هكذا مشروع، وقبل ذلك كانت الصحافة تتحدث والاتّصالات قائمة، سماحة السيد يبلّغ الرئيس بري عبر الحاج حسين الخليل أننا بالمبدأ موافقون على فكرة وقف إطلاق النار بالصيغة المطروحة، وماذا يستطيع أن يحسّن بها هذا يحصل بالنقاش. لكن بعد يومين من إعلان أميركا وفرنسا صار اغتيال سماحة السيد وبالتالي الأمور أخذت منحى، دخلنا في المعركة التي لاحقاً سمّيناها معركة اولي البأس، رحمه الله الشهيد الحاج محمد عفيف أرسل لي بعد شهادة السيّدين رضوان الله تعالى عليهما قال لي نحن يجب أن نسمي هذه المعركة، قلت له معك حق، عندك اقتراحات؟ بصراحة أعطاني اقتراحات منه ومن واحد آخَر لن أذكر اسمه الآن، رأيت هذه الاقتراحات وظهر فيها اقتراح "أولو البأس"، أعجبتني لكن قلت أنها جافة، مرفوعة، وبالقرآن وردت "أولي البأس"، فقلنا من الأفضل إعلانها "معركة أولي البأس" فتصبح مضاف ومضاف إليه، فتكون الكلمة كما الكلمة القرآنية، "عباداً لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا". فعندما خضنا المعركة، نحن في الحقيقة نردّ عدوان، لم نأخذ قرار بدخول حرب، عندما نردّ العدوان من الطبيعي في أي وقت يتسنى لنا وقف إطلاق النار نحن حاضرون، أي وقت العدو يوقِف نحن عندنا استعداد أن نتوقف لماذا؟ لأننا لسنا من افتعل الحرب بل العدو خاضها، ثمّ وصلنا الى محل منعنا العدو أن يتقدم، منعناه أن يحقق أهدافه، افترض أن الحرب استمرت بعد أسبوع أو اثنين أو شهر أو أكثر، كل ما في الأمر أن العدو يوقِف فينا خسائر كبيرة ونحن نوقِع نوقِف به خسائر قليلة فباتت معركة استنزاف بلا هدف، بالأخير نعود ونصل الى اتّفاق، فلذلك وافقنا نحن على هذا التوقيت لأن العدو وافق على الاتّفاق، جاء يومذاك هوكشتاين أحضر مقترح ناقشه مع الرئيس بري، أرسل لنا الرئيس بري المقترح، هو وضع ملاحظات ونحن وضعنا ملاحظات، أرسلنا ملاحظاتنا للرئيس بري، أجرى مناقشة مع هوكشتاين بالملاحظات، المهم صدرت النتيجة هذا الاتّفاق الذي صدر، وحتى يكون عندك علم هذا الاتّفاق موافَق عليه بإجماع الشورى، يعني أنا قمت بمداولات مع الإخوان كنت أرسل لهم ونسمع الملاحظات الموجودة. أكثر من ذلك، الآن إذا سألت الإخوان الجهاديين أي الموجودين في المواقع المتقدمة يقولون لك هذا المقترح بمحلّه لأنه وصلنا الى محل خلاص استنزاف ولا هدف، لذلك نحن وافقنا على الاتّفاق.
غسان بن جدو: أنا أستميحك عذراً سماحة الشيخ هنا، هناك أمران قيل إنهما دفعا باتّجاه قبولكم وقف إطلاق النار، الأمر الأول عن علم والثاني عن سهو، أمّا ما هو عن علم أنّ إيران هي التي طلبت منكم بإلحاح أن تقبلوا وقف إطلاق النار لأنها لا تريد التصعيد في المنطقة، بمعنى أنكم قمتم بعملٍ نوعيٍ عسكريٍ كبير في الرابع والعشرين ولكن بعدئذٍ استجابةً لطلبٍ إيراني أنتم أوقفتم العمل العسكري القوي، وبالتالي وافقتم على وقف إطلاق النار. الأمر الثاني إنكم كقيادة مركزية هنا لم تكونوا على تواصل جدي مع الجبهة في الجنوب بحيث لم تكونوا على علم بأن المقاومين كانوا يسطّرون أسطورة حقيقية، وسهوكم عن عدم معرفة ما يحصل في الجنوب فرض عليكم أن تقبلوا وقف إطلاق النار. حول الروايتين من فضلك، للتاريخ.
الشيخ نعيم قاسم: الثانية أعجبتني أكثر، أن هناك انفصال بيننا.. هل يمكن أن يفسّروا لي أستاذ غسان..
غسان بن جدو: سمعتَ بها، بلغتكَ رسالة.
الشيخ نعيم قاسم: طبعاً بلغت. يمكن أن تفسّر لي كيف يكون وقف إطلاق النار الساعة الرابعة والذين على الحافة الأمامية كما الذين في آخر مكان كلهم يلتزمون؟ لو لم يكن هناك سلسلة قيادة مترابطة بطريقة أن هناك قرار يُنفَّذ، قرار بالقتال قتال، قرار بإيقاف القتال فيحدث ايقاف قتال، فهذه ليست صحيحة. أما موضوع أن الايراني هو الذي طلب، ليس صحيحاً، هذا نحن أخذنا قراره، نعم أبلغنا الايراني أننا سنفعل كذا، يعني أخذ علم، لكن أنه طلب منّا أبداً، ولا مرة طلب، هو قرار لبناني، وأيضاً أريد أن أقول لك أكثر من ذلك، هذا اتّفاقٌ وافقت عليه الدولة اللبنانية بالواسطة وبالمفاوضات غير المباشرة بعد أن قلنا موقفاً واحداً كحزب الله وحركة أمل في الموافقة على الاتّفاق.
غسان بن جدو: ونحن نتحدث عن ايران الجمهورية الاسلامية، علاقتكم بإيران الجمهورية الاسلامية علاقة عضوية، بنيوية، عقائدية وهذا معروف وأنتم ليس فقط تقولونه بل تتباهون به، والحقيقة أن ايران الجمهورية الاسلامية وقيادتها هي أيضاً تتباهى بعلاقتها معكم وتنظر إليكم بإجلال وتقدير كبيرين. مع ذلك بلغكم سماحة الشيخ منذ استشهاد سماحة السيد حسن نصرالله رحمه الله أن هناك التباساتٍ حثّت حول علاقاتكم بإيران الجمهورية الاسلامية وأن هناك ما يشبه الغضب أو الانزعاج من قبل بيئة حزب الله وأصدقائها من تعاطي إيران، كما يقولون، مع حزب الله. بمعنى آخَر البعض يقول إن إيران تخلّت عنّا ولم تردّ بالقدر المطلوب عن استشهاد سماحة السيد درّة التاج في محور المقاومة، إنّ إيران تخلّت عنّا بعدم الدعم الكبير والضغط في إعادة الإعمار.
الشيخ نعيم قاسم: عندما انطلق طوفان الأقصى في غزة نحن بادرنا وأخذنا قرار المساندة بلحاظ ظروفنا وقدرتنا على أن نعطي، مع العلم أنّه في البداية لم يكن هناك ارتياح من قبل الطرف الآخَر، الفلسطيني، أن هذا غير كافٍ، لاحقاً اقتنعوا، لكن بالنهاية نحن قمنا ما نقدر عليه. اليوم إيران وقتذاك غير موضوع الوعد الصادق الذي ضربت به مرّتين الكيان الاسرائيلي كان عندها تقدير إيران بأنّ أي دخول في المعركة من قبلها يعني دخول أميركا مع إيران، يعني نكون أرحنا الاسرائيليين وتركناهم يحققوا ما يريدون بأن أميركا تقاتل إيران وهم يبقون هنا، يكونون قد زجّوا أميركا في المعركة لكن مفتاحها أن تضرب إيران، لا الأفضل أن لا تتدخل إيران طالما هذا لا ينفعل، وتكتفي بالدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي وكل أشكال الدعم الذي كل المحور بحاجة له، وهو أصلاً الأساس بصمودنا وصمود الكل وعطاءاتنا وعطاءات الكل، وهو في حسابهم، وهل الدعم لا يجري إلا أن يستعمل الفرد عسكرة مباشرة؟ أولاً نحن لم نطلب من إيران أن تتدخل، لم نطلب، نعرف أن إيران كل شيء تستطيع أن نفعله ستفعله لوحدها، وبالتالي فعلت ايران كل ما عليها وزيادة، أمّا أن نزجّها أو نضغط باتّجاه أن تصبح المعركة في مكان آخَر هذا عمل غير صحيح. إن تسألني الآن كقيادة حزب الله رأينا بالمساهمة الايرانية أقول لك الايرانيون كفّوا ووفّوا ولا زالوا الى الآن ولا يتركون وسيلة إلا ويؤمّنونها ويشتغلون بها ويعطوها ويدعمون وأكثر الله من خيرهم وهذا هو المطلوب، أنهم لم يشاركوا بالمعركة مباشرة ليس كل الدعم اسمه مشاركة، هناك أشكال كثيرة كل واحد يشارك بحسب ما يراه ينفع، ما قامت به إيران هو أقصى ما يمكن أن تقوم به وهو ما نفعنا.
غسان بن جدو: إذا أدرتُ أن ألخّص سماحة الشيخ كأنني أفهم برأيكم أنّ بقاء الجمهورية الايرانية، بقاء نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بخطتها واستراتيجيتها ودعمها هو هدفٌ مركزيٌ في حدّ ذاته، العكس هو سيؤدي بالجميع..
الشيخ نعيم قاسم: بالتأكيد نحن نعتبر إذا النبع بقي حين تتضرر السواقي تترمم، لكن النبع أن يتضرر فتحصل مشكلة. وأنا هنا أود أن أقول لك أمراً، سماحة الإمام القائد خامنئي دام ظلّه كان يتابع الأحداث في غزة وفي لبنان بشكل يومي، وتصله التقارير من الحرس، ومن الأمن الايراني، ومن وسائل الإعلام أيضاً يتتبع، معلوماتي أنه كان عنده تتبّع غير عادي، وكان دائماً يحثّ المسؤولين، ادعموهم، أعطوهم، تابعوهم، اذهبوا معهم، ماذا نريد أفضل من هذا؟
غسان بن جدو: علماً أنه أيضاً للأمانة مَن يتابع الشأن الايراني ويعرف، وإن كان هم الأقدر على قول هذا الأمر، أنّ استراتيجيتهم السياسية الايرانية هي ضد التصعيد في المنطقة، لا يريدون حروباً في المنطقة، ربّما حتى اخر زيارة قام بها الشهيد قاسم سليماني الى بغداد واستُشهد هناك هدف الزيارة كان لقاءً مع الدكتور عادل المهدي رئيس الوزراء وكان سيبلّغه رسالةً واضحةً للسعودية بالتسوية، والتسوية الاستراتيجية، وليست تسوية عابرة، والأميركي كان يعلم هذا الأمر وقام بفعلته.
بعد وقف إطلاق النار سماحة الشيخ هناك من يقول أنّ أقسى ما أُصيب به محور المقاومة وأُصيب به حزب الله، ونتحدث للأمين العام لحزب الله، هو سقوط النظام السوري، ويُعتبَر الضربة الكبرى لهذا المحور لوحدة الساحات، أنتم كيف قيّمتم ما حصل؟ والآن إذا سمحتم كيف تنظرون للواقع السوري وقيادته الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع؟
الشيخ نعيم قاسم: ما حصل في سوريا بالتأكيد خسارة لمحور المقاومة، لأن سوريا كانت طريق دعم عسكري..
غسان بن جدو: محور المقاومة كله أو فقط لحزب الله؟
الشيخ نعيم قاسم: كل المحور يخسر.
غسان بن جدو: بما فيه فلسطين وغزة؟
الشيخ نعيم قاسم: بما فيه فلسطين وغزة، بل الأساس فلسطين وغزة لأن كل المشروع محوريته الأساسية فلسطين وغزة، ونحن ما هي مصيبتنا في المنطقة؟
غسان بن جدو: عفواً أقول عملياً، سقوط النظام السوري أثّر على غزة؟
الشيخ نعيم قاسم: أكيد أثّر على غزة لأنّ النظام السوري بالصيغة التي كان فيها كان داعم للمقاومة، كان طريق للمقاومة، كان هناك فلسطينيين فيه يرسلون للمقاومة، كان عنده تسهيلات للمقاومة، عندما سقط هذا النظام وبالتالي توقّفت سوريا كل المحور خسر شيء ما، كل واحد خسر بمقدار، لكن أن نقول لم يخسر المحور؟ لا هو خسر في هذا السقوط لأن الاتّجاه السياسي للنظام كان اتّجاه في مواجهة الكيان الاسرائيلي. الآن بعد أن حصل هذا التطوّر في سوريا، نحن منذ أول يوم قلنا لا علاقة لنا بالوضع الداخلي السوري، إن شاء الله يستطيعون إقامة نظام مستقلّ مترابط يتمثّل فيه كل الجهات والقوى، ونتمنى أن يكون هذا النظام في وجه اسرائيل، لأن اسرائيل عدو لهم كما هي عدو للكل. الى الآن نحن لا نستطيع أن نقرأ مستقبل سوريا بشكل واضح لأن الذي حصل من اغتيالات وعدة آلاف من العلويين وآخرين قُتلوا على يد جماعات لها علاقة بالنظام هذا خطر كبير، ثمّ لا نعرف شكل النظام السياسي الذي سيركب، هل سيكون كل الأطراف ممثلين فيه ويشتغلون فيه؟ أو سيكون أحادي ويصادر وجود الطوائف والأحزاب والقوى؟ هذا لا زال غير مبلوَر الى الآن. خطوات التطبيع التي برزت خطرة جداً ونحن نقول يجب ألّا تسير سوريا في التطبيع، على كل حال ثقتنا بالشعب السوري كبيرة، وأنا أعتقد أن هذا الشعب لن يقبل، لكن كيف يترجم هذا الموضوع هذه مسؤوليته وليست مسؤوليتنا نحن، لكن نحن ضد التطبيع، نحن قلنا ذلك عندما كان يجري مع بعض الدول العربية، ثمّ إذا أحد اعتقد أن بهذه الطريقة اسرائيل تكفّ عنهم، ها هو النظام لم يفعل شيء وأخذت ستمئة كيلومتر مربّع من منطقة الجولان والقنيطرة، وفي الوقت نفسه لم تترك قدرة عسكرية عند الجيش السوري ولا عند النظام السوري، ودائماً اعتداءاتها قائمة ومطالبها لا تتوقف، هذه اسرائيل يا جماعة، هذا كيان توسّعي لا يشبع من شيء، مجرمة لا مانع عندها أن تقوم بإبادة بشرية، وحوش متفلّتة ومعهم الطاغوت الأكبر أميركا، ماذا تتصورون أن يحدث؟ أتمنى أن تتوفق سوريا بأن يكون عندها نظام حكم من كل الأطياف ويكونوا ضد اسرائيل، سواءً باشروا أو لم يباشروا بالعداوة مع اسرائيل لكن لا يجوز التطبيع، على كل حال علينا أن ننتظر لنرى.
غسان بن جدو: هل أنتم ضد التطبيع نظرياً أو عملياً؟ يعني أنتم ضد التطبيع من حيث الموقف أو عملياً بمعنى أنكم سينخرطون داخل الواقع السوري لمنع هذا التطبيع بدعم جماعاتٍ عسكريةً ضد اسرائيل؟
الشيخ نعيم قاسم: لا، نحن ضد التطبيع نظرياً، لكن أن ننخرط عملياً لنغيّر وجهة نظر النظام السوري؟ لا علاقة لنا.
غسان بن جدو: لا علاقة لكم بأي مجموعة الآن ترفع شعار المقاومة في سوريا.
الشيخ نعيم قاسم: لا لا علاقة لنا، حتى الذين يسمون أنفسهم الآن مقاومة وأولي البأس والى اخره لا علاقة لنا به، لكن ربّما أحبوا هذا الاسم وأحداً سماه، لكن لا علاقة لنا بالمقاومة في سوريا ولا عندنا مشروع مؤسس لمقاومة في سوريا، وأكثر من ذلك أقول لك في البداية حين جرى هناك مشاكل في منطقة الهرمل وباتت هناك محاولات لزج اسم حزب الله يومذاك تواصلنا مع الجيش اللبناني وقلنا له هذه أرض لبنانية وهناك مسلحون يحاولون الدخول الى الداخل نحن لا علاقة لنا في الموضوع لأنه لا نيّة لدينا أن نقاتل الطرف الآخَر، جاء الجيش واستلم وانسحبت من الطريق. لا علاقة لنا على الحدود، مسؤولية الجيش اللبناني، ولا علاقة لنا بالشيء الذي جرى في الساحل السوري وإن كانوا حاولوا زج اسمنا، وعلى كل حال أنا قلت وقتذاك لا علاقة لنا في هذه المسألة، ولا علاقة لنا بشكل النظام في سوريا وكيفية صياغته ولا شكل المقاومة وإذا كان هناك مقاومة أو لا، نحن إذا قلنا موقف تجاه سوريا نقوله سياسياً، لكن المسؤولية عادةً تقع على الشعب السوري هم يأخذون القرار.
غسان بن جدو: لم يحصل أي تواصل مباشر أو غير مباشر بينك وبين الإدارة السورية الجديدة، لا عبر وسيط ولا غير ذلك؟
الشيخ نعيم قاسم: ما حصل تواصل مباشر، صار هناك محاولات محدودة غير مباشرة بين قوى على الأرض، لكن لم يُكتَب لها النجاح لنعرف الى أين يمكن أن تصل.
غسان بن جدو: هل يمكن أن نفهم أكثر من فضلك؟
الشيخ نعيم قاسم: يعني أوّل حصول المشاكل في سوريا وسقط النظام كان هناك بعض الإخوان يعرفون ناس من التنظيمات الأخرى، جرى حديث بينهم أنه نحن لا علاقة لنا وهم يعرفون هذا الأمر، على أساس أنه ماذا يمكن أن يكون في المستقبل، يعني ما طبيعة العلاقة التي يمكن أن تكون في المستقبل، ماذا يمكن أن نناقش بعض، لم يكن هناك أكثر من ذلك، توقفت عند هذا الحد وانقطع الاتّصال.
غسان بن جدو: ما يُقال عن إمكانية استغلال النظام السوري الجديد ضد حزب الله هل تصدقون وتتوجسّون منه ريبةً؟ أم تستبعدونه بكل صراحة؟
الشيخ نعيم قاسم: لنا حق أن نفكر بطريقة حذرة، لأنه تصلنا تقارير من بعض الدول الأجنبية والعربية أنّ هكذا فكرة موجودة، هناك أحد ما يرغب بأن النظام السوري الجديد يكون له وظيفة أن يعبث بها في الوضع اللبناني، آمل أن تكون تقارير أحلام أو أفكار وألا يكون لها تطبيق واقعي، لكن نحن علينا أن نبقى حذرين، يعني على لبنان أن ينتبه أن بعض الدول التي تتحدث مع لبنان بطريقة إيجابية لكنها لا تعطي شيئاً، تبيعنا حكي، لكنهم في الوقت نفسه مع سوريا عندهم آمال أن يستخدموا سوريا ضد لبنان، كما دائماً كانت سوريا مسيطرة على لبنان بطريقة معينة وتخدم أجندات أحياناً أجنبية وأجندة سوريا، ربّما هناك ناس الآن، ليس ربّما، هناك ناس تفكر أنه ممكن هذه التجربة تُعاد لكن بصيغة أخرى.
غسان بن جدو: داخل أم خارج سوريا؟
الشيخ نعيم قاسم: لا خارج سوريا.
غسان بن جدو: قوى عربية، قوى اقليمية؟
الشيخ نعيم قاسم: قوى عربية وقوى دولية، لكن لا أريد ذكر أسماء، لكن دعني أقول إن شاء الله تكون هذه أفكار لا تطبيق عملي لها، لكن أتمنى على المسؤولين اللبنانيين والقوى السياسية في لبنان أن ينتبهوا للذين يعطونهم حكي ولا يساعدونهم وعم عندهم هكذا أفكار.
غسان بن جدو: فيما يتعلق بالشأن اللبناني الداخلي سماحة الشيخ بعد كل هذه الأشهر من الممارسة العملية، بكل صراحة وأمانة كيف تقيّمون دور وموقف وواقع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن عبّرنا عدة مرات عن تقديرنا لمواقف الرئيس عون، فخامة الرئيس جوزيف عون كان واضح من اللحظة الأولى، كان دائماً يذكر بأنه يجب أن تنسحب اسرائيل من لبنان، يعيدون الأسرى، وندخل بالإعمار، نفس القواعد التي نحن نحكيها ومقتنعون بها أنها قواعد لبنانية ووطنية، ولاحقاً فيما يتعلق بسلاح حزب الله للذي يتكلم عن سلاح حزب الله فنجري حوار أمن وطني واستراتيجية دفاعية وعلى أساسها نتوصل لنتائج. هم يضغطون الرئيس بالقوة، يضغطونه ويقولون له استخدم الجيش حتى لو عليك أن تقاتل المقاومة، لكنه يعرف أن هذه فتنة ولا توصِل لنتيجة.
غسان بن جدو: من فضلك مَن يضغطه غير الأميركان؟
الشيخ نعيم قاسم: الأميركان يضغطونه، واسمح لي ألّا أذكر بالاسم، وبعض الدول العربية لكن لن أقول اسمها…
غسان بن جدو: تضغط في هذا الاتّجاه.
الشيخ نعيم قاسم: نعم. فالمهم أننا نقدّر مواقف الرئيس. طبعاً لن تسألني عن دولة الرئيس بري لأنه معروف أن الرئيس بري لم يترك شيء يُرفَع الرأس به إلا وقام به، وبالتالي هو حريص على الوحدة الشيعية، والوحدة الوطنية، والوحدة الاسلامية، وحريص على أن اسرائيل يجب أن تخرج من لبنان، كل هذه النقاشات بلا طعم قبل أن تخرج اسرائيل.
غسان بن جدو: مع ذلك اسمح لي بسؤال عن الرئيس بري، في تقديركم الى أي مدى يمكن أن يصمد الرجل أمام الضغوط العربية الصديقة والأميركية والغربية ضد حزب الله؟
الشيخ نعيم قاسم: هو الموقف الموجود الآن ليس ضد حزب الله، هذا موقف ضد الشيعة، وهذا موقف ضد لبنان، الذي يفكر أن هذا الموقف الأميركي العربي ضد حزب الله لا يقرأ بشكل صحيح، ماذا يطلبون؟ يطلبون ما تريده اسرائيل، اسرائيل ماذا تريد؟ تجريد لبنان من قوته، ماذا يعني تجريد حزب الله من قوته؟ يعني تجريد لبنان من قوته، لأن ماذا الآن عند لبنان من قوة؟ عنده الجيش الناشئ وبعض الإمكانات التي إذا ما ازدادت لا يصبح قوي، وعنده المقاومة التي كوّنت ظهيرا مهم للجيش والتي هي دائماً يعترضون علها ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، لا هي موجودة، فهذه هي قوة لبنان اليوم، إذا العالم يفكر كيف يتعاطى مع لبنان ويأتي الى لبنان ويناقش لبنان، لأن لبنان قوي، لو لبنان ضعيف من يعبّره؟ لا أحد. فلذلك الرئيس بري موقفه له علاقة بأنه يرى المقاومة في خطر، الشيعة في خطر، لبنان في خطر.
غسان بن جدو: عفواً لمَ الشيعة في خطر؟
الشيخ نعيم قاسم: لأنّ عندما يظهر لك ناس في داخل لبنان يقولون نحن يمكن أن نسير في الانتخابات ونشتغل كل شىء بلا الطائفة الشيعية هذا، يعني خذوا أسرارهم من أولادهم، إذا أردت أن تأخذ أسرار الكبار الذين يعملون على لبنان عليك أن تأخذها من هؤلاء حتى ترى الى أين ستصل. عندما نكون نحن موجودون كعوائل في داخل الجنوب وفي قرى الجنوب وهذه المناطق الموجودة واسرائيل تحتلها، وإذا لم يعد هناك قوة في لبنان ستمتد وتقترب الى الأمام، أوّل ناس متضررين من هم؟ الشيعة، مناطقهم، يوجد مسلمين ومسيحيين لكن أعدادهم قليلة، لكن الأغلبية الموجودة هناك من الشيعة، هذا خطر على الشيعة. الآن عندما يُقال نريد فقط في المجلس النيابي شيعي واحد لا يكون مع أمل وحزب الله، لماذا؟ لنجعله رئيس لضرب أمل وحزب الله، لا أحد يفكر أن يضرب حزب الله لوحده، لا، تفكير الرئيس بري صحيح الخطر على حزب الله وحركة أمل، لأننا عوائل واحدة، أرض واحدة، مقاومة واحدة، ابتلاءات واحدة، الآن حين تعدّ الشهداء والجرحى والعوائل هل يمكن أن تعرف من أمل ومن حز بالله إلا بعد أن يعلنوا هم؟ لأنهم من هذه الأرض وهذه الناس.
أنا بالنسبة لي أعتبر الرئيس بري هو صاحب هذه المهمة وله علاقة مباشرة، لا يشتغل لنا أو نيابة عنا، يشتغل لنا وله، يشتغل للمجموعة.
غسان بن جدو: وحضراتكم تعتبرون أنّ شيعة لبنان عفواً يتعرضون لتهديد وجودي؟
الشيخ نعيم قاسم: أنا أعتبر نعم شيعة لبنان يتعرضون لتهديد وجودي إذا ما ظلّوا واقفين على أقدامهم وإذا ما الآخرون تعاطوا معهم بطريقة يوقفوا إثارات فتنة ويحاولون ممارسة ضغوطات عليهم. نعم، القوة أين تكمن؟ المعنويات أين تكمن؟ مع العلم الآن عندما كان يريد بناء لبنان الجديد أول مَن أنقذ الاختيارات في لبنان هو أمل وحزب الله، انتخاب الرئيس، الله أعلم ماذا كانت النتيجة لو لم نوافق، نحن وافقنا لأننا نريد بناء الدولة، كل هذا الإطار الذي يجري نحن شركاء في بناء الدولة، هناك ناس تشتغل على أساس أنه لا لا يجب أن نكون هكذا، يخافون من قوتنا، لا يريدوننا، بالوقت الذي والله نحن عاقلون، نشتغل ونعطي الكل ونأخذ من حصتنا لمصلحة قيام لبنان فقط، لكن حتى أقول لك كي لا يستغبينا أحد، لا، نحن نعتبر الأخلاق والشرف والكرامة والعزة قدرما كلّفت هذا هو الربح، نحن لا نفكر بوظيفة هنا وبعض المال هناك وموقع أجنبي هنا، لا، نحن عندنا كرامة الإنسان وإيمان الإنسان وأخلاق الإنسان والإنسانية قبل كل شيء.
غسان بن جدو: على كل حال سماحة السيد كلامكم هذا جديد وليس بسيط، يعني عندما نسمع نحن في لبنان أن أطراف أخرى تناوئكم بوضوح، تريد أن تنزع سلاحكم، تريد أن تتخلوا عن كثير من الأمور نحن كنا نفكر ونتحدث عن حزب، وحزب مقاوم وحزب مسلَّح، لكن الآن أمين عام حزب الله يقول نحن ننظر الى أن الشيعة يتعرضون الى تهديد وجودي، هذا كلام جديد وليس بسيطاً، ولكن أستميحكم عذراً في فاصل أخير حتى نتحدث عن بقية الفرقاء في لبنان إذا سمحتم.
مشاهدينا الكرام أرجو أن تتفضلوا بالبقاء معنا إذا سمحتم.
فاصل
غسان بن جدو: أهلاً بكم مشاهدينا الكرام من جديد الى هذا الحوار الخاص مع سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله.
سماحة الشيخ كنا نتحدث قبل قليل قبل الفاصل عن نظرتكم للرؤساء وعن ما قلتموه بمفاجأة كبيرة أنكم تعتبرون أن شيعة لبنان يتعرضون الى تهديد وجودي، في هذا الإطار سماحة الشيخ هل لديكم رؤية جديدة، خطة جديدة، مقاربة فكرية سياسية جديدة للانفتاح الأعمق على بقية الفرقاء هنا في لبنان؟ نحن عندما نتابع خطابكم منذ سنوات للأمانة نجد نعم هناك انفتاح، هناك رغبة بالتواصل، الآن الوضع اختلف، يعني مثلاً أنا أقول نعم القوات اللبناني حزب يعلن ويجاهر بموقفه السلبي تجاه حزب الله لكنه طرف لبناني، وله قوة وحظوة بين "الشارع المسيحي"، لا يوجد إمكانية للتواصل مع القوات اللبنانية وبناء شيء جديد؟
الشيخ نعيم قاسم: أريد أن أقدم توضيحا في البداية حول موضوع الخطر الوجودي حتى لا يفهم البعض أننا نعيش أزمة خطر وجودي، هناك فارق بين أن نوصّف أن هناك خطر وجودي، وبين أنه نحن بقدر أنفسنا حتى نكسر رقبة الذي يفكر أن يقترب منّا بالخطر الوجودي، لا يفكّرنّ أحد أننا حبّتين، لا، هذا تحليلنا شيء، وأنهم يستطيعون أو لا يستطيعون شيء آخَر، فقط أنا أريد أن أطمئن الذين يفكر ون لبعيد أنه لا تلعبوا هذه اللعبة لأنه الحمد لله نحن متماسكون، أقوياء بالله أولاً ونعرف أن صمودنا واستمرارنا والذي قدمناه وأعطيناه الى حد الآن هو الكرت الذي يجعلنا نستمر واقفين كوطنيين لبنانيين قادرين أن نعمل لمصلحة لبنان ونستمر إن شاء الله، ولبنان بدوننا غير موجود، ولبنان معنا سيكون أحسن لبنان ونحن هذا أملنا إن شاء الله.
أما بالعلاقة مع القوات اللبنانية، كل الذي يراقب يراهم قد جعلونا شغلهم الشاغل ليل نهار، وهم يتصدون لكل العناوين التي تريدها اسرائيل بدون أن أتّهمهم أنهم مع اسرائيل، ولكن يوجد تطابق أفكار، هذا الحد الأدنى، في نفس الوقت لا يتركون للصلح مكان، أنت كيف تطلب منّي ما رأيك مع القوات فريق لبناني؟ وهل هو يفتح باب؟ يصرّح تصريحات تجعل الفرد يشعر أن هناك إمكانية لصلة أو علاقة؟
غسان بن جدو: بادروا سماحة الشيخ، حتى لو لم يفتح هو، هذا فريق، انظر حزب الكتائب كانت مواقفه دائماً مناوئة، لكن الشيخ سامي الجميل قال كلاماً كبيراً عندما انتُخب الرئيس جوزيف عون، بحقكم وبإيجابية.
الشيخ نعيم قاسم: بالنسبة لحزب الكتائب لا مشكلة لدينا بالحوار معه، وحصلت لقاءات كثيرة تحت الهواء وبعيد عن الإعلام لكن كانت تمرّ لجلستين وثلاث ثمّ تتوقف، تمضي سنة، يعودون ويحنّون أو نحنّ نحن ونعقد جلستين وثلاث وتتوقف، الآن أنا أقول لك لا يوجد أي مشكلة بالحوار مع الكتائب، وإن شاء الله نقوم بمساعٍ بدون أن نُحرَج من أن نأخذ ونعطي معهم.
غسان بن جدو: وحتى مع القوات، بادروا.
الشيخ نعيم قاسم: الآن أجّل القوات رضي الله عنك، دعنا نرى شيء يُبلَع في البداية.
غسان بن جدو: في ما يتعلق بتيار المستقبل حتى بالشيخ سعد الحريري زعيمه ورئيسه خارج البلد ولا يتدخل الآن في الشأن السياسي، عندكم إمكانية أيضاً لمقاربة أكثر تقدماً بالتواصل؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن عندنا تواصل مع تيار المستقبل وتجري لقاءات متباعدة، شخصيات تيار المستقبل لا مشاكل بيننا وبينهم، لكن أنت تطلب علاقة رسمية وموسّعة مع تيار هو لم يقدر الى حد الآن أن يحضر في هيكلية سياسية ليكون فاعلاً، عندما كان الرئيس سعد الحريري موجود في البلد كانت لقاءاتنا واتصالاتنا وتنسيقنا قائم بشكل كبير، ونحن كنا دائماً نسميه رئيس حكومة لأننا كنا نعتبر أن العلاقة أساسية. الآن لا مشكلة مع تيار المستقبل..
غسان بن جدو: أكيد لا مشكلة، هو الهدف من الأسئلة التفصيلية هذه سماحة الشيخ هو أن أصل الى نقطة معينة، حزب الله بقدراته وإمكاناته، بالتحديات التي يواجهها هو حزبٌ وطنيٌ لبنانيٌ أصيل وهو يخوض المعركة السياسية رغم مشاكل إعادة الإعمار والأولويات الأمنية والعدوان الاسرائيلي هل لدى حزب الله من مقاربة فكرية سياسية عدا التعاطي مع السلطة، أيضاً مع بقية الأطراف السياسية الأخرى؟ حتى لا تتجذر الهواجس، ليس فقط لدى القيادات الحزبية، حتى لا تصبح أيضاً لدى القواعد الشعبية بمختلف أطرافها.
الشيخ نعيم قاسم: أعتقد من الآن الى حوالى شهر ستلمس الساحة في لبنان شكل حراك سياسي عند الحزب واسع وشامل، مع كل الأطراف، وبالتالي نحن الآن نعمل على تنسيق وتنظيم وتوزيع الأدوار وتوزيع المهام. أيضاً أقول لك أمرا آخًر، نحن كلّفنا مجموعة من اللجان لدراسة استراتيجيات العمل للمرحلة القادمة، المرحلة الجديدة علينا أن نستفيد من السلبيات، الايجابيات، نأخذ الدروس والعبَر، نرى ماذا هناك من أمور تحتاج لتعديلات، كل هذا بالأساليب وطرق العمل لأن الثوابت ثوابت. أعتقد الاستراتيجيات التابعة لنا ربّما تحتاج شهرين لننجزها ووقتذاك تنعكس على الساحة التربوية، الإعلامية، الثقافية، السياسية، الى آخره، كل واحد بحسب.. إذاً نحن نعمل، عندنا ورشة كبيرة نشتغل فيها إن شاء الله.
غسان بن جدو: هذا معطى جديد بمعنى أنكم الآن تتجهون نحو أفق داخلي سياسي أكثر تقدماً إن صحّ التعبير، هل الأمر ذاته ينسحب أيضاً على قوىً خارجية نافذة في لبنان؟ أتحدث عن دول خليجية، السعودية، الإمارات، دول اقليمية كتركيا، هل هذا الأمر أيضاً ينسحب؟
الشيخ نعيم قاسم: أنت تلاحظ أن الدول العربية وخاصة الخليجية مهتمة جداً الآن بأن يكون لها حضور في لبنان، نحن رحّبنا، نحن جزء من الحكومة ولا مشكلة لدينا بكل العلاقات العربية على قاعدة الندّية، يعني لا يحوّلنّ لبنان الى تابع لكن أهلاً وسهلاً بهم في إعمار لبنان، بالعلاقة مع لبنان، بالاستفادة من لبنان، بأخذ مصالح لهم وإعطاء لبنان مصالح، نحن نرحب، لا مشكلة لا مع الدول العربية ولا مع تركيا ولا مع أحد. وعلى فكرة مع تركيا يوجد تواصل موجود، وبعض الدول العربية لدينا تواصل معها، وبعضها الآخَر ربّما سبب عدم التواصل "جبجبة" معينة موجودة عندهم أكثر مما عندنا، لكن في كل الأحوال أي …
غسان بن جدو: "جبجبة" يعني قلق؟ حذر؟
الشيخ نعيم قاسم: "جبجبة" يعني الواحد يبتعد عن الآخَر لا يقترب منه، ربّما هي لغة عامية. فنحن عندنا استعداد للعلاقات مع كل الدول وكل العالم باستثناء أميركا واسرائيل، عربي، غير عربي حاضرون، لكن طبعاً لا نستطيع بناء علاقة مع دولة تصنّفنا إرهاب وتواجهنا، لا نستطيع، تحتاج لترتيبات في البداية.
غسان بن جدو: قبل المحور الأخير الذي نود أن نتحدث به عن الهوية الجديدة لحزب الله استراتيجياً، فيما يتعلق باليونيفيل، أين هو حزب الله، أين هي مقاربته من اليونيفيل؟ وجوده، استمرار وجوده، صلاحياته، دوره، ما يُقال عن رغبة إسرائيلية في إخراج قوات اليونيفيل، هذه الاحتكاكات التي تحصل بين جموع من المواطنين في الجنوب مع قوات اليونيفيل، كيف تنظرون الى هذا الملف الساخن؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن مع استمرار اليونيفيل في لبنان على أن تلتزم اليونيفيل بمهمتها، لسنا مع أن يدخل قوات من اليونيفيل بشكل مستقل الى داخل الأملاك الخاصة وداخل القرى، عليهم أخذ الاذن من الجيش اللبناني إن كان هناك أمر يستدعي هذا الأمر، وهذا يسير بشكل طبيعي. أنا هنا لا أتحدث عن تقييمنا لليونيفيل، أنا أقول موقفنا، يعني تقييمنا ربّما يكون فيه ملاحظات لكن لن نتوقف عندها الآن، نقول نحن مع التمديد، كنّا كل سنة نناقش محاولة توسعة مهما اليونيفيل أكثر مما هو موجود، ولم ننجح، يعني كانت تبقى على المهمات التي هي عليها، الآن نقول ما هي عليه اليونيفيل نحن مع التمديد لمدة سنة بحسب الصلاحيات المعطاة. أما إشكالات الأهالي فهي لأنهم يتجاوزون مهمتهم، نتمنى عليهم ألّا يتجاوزوا المهمة، ولا بأس إن سألوا الجيش وساروا مع الجيش، والذي يريدونه يصير.
غسان بن جدو: عدا التحقيقات الداخلية فيما يتعلق خرق من هنا وانتهاك من هناك داخل حزب الله أقصد، هل حزب الله بدأ أو سيبدأ في مواجهة شاملة داخلية؟ فكرية، سياسية، تحديد ملامح أفق الاستراتيجيا للحزب في لبنان وفي الاقليم؟
الشيخ نعيم قاسم: اتركها لننتهي من دراسة الاستراتيجيات إن شاء الله نخرج بمقابلة ونتحدث بها.
غسان بن جدو: بدأتم؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن عندما ندرس استراتيجيات عمل ماذا يعني؟ هذا بالاستراتيجيات تدرس نقاط الضعف، ونقاط القوة، والفرص الموجودة عنك، والخطط للمستقبل، هذا كله يُنتج قراءة وتعديلات، هذا ما تسأل عنه.
غسان بن جدو: ربّما سؤال محيّر أو مزعج، ما سأقوله، سماحة الشيخ هل تتصورون حزب الله من دون سلاح؟
الشيخ نعيم قاسم: يبدو السؤال غلط، لأن حزب الله مشروع، حزب الله عقيدة، حزب الله خط، هذا الخط من حقه أن يكون معه الذي يدعم خطه ويحقق أهدافه، وبالتالي أنا أرفض مقاربة حزب الله بأنّ معه سلاح أو ليس معه سلاح، لا، هذا السلاح له نقاشه في محلّه عندما يُحكى عن السلاح وليس عندما يُحكى عن حزب الله، لا، حزب الله لا أحد يمكنه أن يحكي عليه لأن حزب الله هو كيان قائم، مقاوِم، عنده امتداد شعبي، أكبر حزب موجود في لبنان هو حزب الله، وهل يناقش أحد أن يبقى هذا الحزب أو لا؟ لا، لا أحد يناقش. هل السلاح يُبقيه أو لا؟ لا ليس السلاح يُبقيه، لكن ليس نزع السلاح هو المشروع المسموح للبعض أن يدخلوا من خلاله لإضعاف لبنان، نحن نقارب السلاح بطريقة مختلفة، ليس أن السلاح هو سبب بقاء حزب الله، نحن نعتبر أن السلاح هو سبب بقاء لبنان قوي، لا نقبل أن يضعف لبنا، فإن لم نقبل أن يُنزَع لأننا لا نقبل أن يضعف لبنان، ربّما يوجد مَن يقبل لبنان يضعف هذا شأنه، إذا يودّ أن يكون ضعيفاً نحن لا، شعارنا لبنان القوي ولبنان قويٌّ بمقاومته وجيشه وشعبه، هذا شعارنا، بالنهاية بالتنافس السياسي مشروع أن يحكي كل واحد وجهة نظره ونرى في النهاية.
غسان بن جدو: أيحتاج هذا نقاشاً ومقاربة داخلياً، هذه المقاربة التي تطرحها الآن والتي يطرحها حزب الله منذ سنوات عديدة، هل يحتاج الآن مقاربة؟
الشيخ نعيم قاسم: أي مقاربة داخلية في هذا الموضوع..
غسان بن جدو: الذي يقول لك استمرار وجود حزب الله مسلحاً يُلحق ضرراً بلبنان، بسياحته، باستقراره، بعلاقاته العربية، الدولية، بدعم إعادات الإعمار.
الشيخ نعيم قاسم: ونحن نقول له أن هذا حزب الله الذي تتحدث عنه هكذا هو الذي أخرج لك اسرائيل من الجنوب، وهو الذي حرر الألف ومئة كيلومتر مربع التي بقيت موجودة من سنة 1985 بعد أن انسحبوا من بيروت وصيدا، الى سنة ألفين، خمس عشرة سنة، وهذا حزب الله هو الذي استطاع أن يُخرج اسرائيل من لبنان من دون قيد أو شرط، وينعم لبنان بالأمن والسلام كل هذه الفترة، ومن سنة الألفين الى سنة ألفين وثلاثة وعشرين، أو دعني أقول من سنة ألفين وستة الى ألفين وثلاثة وعشرين، أي سبع عشرة سنة بعد عدوان تموز كان البلد منتعش اقتصادياً لأن اسرائيل مردوعة ولا تستطيع أن تفعل شيء. إذا أردت أن أجري حساب بسيط، حزب الله نشأ في سنة 1982 الى سنة 2023، قبل بدء طوفان الأقصى، كل هذا التاريخ الذي يزيد عن أربعين سنة وكل هذا التاريخ الذي قدّم هذه الإنجازات الضخمة وجعل لبنان يقف على قدميه وأعاد لبنان الى وضعه الطبيعي وجعل العالم كله يهتم بلبنان، هذا إنجاز يأتي أحد يقول أنا عندي نقاش أن تبقوا أو لا، أنت ماذا أنجزت حتى تقول تبقون أو لا تبقوا! تعال الى هنا أعطني تاريخك، ما هو تاريخك؟ أفكارك التي تقولها أفكار أدت الى فتن داخلية، أدت الى استقدام دول أجنبية، أدّت الى مجيء اسرائيل الى لبنان، أدت الى احتلالها للجنوب وإنشاء جيش لبنان الجنوبي، أدّت الى كل المصائب القائمة، أدّت الى مجيء داعش الى لبنان، هذه الأفكار التي يطرحونها يريد أن يقول لي أنها أفكار المستقبل؟ لا ليست أفكار المستقبل، أنا أُحضر لك تجربة وأنت تُحضر لي تجربة، نناقش، استطعنا أن نصل الى تفاهم يصبح اسمه تفاهم وطني، لم نستطع أن نصل الى تفاهم يصبح اسمه خلاف وطني، وخير إن شاء الله، دعك أنت برأيك وأنا برأيي.
غسان بن جدو: لكن هذا الخلاف الوطني بالنسبة للطرف المقابل سماحة الشيخ يهدد لبنان الكيان وليس مجرد كيان بين حزبين.
الشيخ نعيم قاسم: ما شاء الله عنه لبنان الكيان لم يُهدَّد إلا عندما دخلوا هم في حروب وفتن، لم يقف لبنان الكيان على قدميه إلا حين كانت المقاومة موجودة، أطمئنه المقاومة ليست تهديد للكيان لكن ابقوا عاقلين لأنكم أنتم من يهدد الكيان، وعلى كل حال أنتم تقولون بلد ديمقراطي، في البلد الديمقراطي عادةً لا يحصل توافق في كل شيء، نريد أن يكون لدينا توافق بأن يبقى لبنان، نحن متفقون كلنا أن يبقى لبنان، تقول لي لا لا يبقى على طريقتك، ومَن أنت حتى تقول لي لا يبقى على طريقتي وهل هو بقي على طريقتك؟ على طريقتك كان سيسقط لبنان.
غسان بن جدو: هو شريكك في الوطن سماحة الشيخ.
الشيخ نعيم قاسم: لا مشكلة أهلاً وسهلاً، لا يوجد شركاء لا يعرفون أن يعملوا أو يغشون؟ لماذا يوجد سجون؟ ابنك أحياناً تضعه في السجن لأنه لا يعرف أن يشتغل. فلذلك فليخرجوا من قصة التوافق الوطني، هو ليس عباءة يلبسونها على قياسهم، التوافق الوطني هي عباءة تُلبَس على قياس الوطن، من هو الذي يعطي توصيف الوطن؟ الذي ضحى.
غسان بن جدو: حول التوافق الوطني اسمح لنا أن ندخل الى توافق حزب الله، بكل صراحة سماحة الشيخ ما قصة الأجنحة داخل حزب الله التي الآن تنتشر لدى الإعلام ولدى بعض الأوساط؟ عندكم أجنحة وعندكم خلافات وأطراف، هذا جناح يقوده فلان، وذاك جناح يقوده فلان، الى غير ذلك.
الشيخ نعيم قاسم: وأنت تسألنني هذا السؤال تصوّرت أجنحة العصافير، عادةً عندما يكون هناك أجنحة يرها المرء، أليس كذلك؟ لأنها تطير. أنا الى الآن لم أرَ أجنحة، وأودّ أن أطمئن الجميع نحن في داخل حزب الله سمن وعسل حتى لو كان هناك آراء متفاوتة في بعض الأمور لكن الحزب واحد والقيادة واحدة، لا أحد يقول أن كل العالم على كلمة واحدة بكل شيء، لكن أستطيع القول أنه لا ها نحن قيادة عسكرية واحدة، قيادة سياسية واحدة، الشورى الحمد لله تجتمع وتأخذ قراراتها بكل شيء، الانضباط ها هو موجود، خضنا انتخابات بلدية من أروع الانتخابات بالقيادة الواحدة، اليوم لا نسمع أحد يصرّح وهو خارج هذه القيادة، أين هم هؤلاء؟ هناك مثال يُقال "لو كان لبان"، أين هذا؟ غير موجود. أطمئنكم أنّ أجنحة لا يوجد ويبدو أنها عند الذي يحاول أن يصنعها فقط.
غسان بن جدو: سماحة السيد نعيم قاسم مع معرفتي ومعرفة الجميع ربّما بتواضعكم وزهدكم، الكل كان يعرف بأنكم لم تفكروا يوماً أن تتولوا مسؤولية الأمين العام لحزب الله و لم تعملوا عليها أصلاً، مع ذلك حصل ما حصل، أنتم الآن أمين عام حزب الله، وبجدارة معذرةً. أود أن أقول سماحة الشيخ، كلامي ليس للبنانيين ولا لبيئتكم، ربّما للرأي العام، للأحرار الذين يتابعوننا لا سيّما مسيرة ووضع حزب الله، شيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله ما هي أولوياته لهذا الحزب كجزء من النضال الأممي والعروب وليس فقط اللبناني الوطني؟
الشيخ نعيم قاسم: أولويتي الأولى بأن أحافظ على الخط والمبادئ التي رسمها سماحة سيد شهداء الأمة لأنها هي أصل وجود حزب الله وهي المفتاح الأساسي، هذه قاعدة.
ثانياً، نحن ملتزمون بالثوابت، ومن الثوابت إيماننا بتحرير فلسطين، الآن كيف نعبّر، كيف في كل مقطع من المقاطع نشارك، كم نكون ميدانياً، لكن بالتأكيد، بالتربية، بالثقافة، بالسياسة، بكل شيء نستطيع أن نفعله سنفعله، وبالجهاد الذي نستطيع فعله سنفعله، هذا كخط عام. ثالثاً، نحن مع وحدة المسلمين، ليس عندنا شيء اسمه فتنة سنية شيعية، نحن عندنا وحدة مسلمين على مستوى العالم، لأنه يا أخي قضايانا واحدة، قناعاتنا واحدة، أعداءنا واحدون، لكن أين المشكلة؟ المشكلة في هؤلاء الذين يحاولون اللعب بنا من أجل مصالحهم، فنحن مع الوحدة. رابعاً، نحن مع الوحدة الوطنية، بمعنى أنه علينا أن نبني لبنان، نبني مؤسساته، نحترم دستوره ونطبّق الطائف ونكمل في تطبيق الطائف، يوجد مواد لم تطبّق بعد ونحن مع تطبيقها بالكامل، وبالتالي نريد لبنان أن يكون موحداً وقوي، القصد بموحد أي أنه قائم على قدميه بقواعده ودستوره لأنه في النهاية خلافات رأي تتواجد.
خامساً، نحن جماعة نحفظ العهد ونحفظ الإحسان ونحفظ الوفاء، بالنسبة لنا الحليف الأكبر هو الجمهورية الاسلامية الايرانية بقيادة الإمام خامنئي دام ظله، وهذه العلاقة مع الجمهورية الاسلامية علاقة وفاء وولاية وعزّة ومنعة، هذه تُعتبَر خط أحمر بالنسبة لنا، لا أحد يناقش والآن مع إيران ماذا؟ ماذا هنالك مع إيران؟ وهل يوجد أشرف منها في العالم، هل يوجد أشرف من هذه القيادة بما يفعلونه؟ وهل هنا أشرف من هذا الحرس؟ حرس الثورة الاسلامية المباركة الذين قدموا تضحيات وآلام في منطقتنا لأجلنا نحن، أنا دائماً كنت أكرر عبارة والآن أود قولها أيضاً، أقول أحضروا لي شيء أخذته منّا إيران وكل الأشياء التي عندنا أخذناها من إيران، يعني إيران أعطتنا كل شيء ولم نعطها شيء، الآن نتوافق معها بالرؤية بالسياسة هذه قناعتنا، ليست هي التي تمليها علينا.
كذلك أنا أحيي محور المقاومة، نحن دائماً علينا أن نبقى على علاقة متينة خاصة هذا الجبل الشامخ باليمن السعيد، من هم هؤلاء العالم المعطائين المضحين، هل يُعقَل وحدهم واقفون والعالم كله يتفرج لنصرة غزة ويقفوا ضد المجاعة! هؤلاء جماعة مقدسين. أيضاً أريد أن أحيي العراق، العراق مرجعية وحشد وشعب، لا تتصور كم هم يحبوننا، كم هي لهفتهم علينا، كم مساعداتهم، كم عطاءاتكم. فلذلك كل هذا نحن سنحافظ عليها وسنطورها وسنفتح علاقات جديدة لمَن يرغب أن يتعاطى معنا ضمن هذه السياسات الكبرى الموجودة.
غسان بن جدو: وماذا عن العروبيين وأنتم حضرتم مؤتمرات..
الشيخ نعيم قاسم: العروبيون يعرفون أننا أوّل من حافظ على استمرارية الحضور العروبي بالمشاركة المتقدمة التي شاركنا فيها، لأنه في الحقيقة أنا أعتبرهم من هذا الجمهور العام ومن الاقوى السياسية التي هي مع فلسطين، والتي هي مع الوحدة العربية والاسلامية، فمن الجيد أنك ألفتَّ نظري، نحن بالنسبة لنا نقدّرهم ومستمرون معهم.
غسان بن جدو: كان يمكن أن يكون سؤالي الأول الافتتاحي، تركته للأخير ليس لإثارة أسىً أو حزن لا سمح الله ولكن لإثارة وجدان، ماذا تقولون عن شخص سماحة السيد حسن نصرالله؟
الشيخ نعيم قاسم: سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن هو قائد قلّ نظيره في العالم، بل قلّ نظيره عبر التاريخ. سماحة السيد أسس لمشروع من أخطر وأصعب المشاريع، كيف استطاع لبنان أن يتحول بشعبه، بإيمانه الى هذا المستوى من العطاء والتضحية في مواجهة العدو الاسرائيلي والأعداء الآخرين؟ هذه نتيجة القيادة، نتيجة الروحية، نتيجة الكاريزما، لأن سماحة السيّد كان يتحدث من القلب، أنا أعرف أنه لا يعرف أن يقول شيء غير مقتنع به، ولا يعرف أن يعبّر عن حب غير نابع من قلبه، يعني حين يقول أيها الشعب أنا أحبكم، يعني يحبهم، عندما يقول علاقتي مع الشخصية جيدة يعني جيدة، كان صادقاً..
غسان بن جدو: وحين وصفكم في نهاية انتخاباتٍ ما بالأخ الحبيب كان يعي ما يقول.
الشيخ نعيم قاسم: أكيد أكيد يعني ما يقول. سأقول لك أمراً، كنّا كلّما مرّت سنة أو سنتين هناك جلسات كانت ثنائية بيني وبينه، يوجد قضايا لا تُحلّ إلا وتحتاج لنقاشات وتحضيرات وتقارير وكذا، يعني كل أسبوعين أو ثلاثة نعقد جلسة ثنائية، لكن كان يمر سنة أو سنتين في واحدة من الجلسات إما أنا أبادر أو هو يبادر على غير توقع، أقول له سيّدنا أود أن أقول لك أنني أحبك، وهو يقول لي سبقتني، وأنا أحبك. يعني استناداً الى التوجيه الشرعي إذا كان الذي تحبه ابنك، أباك، أخاك، آخرين، عبّر له، لأن التعبير يمتّن العلاقة ويطمئنك. فبالحقيقة أنا حبي له عميق جداً، رغم أنه القائد لكن مَن قال أن الحب له مراكز ورسميات؟ هذا الحب يدخل الى القلب.
غسان بن جدو: بماذا تعده وهو في الفردوس الأعلى لإكمال المسرية؟
الشيخ نعيم قاسم: أقول لسماحة السيد قدّس الله روحه، مع أننا نفتقدك، كنا نود أن تكون موجوداً بيننا، وكنتَ ترفع حملاً عنّا كلنا، وخاصةً أنا، كان يرفع حمل كبير، أنا واحد من الناس الذي أنتظر وأسمعه ماذا سيقول، لأنه يحكي بطريقة تبرّد القلب وتقوّى العزيمة والى آخره. أنا أقول له، أريد أن أستخدم عبارة قالتها امرأة على التلفزيون عمرها حوالى أربعين سنة، حضر المذيع على طريقة المذيعين، ما رأيك بهذه المأساة العظيمة التي حصلت بشهادة سماحة السيد؟ قالت له لماذا تقول هذا؟ ألا يحقّ له أن يرتاح؟ ثمّ أنه الآن شهيد في أعلى رتبة وفي أعلى وسام. أنا أقول لسماحة السيد أنت ارتقيت وحصلت على ما تريد على وسام الشهادة، نحن أطلقنا شعار إنّا على العهد، يعني نحن مستمرون، واطمئن، يوجد قيادات وكوادر ومجاهدين ومقاومين وجرحى وأسرى وشعب من مختلف الأعمار وأخوة وأخوات إن شاء الله يقومون بالحمل، وإن شاء الله يعطون نتيجة عظيمة جداً، وبالنهاية هذه المسيرة مسيرة طويلة فيها صعود وهبوط وفيها ربح كبير وربح صغير.
غسان بن جدو: سماحة الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله شكراً لكم على وقتكم وعلى سعة صدركم وعلى شجاعتكم في أجوبةٍ شفافةٍ صريحةٍ جريئة، شكراً على وقتكم.
شكراً لكل من ساهم في إنجاز هذا اللقاء وربّما أذكر هذا الفريق العزيز كله، جنود الخفاء، أذكر الأخوين العزيزين علي الفاضل ونجيب الباقر. مع الشكر لكم وفي أمان الله.