لبنان
نظّم المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق ندوة قانونية بعنوان "قرار الحكومة بحصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها - نقاش في الميثاقيّة والشرعيّة"، بمشاركة شخصيات سياسية وقانونية بارزة، ناقشت أبعاد القرار وتداعياته على الواقع السياسي والأمني في لبنان، ولا سيّما في ظل استمرار الاحتلال "الإسرائيلي" لجزء من الأراضي اللبنانية.
افتتح رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، الدكتور عبد الحليم فضل الله، الندوة بكلمة قال فيها: "لا نريد الدخول بجدال وسجال سياسي في هذه الندوة، لكنّنا نناقش مسألة شديدة الأهمية لاتّصالها بشأننا السياسي وبوضعنا الراهن وبمصيرنا البعيد والقريب، ولأنّها تفتح باب النقاش على طبيعة نضالنا السياسي".
وأضاف: "هل يجب أنْ يُحصَر السلاح بيد الدولة؟ الجواب البديهي نعم، لكنّه في لبنان غير بديهي لأسباب عديدة، أوّلها أنّ بديهية الجواب ترتبط ببديهية النظام السياسي"، متسائلًا: "هل نحن في دولة عادية أو في دولة غير عادية؟".
ولفت الانتباه إلى أنّ "نظامنا السياسي قائم على التوافقية، وهي استثناء عن القاعدة في الأنظمة السياسية. والتوافقية بما تنطوي عليه من تمييز قد تكون ضرورية، إلّا أنّها تتعارض مع أبسط قواعد الليبرالية التي نزعمها في نظامنا السياسي".
وتابع قوله: "نظامنا السياسي استثناء داخل الاستثناء، فما زلنا منذ 4 عقود ونَيّف في جمود دستوري، ولم يُطبّق من بنود ميثاق الوفاق الوطني إلّا ما اتصل بإنهاء الحرب الأهلية وضمان التوازن بين الطائفتين المسيحية والإسلامية، ونظامنا السياسي في حال استثناء؛ لأنّه أخفق في وظيفة الاستقرار وفي حُسْن تداول وتسيير السلطة".
وتساءل: "أين سياساتنا؟"، قائلًا: "لا نملك سياسة خارجية؛ لا اتّجاه البعيد ولا اتّجاه القريب. ذهبنا في مفاهيم عدّة من الحياد إلى التضامن العربي إلى الجسر بين الشرق والغرب، وإلى الآن لم نملك سياسة خارجية، وأول من وضع لبنان على طاولة القرار الإقليمي هي المقاومة".
وواصل قوله: "لم نملك سياسة دفاعية. هناك الكثير من الخلط بين العـدو والصديق. أيّ سياسة دفاعية تبدأ من تحديد العدوّ والتمييز بينه وبين الصديق"، فـ"أين إمساكنا بالسياسة الاقتصادية ونحن نرهن البلد إلى سياسة منحازة غربًا، ولم نستفد من فرص عديدة، ولم نبذل أي جهد للاستفادة من مواردنا الطبيعية، واستسلمنا للعقوبات؟"، تساءل فضل الله.
وختم كلمته بالتأكيد على التمسُّك "بشرعية المقاومة ومشروعيتها معًا".
من جهته، تناول نائب رئيس المركز، البروفسور محمد طي، في كلمته تداعيات القرار الحكومي وانعكاساته على الواقع اللبناني في ظل التحديات الأمنية القائمة، مشيرًا إلى أنّ "الحكومة اللبنانية اتّخذت في جلستها يوم الخميس 7 آب قرارات تقضي بحصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها، أيْ سحب سلاح المقاومة، وذلك في وقت يواصل فيه العدو "الإسرائيلي" عمليّات الخرق والقتل والتفجير والهدم في الجنوب ومناطق أخرى من لبنان".
ونبّه إلى أنّ "هذا القرار يجعل لبنان مكشوفًا قانونًا وواقعًا أمام قوّات العدو قانونًا؛ لأنّه يصنّف سلاح المقاومة خارجًا على الشرعية ويسهّل الانقضاض عليه، وواقعًا لأنّه ينزع الوسيلة الوحيدة التي يمكن أنْ يواجه بها لبنان العـدو حين يقرّر مهاجمته".
وبيّن أنّ "القرار يتجاهل تضحيات المقاومة الإسلاميّة منذ عام 1982، والمقاومات السابقة منذ الستينيات، والتي كان نضالها وتقديمها الشهداء السبب الرئيسي في تحرير لبنان من الاحتلال".
وذكّر طي بأنّ "الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، لم تبذل أيّ جهد حقيقي لتقوية الدولة أو الجيش بما يمكّنه من الدفاع عن الوطن والشعب".
وأشار إلى أنّ "ما تعلنه الحكومة عن إقامة دولة قادرة تردع العدو سيصطدم بعقبات كبيرة"، قائلًا: "العدو سيكون لهذه الخطة بالمرصاد، ولن يتبقّى أمام الحكومة سوى الاعتماد على الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي لن تمدّ الجيش اللبناني بالقدرات اللازمة لمواجهة التهديد الصهيوني. كما أنّ السلطة لا تملك الجرأة للتوجّه إلى دول أخرى غير غربية".
كما حذّر من أنّ ""حصر السلاح" بيد الدولة مع سحب سلاح المقاومة سيحوّل لبنان إلى دولة يتحكّم بها العدو، بحيث لا يسمح لها بالتقدّم والازدهار إلّا ضمن حدود لا تمسّ مصالحه"، معتبرًا أنّ "السلطة ستكون بذلك أمام فشل طويل الأمد".
بدوره، أكّد وزير الخارجية السابق، الدكتور عدنان منصور، في كلمته خلال الندوة، أنّ "سحب سـلاح المقـاومة في ظل الاحتـلال "الإسرائيلي" يطاول في الصميم حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم ووطنهم، ويؤدّي إلى ترسيخ الاحتلال على أراضٍ لبنانية".
وفي حين أكّد منصور على أنّ "من حق اللبنانيين أنْ يلوموا الحكومة على تجاهلها للدستور والقانون وحق الدفاع عن النفس ومواجهة الاحتلال"، تساءل: "هل القرار الذي اتّخذته الحكومة يعبر فعلًا عن مصلحة لبنان وشعبه؟".
وأضاف منصور: "نحن أمام مرحلة من أخطر المراحل التي يواجهها لبنان، وهذا القرار إنْ لم يتم التراجع عنه ستترتّب عنه تداعيات خطيرة تضع سيادة لبنان ومستقبله بين فَكَّي واشنطن و"تل أبيب"".
أمّا الأمين العام لاتحاد المحامين السابق، المحامي عمر زين، فقد عدّد مجموعة من المطالب الأساسية، هي: تقديم الشكاوى ومتابعتها لدى مجلس الأمن، الطلب إلى جامعة الدول العربية الاجتماع واتّخاذ قرارات رادعة ضدّ العدو، الطلب من المجلس الدفاع العربي المشترك الاجتماع واتّخاذ قرارات رادعة وعدم الرضوخ للإملاءات التي تؤدّي إلى التطبيع، دعوة النقابات والأحزاب إلى مؤتمر لحشد الطاقات للعمل على إزالة الاحتلال وتسليح الجيش اللبناني من مصادر لا تشترط علينا التنازل عن سيادتنا".
من ناحيته، أكّد الخبير القانوني والأستاذ الجامعي، الدكتور عادل يميّن، أنّ ""حصر السلاح" بما يمنع اللبنانيين من مواجهة الاحتلال يتناقض مع الدستور ووثيقة الوفاق الوطني".
وشدّد على أنّ "قرارات الحكومة اختُتمت بوقف التنفيذ إلى حين إعلان الأطراف الأخرى موافقتها عليها"، موضحًا أنّ "هذا يعني أنّ الورقة التي نُوقِشت لم تُبتّ بعد، كما قال نائب رئيس الحكومة طارق متري".
وجزم يميّن بأنّه "إذا أصرت الحكومة على تنفيذ قرارها في جانب واحد، متجاهِلة أولوية تحرير الأرض والأسرى وإعادة الإعمار، فهذا يعني أنّها تقع في موقف الخطأ".
من جانبها، تحدثت الأستاذة الجامعية، لونا فرحات، عن "ضرورة توسيع النقاش القانوني والميثاقي ليشمل مبادئ أساسية"، مقترحةً "إضافة مبدأَيْ السيادة والاستقلال في طرح الإشكالية، إلى جانب مبدأ ثالث وهو مبدأ عدم التدخّل في الشؤون السيادية للدول".
وتوقّفت عند الانعكاسات العملية لقرار "سحب السلاح" في حال تَعرُّض لبنان لاعتداء جديد من العدو "الإسرائيلي"، فتساءلت: "إذا تم سحب السلاح فعلًا، وحدث أنْ تقدّم العدو لاحتلال قرى جديدة، لنفترض أنّ السكان المحليين حملوا السلاح ودافعوا عن أنفسهم، كيف ستتعامل معهم الحكومة اللبنانية؟ هل سيتم اعتقالهم برغم أنّ القانون الدولي يحميهم؟".
وفيما أكّدت فرحات أنّ "هذه التساؤلات تضع الحكومة أمام مسؤوليات كبيرة في ما يتعلّق بحق الدفاع عن النفس وحماية المواطنين"، أكّدت أنّ "أي قرار في هذا السياق يجب أنْ يراعي السيادة الوطنية وحقوق اللبنانيين التي يكفلها الدستور والقانون الدولي".
وفي كلمته، شدّد المحامي والأستاذ الجامعي، جاد طعمة، على "أهمية النقاش القانوني والحضاري في مواجهة التحدّيات الوطنية". وقال: "نتحدّث لغة حضارية هي لغة القانون أمام عدو غير آبه".
وأضاف: "ميثاق العيش المشترك يقوم على أساس الاحترام المتبادل بين الشركاء في الوطن. ميثاق العيش المشترك يعني أنّ شريكِي في الوطن يجب أنْ يحترم معتقداتي وعقيدتي ولو كانت عقيدة قتالية، كما احترم عقيدته".
وتابع متسائلًا: "في المسيحية من هو المقاتل الأول؟ أليس السيد المسيح الذي رفض الخضوع وسار في درب الجلجلة فقط؛ لأنّه قاوم الظلم؟".
وبينما رأى طعمه أنّ "هذا المبدأ يشكّل ركيزة لفهم العلاقة بين الشركاء في الوطن"، اعتبر أنّ "احترام العقيدة القتالية هو جزء من احترام حقوق المواطنين وحرياتهم في إطار الدولة".