إيران

اهتمت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم الأربعاء 30 تموز 2025 بالأبعاد الأساسية لخطاب آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الأخير، والذي بيّن فيه - مضافًا لخطاباته السابقة - أبعاد القوة الإيرانية التي ينبغي العمل على ازديادها والتي تعتبر أكبر هدف للعدو.
الحرب ضد تقدم إيران
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "وطن أمروز": "قال الإمام الخامنئي في تصريحاته الأخيرة: في تأسيس الجمهورية الإسلامية، يُعدّ عنصرا الدين والعلم من أهم العناصر المكونة لها؛ ولذلك، استطاع دين الشعب وعلم شبابنا أن يُجبرا العدو على التراجع في ميادين شتى. وسيستمر الأمر كذلك بعد ذلك. إن ما يُعارضه الاستكبار العالمي، وعلى رأسه أميركا المجرمة، هو دينكم وعلمكم".
ورأت أن هذا البيان الاستراتيجي والخطابات التي سبقته والتي تلته يُصوّر بدقة جوهر وطبيعة التحديات التي تواجهها جمهورية إيران الإسلامية على الساحة الدولية، إذ لا يكمن الصراع الرئيسي في القضايا التكتيكية والفئوية، بل في نهج إيران في السعي نحو التقدم؛ نهجٌ يطمح، من خلال عنصريه الأساسيين، الدين والمعرفة، إلى بناء إيران قوية.
وتابعت: "لفهم هذا الصراع بعمق، لا بد من تحليله في سياق نظرية كلية في العلاقات الدولية: الصراع بين الدول المراجعة ودول الوضع الراهن. التقدمية أم البقاءية؟ هذه هي القضية".
ولفتت إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على عكس بعض الحكومات الإقليمية التي غالبًا ما تعاني من البقاء على قيد الحياة، وضعت قدمها على طريق التقدمية في صباح يوم 11 شباط 1978. بعد الحرب التي استمرت 8 سنوات بين إيران ونظام البعث بزعامة صدام، تم اتباع هذا النهج بجدية أكبر، ومع نمو المؤسسات العلمية والبحثية والدفاعية والتكنولوجية، اتبعت الاستراتيجية التقدمية بطريقة عملية وموضوعية. أحد أهم رموز هذا التوجه هو التركيز على تطوير البنية التحتية القائمة على المعرفة والطاقة النووية والفضاء الجوي والتكنولوجيا الحديثة في الجمهورية الإسلامية.
وأشارت إلى أن أحد أوضح الأمثلة على تقدمية إيران هو تركيزها على التكنولوجيا النووية السلمية؛ وهي التكنولوجيا التي أصبحت رمزًا للإرادة الوطنية للاستقلال العلمي. وعلى عكس الروايات غير الواقعية لبعض التيارات، أكدت إيران الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي منذ البداية والتزمت دائمًا بمبادئ ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، فإن الكيان الصهيوني، الذي يمتلك ترسانات نووية غير مشروعة خارج إطار معاهدة حظر الانتشار النووي، قد أظهر في مناسبات عديدة، من خلال سلوكه العدواني تجاه دول المنطقة التي اتخذت خطوات نحو التكنولوجيا النووية، أن التقدم العلمي نفسه لا يُطاق في هذه المنطقة، مما جعله عدوًا فعليًا للدول الساعية للتقدم في المنطقة. ومن الأمثلة التاريخية على هذا العداء الهجمات على المنشآت النووية في العراق وسورية.
وأردفت: "بالنظر إلى الحرب الأخيرة التي استمرت اثني عشر يومًا بين العدو الصهيوني وإيران الإسلامية يمكن اعتبار هذه الحرب ليس فقط مواجهةً أمنيةً أو عسكريةً، بل أيضًا، بالمعنى الدقيق للكلمة، حربًا ضد تقدم إيران. من خلال نشر تقنيات الصواريخ الدقيقة، وأنظمة الدفاع المحلية، وتعزيز القدرات الاستخباراتية والسيبرانية، أظهرت جمهورية إيران الإسلامية أنها لا تُركز على بقائها فحسب، بل تبني أيضًا خطة قوة جديدة في المنطقة قائمة على العقلانية العلمية والاعتماد على القدرات المحلية. وإن رد إيران الدفاعي في هذه المعركة، والذي رافقه دقة عملياتية عالية، واستهداف للموارد العسكرية الصهيونية، والسيطرة على الأزمات، ينبع من هذا المنطق التقدمي. في الواقع، في هذا الرد، عرضت إيران خطابها الأساسي الخاص، ألا وهو مزيج الدين والمعرفة المولّد للقوة".
العلاقات المعقدة بين الاقتصاد والسياسة
بدورها، ذكرت صحيفة "إيران" أنه "للحفاظ على سلامة أراضينا ومصالحنا الوطنية، نحتاج إلى فهم عميق للمجتمع وبنية السلطة والثروة العالمية، وهو فهم يعتمد على فهم متطلبات العصر من جهة، وعلى فهم الترابط بين الاقتصاد والسياسة من جهة أخرى، إذ يعتقد البعض أنه يمكن حل التحديات الاقتصادية دون تصحيح عيوب البنية السياسية؛ وهو أمر مستحيل بالطبع، ففي الفكر التنموي القائم على نظرية التوازن المزدوج، لا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي مستدام دون إصلاح البنية السياسية".
وقالت: "في حين يتطلب الإصلاح السياسي أو الاقتصادي مجموعة من التدابير لتحقيق توزيع عادل للثروة والسلطة، تُعطي النظريات العلمية الأولوية للتوزيع العادل للسلطة، والذي بدونه لن يكون التوزيع العادل للثروة والمكانة ممكنًا".
وأضافت: "ظهرت آثار هذا الخلل أيضًا في أزمة المياه. فبينما أشار أكثر من مئة تقرير رسمي إلى أن مافيا بناء السدود ومافيا ريع التعدين قد وسّعت أنشطتها المستهلكة للمياه بكثرة في أكثر مناطق إيران ندرة في المياه، إلا أنها تقدم إحصاءات ملفقة وغير واقعية لتبرير موقفها، مدّعيةً أن 90% من مياه إيران تُستخدم للزراعة، بينما تُظهر الأبحاث الميدانية عكس ذلك. تروج المافيا الاقتصادية لهذا الادعاء الكاذب لتضليل صانعي السياسات والرأي العام، لأنهم يعلمون أن المجتمع الريفي والقطاع الزراعي في إيران هما الأقل تنظيمًا، وليس لهما صوت أو سلطة أو ثروة في مراكز توزيع الريع. لذلك، ولخداع الرأي العام، يُعطون انطباعًا خاطئًا ويُقدمون المزارعين والزراعة على أنهم سبب أزمة المياه في إيران. والآن، إذا تجرأ أحد على انتقاد هذه المافيا، فستثور ضده فجأة العديد من المنظمات ووسائل الإعلام".
وأوضحت أن مستقبل إيران يعتمد على إعادة بناء هياكلها الاقتصادية والسياسية الداخلية، بما يضمن العدالة الاجتماعية والاستقلال والشفافية، إذ بدون هذه الإصلاحات، ستصبح إيران عُرضةً للخطر في خضمّ مناورات القوة العالمية. ولفتت إلى أن "العديد من مشاكلنا الاقتصادية اليوم تتجذّر في سياسات العلاج بالصدمات، وأعتقد أن مافياتٍ قويةً تقف وراء هذه السياسة، بل وتُجرّم معارضة العلاج بالصدمات".
وأضافت: "يجب أن ندرك أن المؤسسات البحثية والأكاديمية هي محور التنمية ومراكز الفكر التنموي. ومع ذلك، كلما انخفض سعر النفط قليلًا، فإن الخطوة الأولى هي خفض ميزانية المؤسسات البحثية والأكاديمية. لقد شهدنا هذه الممارسة حتى بعد الحرب التي فرضتها "إسرائيل"، عندما تم إغلاق بعض المؤسسات البحثية، وهي خطوة غريبة في خضم العدوان الأجنبي. لأنه، بالمناسبة، في مثل هذه الأوقات، نحتاج إلى مراكز التنمية أكثر من أي وقت مضى لمساعدتنا على التغلب على أزماتنا بسهولة أكبر".
تعقيد في كييف
من جانب آخر، أكدت صحيفة "رسالت" أنه "من المقرر أن يلتقي كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين من روسيا وأوكرانيا وجهًا لوجه في سلسلة من المحادثات المشتركة لمناقشة كيفية إنهاء الصراع المستمر منذ أربع سنوات. ومع ذلك، يشكك خبراء ومحللو القضايا الاستراتيجية في النظام الدولي في نتائج هذه المحادثات (على الأقل في هذه المرحلة). وقد أدى نشر صواريخ باتريوت الأميركية في أوكرانيا وتهديدات البيت الأبيض بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية واسعة النطاق على موسكو إلى تعقيد المفاوضات".
وتابعت: "يعتقد بوتين اعتقادًا راسخًا أن الطرف الرئيسي في الصراع مع الروس حاليًا هو حلف الناتو، وليس حكومة زيلينسكي في أوكرانيا. وعليه، ينبغي أن يقدم الناتو (وليس حكومة كييف) جزءًا هامًا من الضمانات الاستراتيجية التي تنوي موسكو تقديمها. وتريد روسيا من المجتمع الدولي الاعتراف بملكيتها للأراضي المحتلة منذ عام 2014، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. كما يُصرّ الكرملين على أن تتخلى أوكرانيا عن أي فكرة للانضمام إلى حلف الناتو العسكري. في المقابل، يُصرّ المسؤولون الأوكرانيون على انسحاب روسيا من جميع المناطق لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، ثم التفاوض مع كييف بشأنها".
وقد رفضت روسيا هذا الطلب من كييف بطبيعة الحال، بحسب الصحيفة، كما تُطالب أوكرانيا بتبادل أسرى الحرب والإفراج عن جميع المدنيين المحتجزين في موسكو.
وختمت: "منذ توليه زمام الأمور في واشنطن، دأب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الادعاء بأن إنهاء الحرب الأوكرانية وإبرام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة سيتم خلال 24 ساعة، لكن يأس واشنطن في مواجهة هذه المعادلة التي تنطوي على العديد من المجهولات قد بلغ ذروته. ومن الواضح الآن للجميع أن حسابات ترامب بشأن طبيعة ومستقبل الحرب الأوكرانية كانت مثالية للغاية، وعلاوة على ذلك فإن عجز واشنطن عن تحليل الصراعات الحالية في مجال العلاقات الدولية يتجاوز تصور العديد من الجماهير".