نقاط على الحروف

جورج عبد الله حرًا، بعد 41 عامًا على الاعتقال في السجون الفرنسية. فقد خرج أخيرًا المناضل اللبناني والسجين الأقدم في أوروبا، وسط استقبال شعبي حاشد في بيروت وفي مسقط رأسه. عودة لم تزحزح عبد الله عن المبادىء التي ناضل لأجلها طيلة الأعوام المنصرمة، بقيت المقاومة حاضرة وكذلك غزّة. عودة المناضل اللبناني مع كلّ ما تعنيه من مسار قانوني وسياسي صعب وشائك، وعلى الرغم من جميع محاولات القضاء الفرنسي إبقاءه في سجنه، يبدو أنها لم تنعكس كما يجب على بعض وسائل الإعلام المحلية، التي تعاطت بجفاء ومسافة مع هذا الحدث المفصلي في تاريخ لبنان. فسيرة عبد الله الحافلة بالمقاومة والنضال سرعان ما قزّمها هذا الإعلام، وأسقط عنها صفة "مناضل"، عن الرجل الذي صمد أكثر من أربعة عقود، ليتحوّل إلى مجرد "ناشط"، وتحاط التغطية الخبرية بعودته إلى لبنان بكثير من الإهمال ويُكتفى بنقل الخبر عن الوكالات الأجنبية سيما "فرانس برس".
طمس السيرة النضالية
إذًا، كان مقصودًا طمس سيرة جورج عبد الله النضالية في التغطية الخبرية لبعض وسائل الإعلام المعادية للمقاومة. فمنذ اللحظات الأولى للإعلان عن الإفراج عن عبد الله، بدا واضحًا تهميش الحدث، والاكتفاء بما تنشره أو تبثه الوكالات الإخبارية العالمية، إلى جانب تغييب مدى صمود هذا الرجل داخل السجون الفرنسية طيلة 41 عامًا، وثباته على قول كلمة الحق والنطق حصرًا بالمقاومة ودعم أهلها. يمكن هنا، الركون إلى مجموعة أخبار عاجلة أوردتها المنصات المحلية، من ضمنها قناة lbci، التي أوردت قبيل وصول عبد الله الخبر الآتي: "وصول الطائرة التي تقل اللبناني المفرج عنه جورج عبد الله إلى مطار بيروت الدولي". هنا، تمييع واضح لسيرة الرجل وحتّى لمصطلح "مناضل" الذي غاب عن هذه القناة لصالح مصطلحات أخرى من شأنها أن تجعل من جورج عبد الله إنسانًا عاديًا دخل وخرج من السجن وعاد إلى بلاده!.
الأمر عينه شهدناه على قناة mtv، التي وصفت جورج عبد الله بـ"الناشط"، واحتشاد اللبنانيين المستقبلين له بـ"المؤيدين لقضية عبد الله". كأن الرجل ينتمي إلى فئة معينة لبنانية، وليس إلى كلّ اللبنانيين الذين خرجوا من جميع الأطياف لاستقبال المناضل اللبناني. في هذا الخبر العاجل كان واضحًا تقزيم جورج عبد الله، وحصره بفئة لبنانية واحدة في ما يفترض أن تسبغ سيرته بالوطنية، وبالنضال القومي من أجل التحرر وتحرير الأرض. قبيل بث هذا الخبر العاجل، وتحديدًا في 25 الحالي، أبقت mtv، على توصيف المناضل جورج عبد الله بـ"الناشط"، وراحت تميّع سيرته الذاتية وسبب احتجازه طيلة هذه الأعوام في السجون الفرنسية. أوردت المحطة أن "الناشط جورج عبد الله باتت عودته وشيكة إلى لبنان ويخرج من سجن في فرنسا بقي فيه 41 عامًا". واستكملت الخبر بالقول: "لم تعرف تفاصيل خروجه من السجن خصوصًا توقيت مغادرته منشأة لانميزان في مقاطعة أوت - بيرينه بجنوب فرنسا". لينتهي الخبر بإيراد قرار "محكمة الاستئناف" في باريس وصدور قرار الإفراج دون ذكر أي تفاصيل أخرى تتعلق بسيرة هذا الرجل وأسباب اعتقاله، والتوقف عند ثبات مواقفه طيلة هذه الأعوام.
الوكالة الفرنسية كمصدر للحدث!
ويبدو أن هذا المسار الذي سلكته هذه المنصات المحلية، سرعان ما انتشر على البقية التي تدور في الفلك عينه. يمكن هنا، معاينة ما جاء في صحيفة "نداء الوطن" التي اختصرت الحدث بنقل حرفي عن وكالة الصحافة الفرنسية، إذ أوردت: "أمر القضاء الفرنسي بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج عبد الله الذي حكم عليه العام 1987 في قضية اغتيال ديبلوماسي "إسرائيلي" وآخر أميركي، ويعتبر من أقدم السجناء في فرنسا". واستكملت الخبر بالقول بأن "محكمة الاستئناف أصدرت قرارها في جلسة غير علنية في غياب جورج عبد الله البالغ 74 عامًا". كذلك فعلت صحيفة "الجمهورية" التي نقلت عن "فرانس برس"، حرفيًا متبنية ما جاء في الخبر من مصطلحات وتوصيفات، عبر القول: " خرج اللبنانيّ جورج إبراهيم عبد الله من السجن في فرنسا على ما أفاد مصدر مطلع على الملف وكالة فرانس برس.
قولبة نضال جورج عبد الله
الى جانب النقل عن الوكالات الأجنبية، (مع إنّ الحدث لبناني ومجرياته حصلت داخل الأراضي اللبنانية)، كان لافتًا اسباغ مصطلحات وصفات مقولبة على جورج عبد الله في محاولة لعزله ضمن فئة سياسية واجتماعية محدّدة. نعود هنا، إلى صحيفة "النهار" التي وصفت عبد الله بـ"السجين اللبناني الأقدم في السجون الفرنسية"، وضمن توصيف شخصي له أوردت الصحيفة: "لم تتبدّل ملامح الناشط الشيوعي المناهض للإمبريالية عن الصور المعروفة الملتقطة له قبل عقود. صحيح أن الشيب غزا الشعر الكث الأسود واللحية الطويلة، لكن النظرة الثاقبة الحادة بقيت على حالها".
وكان لافتًا هنا، التشكيك بخلفية نضال جورج عبد الله، والتقليل من أهمية العمل المقاوم عندما قالت الصحيفة اللبنانية: "لم يقرّ عبد الله بضلوعه في العمليتَين اللتَين صنّفهما في خانة أعمال "المقاومة" ضدّ "القمع "الإسرائيلي" والأميركي" في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) والغزو "الإسرائيلي" لجنوب لبنان".