اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي شهداء وجرحى من الجيش بانفجار في وادي زبقين- صور

تحقيقات ومقابلات

مواقف سلام.. ازدواجية بين القانون اللبناني والدولي والولاءات الغربية
تحقيقات ومقابلات

مواقف سلام.. ازدواجية بين القانون اللبناني والدولي والولاءات الغربية

نشابة لـ"العهد": خروج الوزراء الشيعة من الجلسة يعني أن الحكومة فقدت شرعيتها الميثاقية
184

بوقاحة سياسية غير مسبوقة، ودون أدنى اعتبار للدستور والمعايير الميثاقية الوطنية، أقدم رئيس الحكومة نواف سلام، على تجاوز التوازن الوطني خلال الجلسة الحكومية الأخيرة. ما ارتكبه ليس مجرد مخالفة شكلية، بل خرق جوهري لأحكام الدستور، وتعدٍّ سافر على مبدأ العيش المشترك الذي يُشكّل عماد النظام اللبناني.

والأخطر من ذلك، أن خطوة سلام كشفت رضوخًا واضحًا لإملاءات خارجية، نزعت عنه صفة الحَكَم، التي يفترض أن يتحلّى بها رئيس الحكومة، وحوّلته إلى أداة تنفيذ لأجندات خارجية تستهدف وحدة البلاد واستقرار مؤسساتها الدستورية.

وبحسب الدستور اللبناني، وتحديدًا الفقرة "ي" من مقدمته، يقوم النظام على مبدأ العيش المشترك، فيما تُعدّ الميثاقية عنصرًا أساسيًا في انتظام عمل المؤسسات الدستورية. كما تنص المادّة 95 على ضرورة التمثيل الطائفي العادل في تشكيل الحكومة، وعلى أن تُتخذ القرارات المصيرية بالتوافق، لا بالأكثرية العددية.

وللوقوف على مدى خرق نواف سلام للدستور والميثاق الوطني اللبناني، يؤكد المتخصص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان الدكتور عمر نشابة لموقع "العهد" الإخباري أنّ الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء، لم تكن قرارًا داخليًا بقدر ما كانت امتدادًا لإملاءات خارجية واضحة"، وأضاف: "سلام عاد من فرنسا بعد لقائه بالرئيس إيمانويل ماكرون وعدد من المسؤولين الفرنسيين، وبعد ساعات قليلة فقط، بادر إلى فرض قرارات داخل مجلس الوزراء دون توافق وطني حقيقي، ورفض إعطاء الوزراء الشيعة مهلة قصيرة لمراجعة الورقة المطروحة".

ورأى نشابة أنّ سلام كسر مبدأ العيش المشترك والتوافق الوطني المنصوص عليه في اتفاق الطائف والدستور اللبناني، عبر تمرير مقرّرات مصيرية رغم انسحاب مكوّن أساسي من الجلسة ( المكوّن الشيعي). وأضاف: "سلام رفض تأجيل النقاش ببند "حصرية السلاح"، مع العلم أنّ الطلب لم يكن تعطيليًا بل كان نابعًا من الحرص الجاد على المصلحة الوطنية".

وسأل: "إذا انسحب الموارنة مثلًا، هل يُقبل أن يُمثَّل المسيحيون فقط بالأرثوذكس والكاثوليك؟ طبعًا لا، فلماذا يُعامل الشيعة كمكوّن فائض عن الحاجة؟".

وحمّل نشابة نواف سلام مسؤولية العبث بالتماسك الوطني والمؤسساتي، معتبرًا أنّ دوره المفترض كرئيس للحكومة أن يحمي الوحدة الوطنية، مشيرًا إلى التصدع الخطير الذي أصاب وحدة الدولة اللبنانية نتيجة القرارات الأحادية في مجلس الوزراء، التي تمّت في ظل غياب مكوّن أساسي هو المكوّن الشيعي.

وشدّد على أنّ "الشيعة ليسوا مواطنين درجة ثانية، ولا يمدّ أحد إليهم يده كمنّة أو فضل. الشيعة مكوّن مؤسس في الدولة، ولا دولة في لبنان يمكن أن تُدار أو تُبنى من دونهم، ولا طائفة تقبل أن تُعامل بهذا الشكل"، مضيفًا أنّ الحديث عن ميثاقية من دون الشيعة هو كذب سياسي وتزوير دستوري.

وتابع نشابة: "نواف سلام لم يصعّد فقط داخليًا، بل خضع لضغوط خارجية واضحة، وانصاع لإملاءات فرنسية وأميركية، خاصة أنّه مُعجب بالغرب والفرنسيين ما جعله يفرّط بالتوازن الداخلي. وما جرى هو ضربٌ لمبدأ الشراكة الوطنية، وكأن فريقًا أساسيًا في البلد لا يُحسب حسابه"، لافتًا إلى أنّ ما حصل "يشكّل انحدارًا خطيرًا في إدارة الدولة، ويهدّد بتفكيك ما تبقى من هيكل الجمهورية"، داعيًا رئيس الجمهورية إلى "تحمّل مسؤولياته الدستورية ووضع حد للتفرّد والعبث بالميثاق الوطني".

ولفت نشابة لموقع "العهد" إلى أنّه "لا يمكن اتهام الشيعة بأنهم سبب خراب الوطن، بل المطلوب اليوم وبإلحاح هو العودة لطرح إلغاء الطائفية السياسية، لأنها المعركة الإستراتيجية الحقيقية التي تعزّز اللحمة الوطنية لا تُمزّقها". وأضاف: "ما شهدناه بالأمس من افتعال تحرّكات في طرابلس ومحاولات إظهار جمهور سني بمواجهة جمهور شيعي، هو تكرار مكشوف لألعاب استخبارية خبيثة جُرّبت في العراق وسواه، والهدف منها ضرب بيئة المقاومة وتقسيم الشارع".

كما شدّد نشابة على خطورة تحميل المكوّن الشيعي في لبنان مسؤولية الأزمات والانقسام السياسي، واصفًا ذلك باللعبة القذرة التي تُدار من الخارج لإشعال فتنة مذهبية، وموضحًا أنّ "هذه اللعبة القذرة تُدار لإظهار أن السنّة ضدّ سلاح المقاومة، بينما الحقيقة أن جمهور السنّة شارك ويشارك في مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"، وهذا الانقسام المصطنع خطير ويُدار من الخارج".

هذا، وأعاد نشابة التذكير بموقف سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي من اتفاق الطائف قائلًا: "السيد عباس لم يكن مؤيدًا للطائف بالكامل، لأنه خشي من تشوّه ميثاقي أو دستوري، وقد أثبتت التجربة أن القفز فوق التوازنات الطائفية يُهدّد الاستقرار. ما فعله نواف سلام هو تجاوز للطائف وللتوافق بين الطوائف، وخروج الوزراء الشيعة من الجلسة يعني أن الحكومة فقدت شرعيتها الميثاقية".

وعن موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون، قال نشابة "إنّ رئيس الجمهورية بحسب المادّة 49 من الدستور هو المسؤول الأول عن وحدة البلاد، وكان يجب عليه التدخل قبل خروج الوزراء الشيعة من الجلسة"، معتبرًا أنّ ما جرى هو تفريط بتماسك الجمهورية لا بوصفها السياسي فقط، بل بجوهرها الميثاقي والطائفي القائم حاليًا. وأضاف: "صحيح أننا نطمح لإلغاء الطائفية السياسية، وأن يصبح لبنان دائرة واحدة، لكن الواقع اليوم هو جمهورية طائفية قائمة على توازن الطوائف، لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه".

نواف وادعاءاته الكاذبة اتّجاه فلسطين

وعن الشأن الفلسطيني وتغنّي سلام بإنجازات قدّمها لفلسطين، يقول نشابة لموقع "العهد" "إنّ رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يقدّم نفسه على أنه مناصِر لقضية فلسطين في المحافل الدولية، متباهيًا بقرارات أصدرها خلال ولايته كقاضٍ في محكمة العدل الدولية ضدّ الكيان "الإسرائيلي"، تدعو لرفع الحصار عن غزّة ووقف المجازر بحق المدنيين، إلا أنّ ما يعتبره "إنجازًا قانونيًا"، يراه متخصصون في العدالة الدولية مجرّد استكمال لمسار بدأته سلفه، القاضية الأميركية جوان دونوهو، التي ترأست المحكمة قبله وكانت وراء أول قرار فعلي يُطالب الاحتلال بوقف الإبادة الجماعية.

نواف سلام لم يكن المبادر الحقيقي، بل جاء فقط ليوقّع على قرارات اتّخذت قبله. "ما فعله سلام كان أقرب إلى تحصيل حاصل"، يقول نشابة، مشددًا على أن سلوكه لا يخرج عن السياق المألوف لتماهيه العميق مع السياسات الغربية، وتحديدًا الأميركية والفرنسية. ويتابع: "لو لم تتّخذ دونوهو، وهي من وزارة الخارجية الأميركية، ذاك القرار، لا أعتقد أن نواف سلام كان سيقدم عليه أصلًا.. هو معجب بالغرب إلى درجة الخضوع".

ويضيف نشابة في حديثه لموقع "العهد الإخباري"، أنّ نواف سلام لم يكن يومًا "رائدًا في نصرة فلسطين"، كما يدّعي. فمنذ أيامه الأولى في الجامعة، سواء كطالب أو أستاذ، يقدّم نفسه كمدافع عن القضية الفلسطينية، لكنّه لم يُترجم أقواله إلى أفعال، بل تحوّلت كلّ شعاراته إلى إخفاقات متراكمة، في وقت لا تزال المجازر مستمرة والعدوان الصهيوني بلا رادع.

وسأل نشابة بمرارة: "أين إنجازاته لفلسطين؟ ما الذي قدّمه فعليًا؟ ما هي قراراته الجذرية؟ وكيف كان موقفه من المقاومة الفلسطينية؟". 

ويُذكّر بأنّ سلام، منذ تسلّمه منصبه كسفير للبنان في الأمم المتحدة، التزم بالخطوط التي رسمتها وزارة الخارجية حينها، والتي كانت تُدار آنذاك من قبل وزير يحمل موقفًا وطنيًا واضحًا، على عكس المرحلة الحالية، حيث تسود الازدواجية والانصياع للمحاور الغربية.

ويشير نشابة إلى أنّ سلام، وبعد أن تمكّن من ترتيب موقعه ضمن بيئة الأمم المتحدة، نسج علاقات مع مراكز القرار الغربي، ما سهّل لاحقًا تعيينه قاضيًا في محكمة العدل الدولية، ثمّ انتخابه رئيسًا لها. لكن كلّ هذه "التراتبية البروتوكولية"، لم تُترجم يومًا إلى مواقف تُعيد لفلسطين حقّها، أو تُعطي للمقاومة مشروعيتها القانونية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة