نقاط على الحروف

يتزايد الضغط الأميركي لنزع سلاح المقاومة في لبنان، وفقًا لقاعدة "استجيبوا لمطالبنا ولا تطالبونا بأيّ التزامات أو ضمانات بالمقابل". وفيما يرفض شرفاء لبنان هذه العنجهية الفاضحة، ينشط الإعلام اللبنانيّ المتأمرك في شنّ الهجمات المتتالية ضدّ المقاومة؛ من الأخبار المفبركة إلى الحملات الدعائية التحريضية، مرورًا بالمواقف العنصرية والخطابات التهويلية والتهديدات التي لا تعكس إلّا خواء مطلقيها وإفلاس مشغّليهم، تستمرّ الحرب على سلاح المقاومة.
غادر المبعوث الأميركي توم برّاك بيروت بعد زيارة استمرت ثلاثة أيّام التقى خلالها العديد من الشخصيات اللبنانية بالإضافة طبعًا إلى لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة. وكما بات معروفًا كان لقاؤه برئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي هو المحطّة الأهم والأكثر جذبًا لاهتمام الإعلام والجمهور، ففي عين التينة، سيتلقى برّاك الردّ والموقف من ضغوط بلاده.
بالتزامن مع هذه الزيارة، وعلى مدار الساعة، جنّد بعض الإعلام نفسه في خطّة تصعيدية تحريضية وتهديدية ضدّ سلاح المقاومة، تناغمًا مع التعنّت الأميركي والاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة. وفيما بذلت كلّ من صحيفتي "النهار" و"نداء الوطن" جهدًا ملحوظًا في محاولة التسويق لشرخٍ اختلقتاه بين حزب الله من جهة ودولة الرئيس نبيه برّي من جهة أخرى، سارعت كلّ من قناتيّ "الحدث" و"العربية" إلى تأليف خبر كاذب يدّعي أن حزب الله أبلغ برّي أنّه مستعدّ لنزاع مع الدولة في حال قامت هذه الأخيرة بمحاولة نزع سلاحه. نفت العلاقات الإعلامية في حزب الله هذه الفبركات جملة وتفصيلًا، إلّا أنّ القناتين المذكورتين وجمهورهما أصرّوا على تناقل الخبر واعتماده كخبر موثوق يبنون عليه ما يبتغون منه: فتنة تهدّد السلم الأهلي، ودعوة إلى نزاع بين "المقاومة" و"الدولة"، أي بين المقاومة والجيش. وإن كان هذا التحريض باتجاه التصادم بين الجيش والمقاومة ليس جديدًا على أدبيات المتأمركين في البلد، فالأمر في هذه المرّة اتّخذ بعدًا خطيرًا إذ نسب إلى حزب الله موقفًا عدائيًا رغم المرونة والصبر اللذين تمرّس في ممارستهما ورغم وضوح كلام أمينه العام سماحة الشيخ نعيم قاسم في الحديث عن ملف سلاح المقاومة إذ أكّد مرارًا على الحقّ الطبيعيّ والبديهيّ بإلزام العدوّ بوقف اعتداءاته والانسحاب من النقاط التي يحتلّها، تطبيقًا لإعلان وقف اطلاق النار في تشرين الثاني ٢٠٢٤ قبل الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية التي تحفظ مصلحة البلد وتحميه بعد إزالة الخطر "الإسرائيلي".
من جهة أخرى، تصاعد الخطاب العنصري والتهديديّ والإلغائي ولا سيّما على لسان الذين تمرّسوا في هذه اللغة طوال سنين. بات هؤلاء يخاطبون الحزب وبيئته بمفردات شديدة العدائية، تتغذّى بحضور أيّ مبعوث أميركي إلى البلد فتزداد حدّة وعنجهية. على سبيل المثال، يحضر شارل جبور، مسؤول الإعلام والتواصل في "القوات اللبنانية" ليهدّد البلد برمتّه: "إذا إنهاء المشروع المسلح لن يكون عن طريق الدولة اللبنانية، فليكن من طريق أخرى بتبلش بنتنياهو بتخلص بأحمد الشرع..". ويأتي هذا الكلام كدبلجة حرفية لما جاء على لسان توم برّاك حين سُئل إن كان ثمة جدول زمني لمسار سلاح المقاومة في لبنان فأجاب بأن "الوقت يحدّده جيرانكم". هذا التماهي التام في الموقف بين المشغّل والأداة ليس غريبًا طبعًا، إنّما يُذكر في سياق الحملة الإعلامية المستعرة لا ضدّ سلاح المقاومة فحسب، لا بل ضدّ كلّ ما يمتّ إلى المقاومة وأهلها بصلة. بدوره، ذهب النائب سامي الجميّل في مؤتمر صحفي إلى أبعد درك من التضليل إذ قال إنّ "سلاح المقاومة هو سبب وجود الاحتلال"، بعدما حمّله مسؤولية كلّ أزمات لبنان وحتى عجز الوزارات عن أداء عملها وضعف الحركة الاقتصادية والأزمات المعيشية ومنع إعادة الإعمار. بكلام آخر، يضلّل الجميّل سامعيه بالقول إن نزع سلاح المقاومة سيحوّل لبنان بثانية واحدة إلى دولة عظمى!
أمّا بعد، هذه الجعجعات الإعلامية لا محلّ لها من الإعراب على أرض الواقع، رغم استعارها كلّما حضر موفد من بلاد أسيادها، ففي ساعة الجدّ، تسلّم برّاك ورقة ردّ تطالب بإلزام "إسرائيلهم" بتنفيذ بنود إعلان وقف إطلاق النار، وسمع ممّن ثمة وزن لكلامهم ما يحفظ سيادة هذي الأرض. أما "هبّات" من ذهبوا في العداء للمقاومة إلى آخره، فهي مجرّد جبهة افتراضية مهما استعرت نارها واشتعلت، تظل ألسنتها عاجزة عن المسّ بطرف للمقاومة!