تحقيقات ومقابلات

ليل 31 تموز - فجر 1 آب 2006. اليوم التاسع عشرة والعشرون للحرب. المجازر تتوسّع وصواريخ المقاومة تصل الى ما بعد حيفا. قواعد الاحتلال على بعد 70 كليومترًا، باتت في مرمى نيران المجاهدين، "كريات شمونة" و"كفريوفال" و"كفرجلعاد" و"صفد" و"روش بينا" و"غشرهازيف" و"غرانوت" و"نهاريا". برًا، المقاومون يشتبكون مع قوة تابعة للواء "غولاني" على محور عيتا الشعب ـ القوزح ـ رامية ثمّ العديسة وكفركلا.
بقاعًا كان الحدث يُرسم أيضًا. العدو ينفّذ إنزالًا عند المدخل الشمالي لمدينة بعلبك قرب مستشفى "دار الحكمة"، بعد غزو الطيران الحربي لسماء المنطقة من زحلة حتى حدود بلدة العين. 31 تموز الساعة العاشرة مساءً كان بداية انطلاق العملية التي سمّاه جيش الاحتلال "حاد وسلس" ("بدقة وسلاسة"). على الرغم من أن الأهداف المُعلنة لها تأكد العدو أنها لن تكون في المستشفى، لا من حيث القياديين، ولا من حيث الأسيريْن "الاسرائيلييْن"، كما اعترف في حينها إعلامه، غير أنه قرّر المضيّ بها.
الإنزال الذي استمّر 7 ساعات انتهى فجرًا، شهد قتالًا شرسًا بين المقاومين والجيش اللبناني من جهة، وبين جنود النخبة في جيش العدو من جهة ثانية. الغارات العنيفة استهدفت محيط بلدات تل الأبيض ومقنة ووادي الصفا وتلال بعلبك الشرقية والمنطقة الواقعة بين بوداي والسعيدة، ومركزًا تابعًا للجيش اللبناني في بلدة شليفا.
أكثر من 200 جندي من وحدات النخبة مدعومين بسرب من الطائرات والمروحيات الحربية، استخدمهم العدو لتنفيذ العملية التي أدت إلى استشهاد 18 مواطنًا بينهم 7 من آل جمال الدين، إضافة الى خطف 5 أفراد من أحد المنازل.
استعراض فاشل
صحيفة "معاريف" آنذاك قالت إن العملية اعتُبرت فيما بعد ترويجًا دعائيًا، إذ لم تُحقّق النتائج المرجوّة من حيث الأهداف الحقيقية، بعد أن اعتمدت الاستخبارات "الاسرائيلية" على تقديرات غير دقيقة، مشيرة الى أن "ما جرى ليس سوى عملية استعراضية، فالمسؤولون في المؤسسة الأمنية وجّهوا انتقادات حادّة لمن قاد الإنزال بسبب تعريض 200 جندي للخطر".
كذلك تحدّث إعلام العدو عن فشل العملية، إذ لم يتم اعتقال أيّ قيادي من حزب الله، وسرعان ما عُدّ تأثير العمليات الخاصة تكتيكيًا محدودًا وبلا تأثير استراتيجي يذكر.
تقرير لجنة "فينوغراد" الشهيرة التي حقّقت في إخفاقات الحرب، تحدّث بدوره عن وجود توقعات مفرطة في الأداء الاستراتيجي لهذه العمليات، وعن وجود مشكلة في التنظيم اللامركزي لوحدات النخب.
اللجنة ذكرت أن التوقعات المرتفعة من العمليات الخاصة كانت مبالغًا فيها، وأنها لم تحقق تأثيرًا يُذكر، ولم يتم القبض على أي قائد بارز من حزب الله.
كما وجدت اللجنة أن الدعم المنشور للعمليات الخاطفة لم يُرافَق بخطة عمل تكاملية، وهو ما اضطر "إسرائيل" إلى الاعتماد الكبير على القوة الجوية، في حين تَبيّن أن ذلك لم يكبح إطلاق صواريخ حزب الله.
ويظهر من التقييم أن عملية إنزال بعلبك ومستشفى دار الحكمة نُفذّت في إطار تكتيكي ضيّق، بتكلفة بشرية ولوجستية دون مردود استراتيجي أو استخباراتي حقيقي.
على المقلب الآخر، ما زال أبناء المنطقة يتذكّرون جيدًا تفاصيل تلك الليلة وفجرها. كان الناس على علمِ بما يجري. أصواتُ القذائق والطلقات والطائرات الحربية كلّها في الأرجاء. عاش الجميع أجواء الحرب في القرى المحيطة، شبابها تسلّحوا، والنساء والأطفال يرفعون الدعاء لنصرة المجاهدين الذين تصدّوا للعدوان. لم ينم أحد في تلك الليلة، الكلّ ينتظر تكبيد الجنود الغازين الهزيمة ليُدبروا خاسرين.