ترجمات

هل تستخدم الولايات المتحدة مسلّحي بلوشستان الباكستانية لأبعاد جيوسياسية؟
اعتبر الكاتب رحيم نصار أنّ "هذا هو الوجه الجديد للحرب الهجينة، بحيث تُخاض الحروب دون إعلانات، ويحظى الحلفاء بالدعم دون اعتراف، ويسقط الضحايا من دون عواقب".
رجّح الكاتب في موقع Asia Times، رحيم نصار، صحّة حديث جرى تداوله مؤخّرًا عن أنّ واشنطن ربما تقوم بتمكين مسلّحين في منطقة بلوشستان الحدودية بين إيران وأفغانستان وباكستان من أجل رفع وتيرة النشاطات العسكرية، وخاصة ضد المهندسين الصينيين وقوات الأمن الباكستانية الموجودة في المحافظة.
وقال الكاتب، في مقالة نشرها الموقع: "بينما هناك جدل حول مدى صحة هذا الكلام، إلّا أنّه ينسجم والأدلة المتزايدة التي تفيد بأنّ النشاط المسلّح في بلوشستان لم يَعُدْ مجرّد عبارة عن تمرُّد محلي ويتحوّل إلى شدّ حبال إستراتيجي بين قوتين اثنتَيْن"، مذكّرًا بأنّ "بلوشستان شهدت، خلال الأسابيع الأخيرة، 12 هجومًا نفّده مسلحون أدّت إلى مقتل ما يزيد عن 50 شخصًا، من بينهم ضابطَيْن من الرتبة العالية في الجيش الباكستاني".
وأشار الكاتب إلى أنّ "بلوشستان تحاذي كلًّا من إيران وأفغانستان ويوجد فيها "ميناء جوادر"، والمحافظة هذه تمثّل، بالتالي، ركيزة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية"، موضحًا أنّ "الميناء المذكور يوفّر لبكين ممرًا تجاريًا يتجاوز مضيق ملقا (الواقع بين ماليزيا وإندونيسيا)، الأمر الذي يؤثّر على الحسابات الإستراتيجية لدى واشنطن وحلفائها". وأضاف: "بينما ليس هناك من دليل قاطع يربط الولايات المتحدة بالانفصاليين في بلوشستان، إلّا أنّ هناك مؤشّرات ظرفية من الصعب تجاهلها".
ولفت الكاتب إلى تقارير نشرتها جهات مثل "معهد الولايات المتحدة للسلام" ومجلة "فورين بوليسي" وغيرهما عن وصول الأسلحة الأميركية التي تُرِكت في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي إلى أيدي جماعات مسلحة، مثل "جيش تحرير بلوشستان" و"طالبان باكستان". كذلك، نبّه إلى أنّ ""جيش تحرير بلوشستان" الذي أعلن مسؤوليته عن تفجيرات انتحارية ضد مواطنين صينيين في الماضي القريب، تجري حوله نقاشات وإحاطات في العواصم الغربية".
وفي حين اعتبر أنّ "تصنيف الحكومة الأميركية لـ"جيش تحرير بلوشستان" منظمة إرهابية في عام 2019 يبدو شكليًّا أكثر ممّا هو إجراء فعلي"، أكّد الكاتب أنّه "لم تُبْذَل جهود تُذْكَر من أجل إيقاف تَشابُك الجماعة العابر للدول، أو لمساعيها في سياق التمويل والسردية".
ووفق الكاتب، فإنّ "هذه الازدواجية ليست جديدة، فالولايات المتحدة لها سجل طويل في اعتماد مواقف دبلوماسية في العلن، بينما تُسهّل، أو أقلّه تتسامح، مع جهات مزعزعة للاستقرار خلف الكواليس"، ضاربًا مثلًا على ذلك "سياسات واشنطن في كل من أميركا اللاتينية والشرق الأوسط".
وتابع قوله: "إدانة أميركا للعنف "الجهادي" في سورية رافقها دعم سري للقوى المعادية للرئيس السابق بشار الأسد. جرى إعادة رسم الخط الفاصل بين المتمرّدين والإرهابيين في الكثير من الأحيان، وذلك بحسب ما تقتضيه المصلحة في مواجهة خصوم إقليميين".
كما قال: إنّ "هذا المنطق نفسه ينطبق على إيران، حيث أنّ مناطق في سيستان وبلوشستان تشهد نشاطًا متمرّدًا كثيفًا"، مستدلًا على قوله بـ"اتهام طهران مرارًا للولايات المتحدة و"إسرائيل" بدعم جماعات مثل "جيش العدل" المسؤول عن تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن الإيرانية"، مضيفًا: "سواءٌ كانت هذه التهم صحيحة أم لا، فإنّ الفوضى المستمرّة في المناطق الحدودية المذكورة يفيد اللاعبين الذين يريدون احتواء تَمدُّد إيران الإقليمي".
كما لفت الكاتب الانتباه إلى أنّ "دور الهند يزيد المعادلة تعقيدًا، حيث تتهم إسلام آباد نيودلهي بتمويل الانفصاليين البلوش"، مشيرًا إلى أنّ "باكستان تجنَّبت توجيه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة، بل تركّز على الهند وأطراف أخرى تصفها بـ"أجهزة استخبارات معادية". وسبب ذلك، بحسب الكاتب، هو "هشاشة الوضع الاقتصادي الباكستاني، حيث تعتمد باكستان على الأنظمة المالية الغربية".
غير أنّ الكاتب حذّر من أنّ "السكوت أيضًا يحمل معه المخاطر" وأنّ "باكستان تسمح بتفاقم الأزمة من خلال تجنُّب التعاطي مع الموضوع بكل حجمه وتشابكه الجيوسياسي"، معتبرًا أنّ "المسلّحين البلوش يعطّلون رؤية الصين الاقتصادية ويهدّدون أمن إيران الحدودي ويكشفون عن الانقسامات الداخلية الباكستانية، وذلك دون تواطؤ غربي مُعلَن".
كذلك، رأى الكاتب أنّ "هذا هو الوجه الجديد للحرب الهجينة، بحيث تُخاض الحروب دون إعلانات، ويحظى الحلفاء بالدعم دون اعتراف، ويسقط الضحايا من دون عواقب".
وفي ختام مقالته، ذكَر الكاتب أنّ "النشاط المسلح نادرًا ما يكون مجرّد مسألة داخلية في القرن الـ21، بل يعكس طموحات العواصم البعيدة" .