عربي ودولي

التصريحات الرسمية الباكستانية المنددة بالعدوان "الإسرائيلي" على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حزيران الماضي، ومنها رسالة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان التي تضمنت أن بلاده "تقف مع الشعب الإيراني الشقيق ضد العدوان الإسرائيلي غير المبرر"، لم تكن أولى الدلائل على العلاقات الجيدة بين البلدين على الرغم من حالات التوجس المتبادل بينهما أحيانًا والاتهامات المتبادلة بينهما التي تتحدث عن إيواء مجموعات مسلحة تؤثر على الأوضاع الداخلية في كلا البلدين.
ولم تمنع هذه التوترات المسار التصاعدي للعلاقات الباكستانية الإيرانية والذي تجلت بعض نتائجه في زيارة الرئيس الإيراني بزشكيان إلى باكستان في الأيام الماضية وتوقيع اثنتي عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة، ترسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين البلدين المتجاورين.
وقد تنوعت عناوين الاتفاقيات الأخيرة الموقّع عليها بين باكستان وإيران، فاقتصاديًّا اتفق البلدان على رفع التبادل التجاري السنوي من نحو 3 مليارات دولار إلى 10 مليارات دولار، وهو هدف كبير يسعى البلدان لتحقيقه عبر توقيع اتفاقية تجارة حرة تسعى لإزالة العوائق الجمركية، وتفعيل الأسواق الحدودية المشتركة، لأجل تشجيع الاقتصاد المحلي، والاتفاق على آلية للتجارة بالمقايضة لمواجهة تحديات الصرف الأجنبي والعقوبات الموضوعة على إيران.
أما أمنيًا فإن الحدود بين البلدين كانت أساس الاهتمام مع تزايد نشاط الجماعات المسلحة في إقليم بلوشستان، وقد تعهّد البلدان بتعزيز التعاون الأمني عبر تنسيق العمليات الحدودية لمكافحة الإرهاب ومنع التهريب، وتوقيع اتفاقيات تتعلق بتبادل المعلومات والخبرات الدفاعية، والتشغيل المشترك لمعابر حدودية جديدة.
الاتفاقيات شملت أيضًا التعاون في الطاقة والنقل، والتعاون العلمي والتقني، والتبادل الثقافي والسياحي، وتبادل المعلومات في القضايا الجنائية.
ولهذه الاتفاقيات بين البلدين أبعاد استراتيجية تتعدى في بعضها العلاقات المشتركة بينهما إذ إنها تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي في جنوب آسيا والخليج، وتقلّل من الاعتماد على القوى الغربية، لا سيما في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وتعيد تفعيل مشروع أنبوب الغاز الإيراني الباكستاني، المتوقف جزئيًا منذ سنوات بسبب الضغوط الدولية.
ختامًا، تشكّل الاتفاقيات الموقعة في آب/أغسطس الحالي خارطة طريق استراتيجية قد تعيد صياغة العلاقة بين البلدين، وتُحدث تأثيرًا حقيقيًا على استقرار المنطقة واقتصاداتها في السنوات المقبلة.