لبنان

كشف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حقيقة المفاوضات التي باشرها مع الجانب الأميركي بالاتفاق الكامل مع رئيس الحكومة نواف سلام وبالتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي تهدف إلى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، لافتًا إلى أن لبنان أجرى تعديلات جوهرية على مسودة الأفكار التي عرضها الجانب الأميركي ستطرح على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل، معددًا أهم النقاط التي طالب بها، ومنها: "وقف فوري للأعمال العدائية "الإسرائيلية"، وانسحاب "إسرائيل" خلف الحدود المعترف بها دوليًا، وإطلاق سراح الأسرى وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها، و"سحب سلاح جميع القوى المسلحة ومن ضمنها حزب الله وتسليمه إلى الجيش اللبناني"، وتأمين مبلغ مليار دولار أميركي سنويًا لفترة عشر سنوات من الدول الصديقة لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية وتعزيز قدراتهما، وإقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار لبنان في الخريف المقبل، وتحديد وترسيم وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع الجمهورية العربية السورية بمساعدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرق المختصة في الأمم المتحدة، وحل مسألة النازحين السوريين، ومكافحة التهر
مواقف الرئيس عون جاءت خلال الاحتفال الذي أقيم في مقر وزارة الدفاع الوطني في اليرزة قبل ظهر اليوم الخميس (31 تموز 2025)، في ذكرى شهداء الجيش.
وأكد رئيس الجمهورية أن حكومة الرئيس سلام أعطت الأولوية لستة ملفات نظرًا لحدود ولايتها الزمنية دون أن تغفل ملفات أخرى، مشددًا على أن القضاء مطلق اليدين لمكافحة الفساد والمحاسبة وإحقاق الحق وتكريس مبدأ المساواة أمام العدالة، وعلى أنه سيوقع مرسوم التشكيلات القضائية فور ورودها.
وكان الرئيس عون قد وصل إلى اليرزة عند الساعة التاسعة والنصف وكان في استقباله وزير الدفاع الوطني اللواء الركن ميشال منسى، وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث وضع إكليلًا من الزهر على نصب شهداء الجيش، فيما عزفت الموسيقى معزوفة الجيش ومعزوفة الشهداء ولازمة النشيد الوطني. ثم انتقل الرئيس عون إلى قاعة العماد جان نجيم.
قائد الجيش
وبدأ الاحتفال الذي حضره الى وزير الدفاع وقائد الجيش، رئيس الأركان اللواء الركن حسان عودة وقادة الألوية والأفواج، بالنشيد الوطني اللبناني. ثم ألقى العماد هيكل كلمة ترحيبية بالرئيس عون جاء فيها:
"في العيد الثمانين للجيش، يسرني أن أرحب بكم في مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء التي حملتم شعارها منذ شبابكم، وتربيتم في مدرستها، وتوليتم قيادتها، فظلت ساكنة في وجدانكم وقلبكم، حتى وإن غادرتموها بالجسد".
وأضاف: "إن حضوركم اليوم يظهر تضامنكم مع الجيش، وتقديركم المطلق لدوره وتضحياته ووقوفكم إلى جانب عناصره. لقد تحملتم منذ بداية عهدكم مسؤوليات جسامًا. وإن الخطوات المهمة التي حققتموها حتى الآن تزيدنا ثقة وتفاؤلًا وعزمًا على مواصلة أداء واجبنا، بالتوازي مع مسيرة تطوير المؤسسة العسكرية، معتمدين على قدراتنا وطاقاتنا الذاتية، وشاكرين الدول الداعمة على مبادراتها تجاه الجيش".
وختم: "نتعهد أمامكم وأمام شعبنا أن نحمي الاستقرار والسلم الأهلي، ولن نسمح أبدًا بأي تهديد لأمن بلادنا. أجدد ترحيبي بكم، فخامة الرئيس، وأعرب عن شكري لكم ولمعالي وزير الدفاع الوطني، ولكل من يبدي التضامن والدعم للمؤسسة العسكرية. وكلي أمل بأن تحمل الأيام المقبلة ما نتمناه من استقرار وازدهار لوطننا العزيز. وأهلا وسهلا بكم فخامة الرئيس".
الرئيس عون
ثم ألقى الرئيس عون الكلمة الآتية:
"أيها العسكريون، يا رفاق السلاح
قبل نحو أربعين عامًا، أقسمت مثلكم قسمًا صار لي حياة...
وقبل نحو ثمانية أشهر، أقسمت أمام اللبنانيين، قسمًا لا رجوع عنه.
رفاق السلاح والقضية والشرف، بفضلكم أنتم شرفت قسمي الأول...
وبفضلكم دومًا سأشرف قسمي الثاني..
وها أنا هنا، لأقول لكم جنودًا وجرحى وشهداء، لكم كل الشكر والجميل ... وفاءً لتضحياتكم، ولطهر دمائكم، ولصلوات أمهاتكم وقلق الآباء والأهل!
فلأنني أعرف معنى التضحية ... وأعرف قدسية الشهادة.. .
أدرك أيضًا أن شعبًا يستحق الحياة، لا يترك شهداءه، يسقطون مرتين...
مرة في الدفاع عنه ... ومرة بالنسيان أو الإنكار أو المساومات...
فكل شهيد قاتل وقاوم وسقط من أجل لبنان، أيا كان مسقط راسه أو قبلة ربه ... هو ذخر لنا، في مسيرتنا نحو تحقيق أهداف هذه الشهادة، ببناء وطن مستقل مستقر، مزدهر وعصري... يحضن كل شعبه، وينفتح على العالم... والوفاء للشهداء ولتضحياتهم وللقضية التي ارتقوا من أجلها، يقتضي منا جميعًا، أن نوقف الموت على أرضنا ... وأن نوقف الدمار ... وأن نوقف الانتحار، خصوصًا حين تصبح الحروب عبثية مجانية ومستدامة، لمصالح الآخرين. وذلك حفاظًا على كرامة شعبنا وأرضنا ودولتنا ووطننا!.
أيها الجيش الأبي،
اليوم عيدك، فافتخر!
افتخر، لأن لا مؤسسة في الدولة اللبنانية، يُجمع عليها اللبنانيون، أكثر من الجيش اللبناني.
ولا مؤسسة قدمت التضحيات، مثل مؤسسة الجيش.
ولا مؤسسة صمدت بوجه الفساد والضيق معاً، كصمود الجيش.
ولا مؤسسة حمت وحدة لبنان، وضمنت أمنه، مثل عناصر وضباط الجيش.
فقد انهار اقتصاد كامل، ولم تنهر.
واستبيحت الحدود والسيادة، ولم تستسلم.
وزرع الأعداء عملاءهم بيننا، ولم يجدوا فيك خائنًا.
فالجيش هو نسيج مصغر عن الشعب اللبناني بأبهى حلله.
ولذلك فمن يحب جيشه، يحب شعبه ووطنه!
وللجيش فضل كبير علي ودين أكبر.
فضله أنه رباني على حب الوطن، كل الوطن دون اجتزاء، وعلى حب الشعب دون شعبوية، وعلى حب الله دون طائفية. وديني له كقائد أعلى للقوات المسلحة، وفق ميثاقنا ودستورنا أن أحافظ على هيبته وكرامته وقوته ودوره، حفاظًا مني على سيادة لبنان، وحرمة حدوده، ووحدة شعبه، وسلامة أراضيه من حروب لا نريدها واعتداءات نرفضها.
من هنا، واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة، عبر مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع ومجلس النواب والقوى السياسية كافة، أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردد إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى كافة الأراضي اللبنانية، اليوم قبل غد. كي نستعيد ثقة العالم بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه الاعتداءات "الإسرائيلية"، التي لا تترك فرصة إلا وتنتهك فيها سيادتنا. كما بوجه الإرهاب الذي يرتدي ثوب التطرف، وهو من الأديان براء.
نعم، لقد انتهكت "إسرائيل" السيادة اللبنانية آلاف المرات، وقتلت مئات المواطنين، منذ اعلان وقف إطلاق النار في تشرين الثاني عام 2024، وحتى هذه الساعة. ومنعت الأهالي من العودة إلى أراضيهم، ومن إعادة إعمار منازلهم وقراهم. ورفضت إطلاق الأسرى والانسحاب من الأراضي التي احتلتها.
وقد وقف الجيش إلى جانب الأهالي بكل شجاعة، رغم كل شيء. وخسر شهداء أعزاء. مثل المقدم الشهيد محمد فرحات ابن بلدة دير قانون رأس العين من الجنوب وليدًا، والذي احتضنته كنائس زغرتا في الشمال شهيدًا. بعدما تحدى سابقًا المحتل وجهًا لوجه، أمام جميع العدسات، في وقفة بطولية هي من بطولة هذا الشعب وتصميمه على الصمود. قبل أن يعود سلاح الجو "الإسرائيلي" فيغدر به ليرتقي رمزًا لتضحيات جيشنا وشرفه ووفائه، وتجسيدًا لالتفاف لبنان كله حول الجيش.
وقد أوكلت للجيش مهمات تطبيق وقف النار، وذلك بالتنسيق مع اللجنة العسكرية الخماسية الأطراف. وتمكن على الرغم من تواضع الإمكانيات وكثرة مهامه الأخرى، من أن يبسط سلطته على منطقة جنوب الليطاني غير المحتلة، وأن يجمع السلاح، ويدمر ما لا يمكن استخدامه منه، وذلك بشهادة اللجنة العسكرية الخماسية. وهو مصمم على استكمال مهامه من خلال تطويع أكثر من 4500 جندي، وتدريبهم وتجهيزهم، ليكملوا انتشارهم في هذه المنطقة، على الرغم من عدم التزام "إسرائيل" بتعهداتها. وقد ساعده في تسهيل انتشاره، أهل الجنوب أبناء الأرض، الذين كانوا دومًا قدوة في وطنيتهم وصمودهم.
لذا، وأمام مسؤوليتي التاريخية، وانطلاقًا من صلاحياتي الدستورية المنصوص عليها في المادة 52 من الدستور واحترامًا لليمين التي حلفتها، ولخطاب القسم، أرى من واجبي اليوم، أن أكشف للبنانيين، وللرأي العام الدولي ولكل مهتم ومعني، حقيقة المفاوضات التي باشرتها مع الجانب الاميركي وذلك بالاتفاق الكامل مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وبالتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي تهدف الى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، والذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية السابقة بالإجماع.
وكان الجانب الأميركي قد عرض علينا مسودة أفكار، أجرينا عليها تعديلات جوهرية، ستطرح على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وفق الأصول، ولتحديد المراحل الزمنية لتنفيذها. وهذه أهم النقاط التي طالبنا بها:
-1 وقف فوري للأعمال العدائية "الإسرائيلية"، في الجو والبر والبحر، بما في ذلك الاغتيالات.
2 انسحاب "إسرائيل" خلف الحدود المعترف بها دوليًا، وإطلاق سراح الأسرى.
-3 بسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني.
-4- تأمين مبلغ مليار دولار أميركي سنويًا، ولفترة عشر سنوات من الدول الصديقة، لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتهما.
5- إقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار في الخريف المقبل.
-6- تحديد وترسيم وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع الجمهورية العربية السورية، بمساعدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرق المختصة في الأمم المتحدة.
-7- حل مسألة النازحين السوريين.
-8 مكافحة التهريب والمخدرات، ودعم زراعات وصناعات بديلة.
هذه هي أهم بنود المذكرة التي حددنا مراحل تنفيذها بشكل متواز، والتي لا يمكن لأي لبناني صادق ومخلص إلا أن يتبناها بما يقطع الطريق على "إسرائيل"، في الاستمرار في عدوانها، ويفرض عليها الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، ويرسم حدود لبنان جنوبًا وشرقًا وشمالًا، لأول مرة في تاريخه، ويضبط مراقبة هذه الحدود، ويمنع الاعتداءات ويعيد الناس الى أراضيها، ويؤمن لهم الأموال اللازمة لبناء البنى التحتية والبيوت، ويعزّز الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، وبالجيش أولًا، ويُعطينا فرصة لإقامة استقرار ثابت ودائم، هو الشرط الأول لازدهار الاقتصاد اللبناني، وللمضي في الاصلاحات البنيوية الضرورية، بدعم دولي وعربي.