اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الشيخ الخطيب: الخطر "الاسرائيلي" يطال الجميع

مقالات

العدوان على الدوحة وتونس يثبت أن المقاومة وحدها هي الضمانة
مقالات

العدوان على الدوحة وتونس يثبت أن المقاومة وحدها هي الضمانة

105

في الساعات الأخيرة، حملت الأخبار ما بدا وكأنه تحوّل نوعي في السلوك "الإسرائيلي": استهداف قيادات من حركة "حماس" في قلب العاصمة القطرية الدوحة، ومحاولة ضرب القارب الرئيسي لأسطول "الصمود" قبالة السواحل التونسية. هذه التطورات ليست مجرد أحداث أمنية منفصلة، بل هي مؤشر على مستوى جديد من التمادي "الإسرائيلي"، يكشف طبيعة المشروع الاستعماري في المنطقة، ويطيح نهائيًا بأوهام "السلام الإبراهيمي" و"التطبيع" باعتبارهما خيارًا واقعيًا أو قابلًا للحياة.


الاستعمار يتجاوز الحدود


منذ تأسيسه، لم يعترف الكيان "الإسرائيلي" بحدود. فالمشروع الصهيوني قام على فكرة التوسع المستمر، سواء بالقوّة العسكرية المباشرة أو عبر اختراق المنظومات السياسية والاقتصادية للدول المحيطة. لكن ما نشهده اليوم هو خطوة إضافية: اعتداء صريح على دولتين لا تنتميان إلى محور المقاومة المباشر. قطر، عضو مجلس التعاون الخليجي التي لطالما لعبت دور الوسيط، وتونس، التي لم تُدرج يومًا ضمن قائمة "الخصوم" التقليديين "لإسرائيل".


هذا التمدد العدواني ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو إعلان غير مكتوب بأن "إسرائيل" ترى لنفسها الحق في ملاحقة خصومها - أو من تعتبرهم خصومًا - في أي مكان، دون رادع جغرافي أو قانوني. وهو بالضبط ما يعنيه مصطلح "الاستعمار العاري": مشروع استيطاني توسعي لا يعترف بسيادة الآخرين، ويحوّل القانون الدولي إلى أداة للاستهزاء.


سقوط وهم "السلام"


الهجوم في الدوحة كان استهدافًا مباشرًا لمفاوضات حساسة تتعلق بمقترح أميركي لوقف إطلاق النار. أن يقوم "الجيش الإسرائيلي" بمحاولة اغتيال وفد حماس أثناء اجتماع رسمي في العاصمة القطرية، يعني أن "تل أبيب" لم تعد تأخذ حتّى الغطاء الأميركي على محمل الجد. بل أكثر من ذلك: هو تعبير فجّ عن أن أي عملية سياسية تُعتبر، بالنسبة إلى "إسرائيل"، مجرد تمويه أمني لا أكثر.


أما ضرب سفينة أسطول "الصمود" قبالة تونس، فهو رسالة رمزية بليغة: حتّى القوارب المدنية المحملة بالغذاء والدواء باتت تُعامل كتهديد وجودي. "إسرائيل"، التي لم تحتمل مشهد سفينة إنسانية تتوجه إلى غزّة، تكشف بذلك طبيعتها الحقيقية: كيان هشّ يعيش على الخوف من أي مبادرة إنسانية قد تفضح حصاره الوحشي أمام العالم.


في الحالتين، ما يسقط ليس فقط المفاوضات ولا الدور الوسيط، بل السردية الكاملة التي قامت عليها موجة "التطبيع" الأخيرة. لقد بشّرت الأنظمة الموقعة على "اتفاقيات أبراهام" بأن "الانخراط مع إسرائيل" سيجلب الاستقرار والحماية. لكن الاستهداف في الدوحة وتونس يقول العكس تمامًا: لا حماية لأي دولة عربية، مطبّعة كانت أم غير مطبّعة، خارج منطق الردع الفعلي الذي تمثله المقاومة.


منطق المقاومة في مواجهة منطق الإبادة


اللافت أن الدولتين المستهدفتين ليستا جزءًا من "محور المقاومة". قطر حاولت دائمًا لعب دور الوسيط، وتونس لم تُعرف تاريخيًا بمواقف تصعيدية ضدّ "إسرائيل". ومع ذلك، جرى استهدافهما دون تردّد. هذه الحقيقة تحمل دلالتين واضحتين:


لا حصانة خارج المقاومة: فـ"إسرائيل" لا تميّز بين عدو مباشر ووسيط أو طرف محايد. الجميع معرض للعدوان متى ما اقتضت مصلحتها الأمنية أو السياسية. وهذا يطيح بالفرضية القائلة إن التطبيع يوفّر الحماية.
المشروع الصهيوني ضدّ المنطقة بأسرها: فالمسألة لم تعد محصورة في غزّة أو لبنان أو سورية أو اليمن أو العراق. "إسرائيل" تفتح الآن جبهة رمزية مع دول في المغرب العربي والخليج، ما يعني أن طبيعة الصراع شاملة، وأن وهم "التعايش" ليس سوى فخّ سياسي.
بهذا المعنى، يعيد العدوان الأخير صياغة المعادلة: المقاومة ليست خيارًا أيديولوجيًا أو تفصيلًا فصائليًا، بل هي منطق البقاء الوحيد أمام كيان لا يعترف بالحدود ولا بالسيادة ولا بالعهود.


ردود دولية.. لكن بلا مفاعيل


إدانة الأمم المتحدة، وبيانات الشجب من عواصم عربية وإسلامية وغربية، تكشف مرة أخرى الفجوة الهائلة بين الخطاب والممارسة. فالعالم الذي يرى في أوكرانيا قضية سيادة وشرعية، يكتفي تجاه قطر وتونس ببيانات دبلوماسية باهتة، وكأن الاعتداء على أراضيهما ليس جريمة دولية مكتملة الأركان.


الأدهى أن واشنطن، بدلًا من أن تحاسب حليفتها، تبدو عاجزة أو غير راغبة في ردعها. ما يجري هو عكس الصورة التقليدية: "إسرائيل" لم تعد مجرد "تابع" للولايات المتحدة، بل باتت قادرة على إحراجها وإفشال مبادراتها، كما حصل مع خطة ترامب الأخيرة. هذا التبدل يعكس حجم النفوذ الذي راكمته تل أبيب داخل النظام الأميركي ذاته. ولا أستبعد أن تكون الولايات المتحدة الأميركية متورطة في ما جرى اليوم، وإن لا أحد يمكنه التصديق بعد اليوم أن واشنطن تقوم فعليًّا بدور الوسيط. 


الدوحة وتونس.. رسائل إلى الجميع


إذا كان العدوان على لبنان وسورية والعراق واليمن قد فُسّر في إطار صراع مفتوح مع "محور المقاومة"، فإن استهداف الدوحة وتونس يتجاوز تلك القراءة. إنه رسالة إلى بقية الأنظمة العربية: "لن تنجوا بالتطبيع، ولن تحصنكم الوساطات". أي أن منطق الردع لا يُبنى على التفاهمات مع "إسرائيل"، بل على القدرة الفعلية على مواجهتها.


في هذا السياق، تبدو كلّ مقولة عن "السلام الاقتصادي" أو "التعايش التاريخي" مجرد غطاء زائف. "إسرائيل"، بما فعلته في الدوحة وتونس، عرّت هذا الغطاء وأثبتت أن منطقها الوحيد هو منطق السيطرة بالقوّة العارية.


وبذلك فإن العدوان الذي استهدف وفد "حماس" في الدوحة يمثّل نقطة انعطاف خطيرة، لأنه كشف أن "إسرائيل" هي التي تعرقل التوصل إلى أي اتفاق، بل تتعمد التصعيد في كلّ مرة. هذا السلوك، الذي طال قطر وهي الدولة التي كرست دورها للوساطة والسلام، يؤكد أن المقترح الأميركي لم يكن جديًا أصلًا، وأن واشنطن لم تعد قادرة على إقناع أحد بأنها وسيط نزيه. من هنا، فإن المطلوب عربيًا وإسلاميًا لم يعد يقتصر على بيانات الإدانة، بل بات يستوجب قطع العلاقات مع "إسرائيل"، وفرض العقوبات عليها، وإعادة تعريف الأمن القومي العربي باعتباره مهدَّدًا مباشرة من المشروع الصهيوني.


 نهاية مرحلة


ما بعد قصف الدوحة واستهداف أسطول "الصمود" ليس كما قبله. نحن أمام لحظة تكشف جوهر المشروع الصهيوني: كيان استعماري لا يتوقف عند حدود، ولا يردعه إلا ميزان قوى حقيقي. وفي هذه اللحظة بالذات، يصبح منطق المقاومة -بما يحمله من ردع واستنزاف وتكلفة على العدوّ- أكثر وضوحًا كخيار وجودي، لا كخيار سياسي فقط.


لقد سقطت الأقنعة: أقنعة "السلام" وأوهام "التطبيع" ووعود الحماية الأميركية. ما بقي على الطاولة هو المعادلة التالية: إما مقاومة وإما خضوع. وفي عالم يقف عاجزًا أمام ضرب سفينة إنسانية وقصف عاصمة خليجية، لا يبقى للشعوب سوى أن تتبنّى الخيار الوحيد الذي أثبت فاعليته عبر العقود: المقاومة كضمانة للبقاء والسيادة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة