مقالات مختارة

عن اسمٍ كنيته الحرّية
جورج اسمٌ رائجٌ جدًّا في بلادنا، وبلاد الغرب، وله مشتقّاته مثل جريس وجرجس وجرجي وجوارجيوس وكيفورك ويورغو وخورخي وأبو جريج (والخضر).
جمال غصن - صحيفة الأخبار
جورج اسمٌ رائجٌ جدًّا في بلادنا، وبلاد الغرب، وله مشتقّاته مثل جريس وجرجس وجرجي وجوارجيوس وكيفورك ويورغو وخورخي وأبو جريج (والخضر).
إبراهيم اسمٌ عادي لا يقلّ رواجًا، وجنى الراحل إبراهيم مرعشلي على كلّ من سمّي إبراهيم باللّقب المغرَّب "بوب" منذ برنامجه التلفزيوني عن قبطان الطائرة "الكابتن بوب" أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بعد اعتقال الرفيق جورج بكم سنة. عبد الله أيضًا شائعٌ في بلاد العباد الواسعة. لكن عندما يصطفّون جورج وإبراهيم وعبد الله في اسمٍ ثلاثيٍّ واحدٍ يضحي الاسم استثنائيًا جدًّا، ولا يكنّى إلّا بالحرّية.
في شوارع بيروت، عاصمة المواجهة والمقاومة والتحرّر والتحرير، صرخة "جورج عبد الله… حريّة" لن تغيب عن أيّ ساح منذ سنين.
تتغيّر الأحداث والسياقات والهبّة الآنية ويبقى الهتاف ثابتًا في الشارع تحركًّا بعد تحرّكٍ. ثباته ثبات الُمكنَّى "حريّة". عندما يلتفّ الرائج على العادي على الشائع يصبح الثبات المنطق الوحيد.
فرغم أنّ جورج إبراهيم عبد الله الرجل العاديّ جدًّا المناضل من أجل فلسطين بأقلّ الواجب أمضى أكثر من نصف عمره في سجون الاستعمار، لا يغصّ في أوّل يوم حرّية له إلّا على تضحيات الآخرين، فاعلموا أنّه لم يضحِّ بل قام بأقلّ الواجب في وجه ما واجهه منذ 40 عامًا، وما نواجهه اليوم. أقلّ الواجب كنيته "حرّية".
الحرّية التي رأيناها مع هبوط جورج إبراهيم عبد الله في مطار بيروت المحتلّ مؤقّتًا، هي حرّية بسيطة حقيقيّة غير متبخترة بشعارات. إنها موقف واضح وثابت من مشروع إباديّ واضح وثابت أيضًا، وهو عكس "حريّة".
لم يكن الاحتفال بالحرّية فرحًا، بل كان غصّةً وأملًا. لكنّه احتفالٌ. الثبات في وجه الإبادة أقلّ الواجب منذ أربعين عام وأكثر واليوم.
الحرّية والتضحيات المطلوبة هي أقلّ الواجب. ميزة مَن يقومون بأقلّ الواجب هي أنّهم لا ينتظرون مردودًا آنيًّا شخصيًا فرديًا. ميزة مَن يقومون بأقلّ الواجب هي بأنّهم يسألون بماذا قصّرنا؟ المواطن المناضل المضحّي الحرُّ اليوم وأبدًا يسأل في يومه الحرّ الأوّل ما العمل؟ والجواب واضح وقصير وثابت. "جورج إبراهيم عبد الله… حرّية".
"جورج إبراهيم عبد الله" كاسْمٍ ثلاثي درب جلجلة الحرية، ليس بجورجه ولا بعبادة الله، بل بسبب الحرب الاستعمار عليه. يصعب الاحتفال بحريّة فلسطينيّ مناضل في ظلّ محاولة إبادة فلسطين. لكنّه لا يحتفل بل يعدّ العدّة كما مَن ينتظره للتحرير.
اسم "جورج إبراهيم عبد الله" صالحٌ ليكون ثالوثًا مقدّسًا في خدمة وجهة ما. صاحب هذا الاسم الثالوثي المقدّس، فدا نصف حياته… بأقلّ الواجب. إنّه أقلّ الواجب على كلّ من يدّعي التحرّر والتحرير.
إنّه أقلّ الواجب… ماذا لو ضحّى اليوم في المواجهة المباشرة مع المستعمر الإباديّ أفرادٌ قلائل منّا بنصف، أو ربع، أو عِشر، ما اتُّهم به صاحب الاسم الثلاثي العاديّ الحقيقيّ الرائج الشائع الذي وُلد حرًّا وعاش حرًّا وسيموت على مشارف فلسطين حرًّا؟ جورج وإبراهيم وعبد الله ويحيى ومحمد وحسن عبد الكريم نصر الله كاسمٍ ثلاثي وغيرهم من أسماء أفراد ضحّوا وضحّوا كثيرًا، لكنّ تضحياتهم لن تصبح حريةً إلّا جماعةً.