عين على العدو

قال الكاتب الصهيوني والمحلل في الشؤون العسكرية رون بن يشاي إن "حرب 7 تشرين الأول تقترب من نهايتها"، وأضاف "على الرغم من أن عشرات الأسرى ما زالوا لدى حماس، والجيش "الإسرائيلي" عالق في المستنقع الغزي، إلا أنه يمكن رفع الرأس ورؤية "الإنجازات"، غير أن هذه الإنجازات لا تُعتبر نصرًا، لأن النصر أو الهزيمة في العصر الحديث يُقاسان من خلال مضمون الترتيبات التي تنشأ بعد نهاية الحرب والواقع السياسي الذي يتبلور بعد توقف إطلاق النار، ونحن لم نصل بعد إلى تلك المرحلة. ما تزال هناك احتكاكات عنيفة، حتّى في الجبهات التي توقفت فيها الحرب المكثفة".
وأشار بن يشاي في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن "هناك الآن فرصة لصنع تحوّل دراماتيكي وإيجابي في الأمن القومي لـ"إسرائيل""، وتابع "قد تنخفض حدة التهديدات الوجودية إذا نجحنا، بمساعدة أصدقائنا في واشنطن، في الجمع بين ردع عسكري "إسرائيلي" قوي، واتفاقات إقليمية تُبرم بمشاركة أميركية فاعلة، وقوة اقتصادية وتكنولوجية يتمّ توجيهها من خلال الموارد التي خصصناها لإدارة الحرب. هذا المزيج سيُمكّن "إسرائيل"، لأول مرة في تاريخها، من مواجهة التهديدات الأمنية دون أن تضطر لدفع ثمن دموي أو اقتصادي باهظ، ودون الاضطرار للاختباء في الملاجئ كلّ بضع سنوات".
وأردف "في أيّة لحظة يُمكن أن تظهر "بجعة سوداء" تهدم هذه الآمال وتمنع تحقيقها جزئيًا أو كليًا. على سبيل المثال، إذا نجح الإيرانيون في التقدّم سرًا نحو امتلاك قنبلة نووية، أو إذا انقلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب علينا، أو إذا فشل أصحاب القرار في "إسرائيل" في استغلال الفرص السياسية التي فُتحت أمامنا. وحتّى لو أُحرز تقدمٌ في قنوات التفاوض المتعددة، فإن هذه العمليات ستستغرق على الأقل نصف عام، وربما سنة كاملة، وستشهد تقلبات تتطلب أعصابًا قوية".
بحسب رون بن يشاي، إلى أن تتحقّق صفقة تشمل إطلاق سراح جميع الأسرى ووقف القتال، لن يتحقق أيضًا تطبيع العلاقات مع السعودية ودول مسلمة أخرى. السعوديون يوضحون هذا لكل من يريد أن يسمع. كما رفعوا الثمن السياسي الذي يطالبون به من "إسرائيل" مقابل انضمامهم إلى "اتفاقيات إبراهام". الآن، يطالب السعوديون ليس فقط بوقف كامل لإطلاق النار في غزّة، بل أيضًا ببدء عملية سياسية تؤدي، عندما تنضج الظروف، إلى إنهاء الصراع "الإسرائيلي" - الفلسطيني وفق صيغة "دولتيْن لشعبيْن". وتطالب الدول "العربية السنية المعتدلة" الأخرى أيضًا بأن تكون السلطة الفلسطينية شريكة في إدارة القطاع في اليوم التالي لانتهاء الحرب، وأن تبدأ مفاوضات تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل" بعد انتهاء القتال. الحكومة "الإسرائيلية" ترفض هذيْن الشرطيْن في الوقت الحالي. نتنياهو يعلم أنه حتّى مجرد التلميح إلى استعداده للموافقة عليهما، سيعني ذلك فقدانه لحكومته.
ولفت إلى أنه إلى جانب مؤشرات التفاؤل القادمة من واشنطن والدوحة، يمكن استمداد التشجيع من الصبر والمثابرة غير الاعتياديين اللذين يظهرهما ترامب في سعيه لإحلال "السلام" في الشرق الأوسط، وليس فقط في الساحة الغزية، بل أيضًا في جبهات أخرى تنمو فيها بالفعل عمليات سياسية قد تغيّر وجه المنطقة. المسار الأهمّ من بين هذه المسارات هو المفاوضات التي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إطلاقها مع إيران. وكما هي عادة الإيرانيين، فإنهم يديرون مفاوضات شاقّة حول الشروط التي ستُدار فيها المفاوضات الرئيسية، وذلك بهدف إنهاك الطرف الآخر وتليينه قبل الدخول في قضايا الجوهر"، وأردف "يوجد اليوم عدد غير قليل من "الإسرائيليين" من دون جواز سفر أجنبي، يسافرون إلى سورية عبر دول مجاورة، ويمكثون هناك، بل ويمارسون أعمالًا تجارية فيها، ومع ذلك، ما يزال اليوم الذي تنضم فيه سورية إلى اتفاقيات "أبراهام" بعيدًا".
وفق المحلل الصهيوني، رئيس السلطة السورية الحالية أحمد الشرع (الجولاني) ووزير خارجيته يُصرّحان صباح مساء بأنهما لا يرغبان في الحرب مع "إسرائيل"، وقد وعد الأول ترامب في لقائهما بأنه لن يسمح لإيران باستخدام أراضي بلاده لتسليح حزب الله في لبنان أو لمهاجمة الجولان عبر حلفائها. يمكن الافتراض أن رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي وممثلي النظام السوري الحالي، الذين يلتقون بين الحين والآخر، يتحدثون أيضًا عن اتفاقيات اقتصادية، وعن مساعدات وتعاون إنساني لصالح سكان الجولان السوري والدروز في الجولان. وربما تُناقش في هذه المحادثات جوانب أخرى من التطبيع، لكن حتّى الآن، فإن الطرفين حذران جدًا من الدخول في مفاوضات ملموسة ذات دلالات سياسية وإستراتيجية بعيدة المدى.
وختم: "الوضع الحالي مُريح لـ"إسرائيل". فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، يتمتع سلاح الجو بحرية عمل كاملة في معظم الأجواء السورية، وتقوم قوات البر في الجيش "الإسرائيلي" (الفرقة 210) ببناء عائق يصدّ الهجمات على "أراضينا" في المنطقة العازلة في الجولان السوري، وتُجرى من هناك ومن حرمون السوري نشاطات "دفاع متقدم". لذلك، ليس من المفاجئ أن "إسرائيل" لا تضغط على الولايات المتحدة للتقدم في مسار تطبيع العلاقات. سيمرّ عدة أشهر حتّى تتّضح صورة الوضع الإقليمي".