اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي اعتقال 87 عميلًا للكيان الصهيوني في محافظة لرستان الإيرانية

مقالات

فتنة السويداء بوابة لحزام أمني سوري وشرارة لضرب الداخل اللبناني
مقالات

فتنة السويداء بوابة لحزام أمني سوري وشرارة لضرب الداخل اللبناني

105

كشفت حرب الأيام الأربعة التي دارت رحاها في السويداء بدءًا من 13 تموز/يوليو بين أبناء طائفة الموحّدين الدروز من جهة وقبائل البدو وقوات الأمن التابعة لنظام الجولاني (أحمد الشرع) في سورية من جهة ثانية عن فظائع كبيرة ومشاهد مروّعة للمئات من الضحايا –تجاوزت الـ 500 قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- واستحضرت واقع المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال يوميًا بحق الفلسطينيين في قطاع غزّة. 


وعلى الرغم من أن حكومة الجولاني نأت بنفسها عن تحمّل مسؤولية ارتكاب الجرائم بحق المدنيين وأبناء العشائر في السويداء وريفها مدّعية أنها من فعل مجموعات "خارجة عن القانون"، إلا أن الوقائع تحدثت عن إقدام عناصر تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية طالت عشرات المدنيين في الشوارع وداخل المنازل وفي مشفى السويداء الوطني، فيما تؤكد أرقام القتلى من هذه العناصر –تجاوز العدد 240 فردًا من عناصر النظام- مشاركتها في الاشتباكات بشكل مباشر.


شكّلت التطوّرات الميدانية المتسارعة في الجنوب السوري فرصة أمام العدوّ "الإسرائيلي"  للتدخّل بذريعة حماية الدروز، وقصفت طائراته الحربية 160 هدفًا في سورية من بينها مباني وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وقصر الرئاسة في قلب دمشق، وفرضت بغطاء أميركي وقف الاشتباكات وانسحاب قوات الأمن السوري من السويداء بعد اتفاق مع مشايخ الدروز، إلا أن تجدّد الاشتباكات أمر مرجّح كثيرًا مع تواجد مجموعات مسلّحة في الأرياف تتحيّن الفرصة لاستتئناف عمليات القتل، وفي المقابل رُصدت عمليات نزوح واسعة لعشائر البدو في السويداء خوفًا من عمليات انتقامية.


وفي هذا السياق بعث بنيامين نتنياهو برسالة ميدانية من خلال توغّل قوة برية عسكرية "إسرائيلية" مدرّعة انطلاقًا من الجولان السوري المحتل في ريف دمشق الجنوبي، ووصلت إلى بلدة قطنا على بعد 10 كلم من العاصمة دمشق، فيما أفادت هيئة البث "الإسرائيلية" بأن رئيس أركان العدوّ إيال زمير أوعز بنقل قوات من الفرقتين 36 و98 العاملة في قطاع غزّة إلى هضبة الجولان، ما يعني تهديدًا مباشرًا للنظام السوري وإجراءً ميدانيًا سوف تتبعه خطوات لاحقة تضع منطقة الجنوب السوري تحت السيطرة العسكرية والأمنية "الإسرائيلية" المباشرة.


وقد أعادت هذه التطوّرات طرح سيناريوهات قديمة وجديدة بشأن الدور "الإسرائيلي"  ومستقبل المنطقة، خصوصًا لجهة سعي "إسرائيل" إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري. وقد أعلن نتنياهو صراحة عن الأهداف والإجراءات المدوّنة في أجندته وأولها نزع السلاح في المنطقة الممتدة من الجولان حتّى جبل الدروز، وثانيها السعي إلى جمع مكوّن درزي مستقل. ويعني هذان الأمران التمهيد لإنشاء كيان ذي نطاق جغرافي بحكم الأمر الواقع، حيث يتمركز الدروز في مناطق السويداء والقنيطرة ودرعا وصولًا إلى الجولان المحتل، بما يوحي برسم خارطة كانتون درزي منفصل عن الدولة السورية ويحظى باعتراف وحماية "إسرائيلية" مباشرة.


إن تصريح نتنياهو "لن نسمح للقوات العسكرية بالنزول جنوب دمشق وبالاعتداء على الدروز" أتى بمثابة إعلان مباشر بأن المرحلة المقبلة ستشهد تكرارًا لتطبيق نموذج "الحزام الأمني" الذي اقامه الاحتلال في جنوب لبنان في العام 1985، حيث عيّنت حكومة العدوّ العميلين سعد حداد ثمّ انطوان لحد على رأس ما سمّي بـ"دولة لبنان الحر" وقيادة "جيش لبنان الجنوبي"، فضلًا عن دور هذا الحزام المعلن آنذاك في إبعاد خطر سقوط صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة.


والجانب الآخر من هذا النموذج هو دق إسفين بين مكوّنات الشعب الواحد والطائفة الواحدة من جهة وبين الدروز وغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى والسنّة على وجه التحديد من جهة ثانية، حيث تعمّد نتنياهو التذرّع بأن التدخل العسكري "الإسرائيلي"  في سورية جاء بطلب من زعيم الطائفة الدرزية في "إسرائيل" الشيخ موفق طريف الذي ناشده مدّ يد العون للدروز وحمايتهم من نظام الجولاني، فيما انقسم الدروز وقياداتهم في سورية ولبنان بين من يطالب بالحفاظ على الانتماء العربي والانضواء تحت لواء الدولة، وبين من ينادي بالالتحاق بالعدو "الإسرائيلي"  كونه الجهة التي تحفظ للدروز الأمن والحماية من عمليات القتل والإبادة.


ما سبق يتيح لنتنياهو تسويغ سعيه لإقامة منطقة عازلة وفق ذرائع عدة أهمها:


منع أي وجود عسكري "معادٍ" بالقرب من الحدود وعلى طول هضبة الجولان المحتلة، ومنع أي فصيل مسلّح من سورية أو لبنان من التمركز في هذه المنطقة، أو الاستفادة منها في شنّ الهجمات على المواقع "الإسرائيلية".


جعل جنوب سورية منطقة خالية من السلاح، إلا بما تسمح به "إسرائيل" لأبناء الطائفة الدرزية ووفق قوانينها وإجراءاتها العسكرية، وهذا يعني منع أي تواجد عسكري للسلطة المركزية السورية مهما بلغ حجم هذا التواجد ونوعه.


ضمان الأمن بذريعة حماية الدروز كونهم يشكّلون خطًا حيويًا يطال الأمن القومي "الإسرائيلي"، فالامتداد بين جنوب سورية وشمال فلسطين لا يقتصر على الجانب الجغرافي فحسب بل يشمل أيضًا الامتداد الطائفي والمذهبي ما بين دروز سورية ودروز فلسطين.


إضعاف سورية كيانًا ودولة ونظامًا والإمعان في شرذمتها، حيث إن المصلحة "الإسرائيلية" تقضي بعدم وجود أي كيان مجاور لفلسطين المحتلة يمتلك القدرات التي يرى فيها العدوّ احتمالًا لتشكيل تهديدات تستهدفها في أي ظرف كان، ومن شأن الكانتون الدرزي أن يوفر نوعًا من الشريط العازل الذي يوفّر هذا المستوى من الحماية.


إن التدخل "الإسرائيلي"  المباشر على خط الأزمة المفتعلة في الجنوب السوري سيوف يلقي بثقله على تطوّرات المرحلة المقبلة، وفي حال نجح نتنياهو في تحقيق هدفه الفتنوي في جنوب سورية، فقد تتدحرج الأمور سلبًا باتّجاه خلق كيانات متناحرة على خلفيات طائفية مغلّفة بطموحات سلطوية تأخذ شكل الدويلات، ومن الطبيعي أن تمتد تداعيات هذا التناحر إلى الداخل اللبناني مع بروز موجة شحن طائفي ومذهبي قد تأخذ بلبنان مجددًا إلى دوامة الحرب الأهلية وتصاعد خطاب التقسيم والفدرلة، والمستفيد الأول هو "إسرائيل".

 

الكلمات المفتاحية
مشاركة