إيران

اهتمت الصحف الإيرانية، اليوم الثلاثاء (23 أيلول/سبتمبر 2025)، بالتأكيد على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من بريطانيا لا يعدو كونه استمرارًا للنفاق التاريخي البريطاني. كما اهتمت بالبحث عن مجالات الدبلوماسية لحلّ مسألة عودة العقوبات على إيران.
النفاق التاريخي
بداية مع صحيفة "وطن أمروز" التي كتبت: "بعد 108 أعوام من إصدار الحكومة البريطانية لوعد بلفور المشؤوم، ادعت لندن الآن أنها اعترفت بدولة فلسطين المستقلة. أعلنت بريطانيا هذا القرار، يوم الأحد 22 أيلول/سبتمبر، في الوقت نفسه الذي أعلنت ذلك أيضًا كندا وأستراليا (حليفان تقليديان لـ"إسرائيل") إلى جانب البرتغال؛ وهو القرار الذي أُعلن عشية الذكرى الثانية لحرب غزّة، وفي الوقت تفسه الذي تدهور فيه الوضع الإنساني في القطاع، فبالإضافة إلى أكثر من 65000 شخص تأكدت وفاتهم في حرب غزّة و166000 شخص أصيبوا بجروح خطيرة في غزّة، وصل العدد الإجمالي لضحايا سوء التغذية والمجاعة في قطاع غزّة إلى 435، ويدعو الرأي العام في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في بريطانيا، إلى اتّخاذ إجراءات عملية لوقف الإبادة الجماعية في غزّة.
بحسب الصحيفة، يبدو أن اعتراف بعض الدول الغربية بدولة فلسطين المستقلة هو محاولة لتهدئة الرأي العام المحلي في بلدانها؛ رأي عام يدعو بقوة حاليًّا لمواجهة الإبادة الجماعية "الإسرائيلية" في حرب غزّة.
من ناحية أخرى، تتابع الصحيفة، قوبل اعتراف المملكة المتحدة بفلسطين بسخرية من بعض العرب، ومن المهم أيضًا ملاحظة أنه على الرغم من أن فكرة إقامة دولة يهودية طُرحت لأول مرة في مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة ثيودور هرتزل في العام 1897، إلا أنه لولا وعد بلفور - رئيس الوزراء البريطاني - لما طُبقت الخطة التي أقرها مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية على الأرجح. جاء اعتراف لندن بدولة فلسطينية مستقلة، في الوقت الذي واصلت فيه الحكومة البريطانية تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" على مدار العامين الماضيين، حتّى مع احتدام حرب غزّة، لدرجة أن الدبلوماسي البريطاني مارك سميث استقال احتجاجًا على فشل بريطانيا في وقف شحنات الأسلحة إلى "إسرائيل".
وأشارت الى أنه: "قبل شهرين أيضًا، قدّم جيريمي كوربين اقتراحًا في مجلس العموم يدعو فيه إلى إجراء تحقيق في تورط بريطانيا في حرب غزّة، بما في ذلك توريد الأسلحة وطائرات المراقبة واستخدام القواعد الجوية البريطانية. وقد رفض حزب العمال الحاكم الاقتراح الذي أيده عشرات النواب وأكثر من 20 منظمة حقوقية، في النهاية، ووفقًا لكوربين، إذا استمرت بريطانيا في توريد قطع غيار حيوية لطائرات إف - 35 إلى "إسرائيل"، التي تقصف المستشفيات والمدارس، فإننا (المملكة المتحدة) متواطئون في انتهاك القانون الإنساني الدولي.
تتابع الصحيفة:" وبالتزامن مع إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في لندن، أكد رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أنه لن يسمح أبدًا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما أعلن وزير المالية "الإسرائيلي" بتسلئيل سموتريتش أن الخطة ستدفن فكرة الدولة الفلسطينية. وعلى الرغم من هذه التهديدات من نتنياهو ووزراء حكومته، لم تُبدِ لندن، كعادتها، أي رد فعل عليها. ربما لو تعاطف البريطانيون مع الشعب الفلسطيني ولاجئي حرب غزّة، لكان ردهم الفوري هو مقاطعة شاملة لـ"إسرائيل"، لكن مع الأسف، فضّلت لندن اللجوء إلى التباهي والدعاية بدلًا من اتّخاذ إجراءات عملية لدعم الشعب الفلسطيني".
ينبغي إعطاء الدبلوماسية فرصة
بدورها، كتبت صحيفة "إيران": "تتزامن الأيام الافتتاحية للاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2025 مع الأيام الأخيرة المتبقية من خطة العمل الشاملة المشتركة. ومما لا شك فيه أن زوال خطة العمل الشاملة المشتركة نهائيًا في غياب اتفاق نووي بديل سيعني الفشل التام للجهود المبذولة لحل القضية النووية الإيرانية دوليًا، وبالتالي عودة قرارات مجلس الأمن الستة الملغاة بشأن العقوبات".
ووفقا للصحيفة، مع ضآلة الأمل المتبقي، فإن الحضور المتزامن لرؤساء دول رفيعي المستوى، بمن فيهم المعنيون بهذه القضية ومنهم رؤساء الدول الأوروبية الثلاث، يُبقي هذا الأمل حيًا، وربما في اللحظات الأخيرة المتبقية، يتم التوصل إلى سبيل للتوصل إلى اتفاق يمنع انهيار إحدى أكثر القضايا الدولية حساسية في العالم المعاصر.
وتابعت الصحيفة إنّ: "خطة العمل الشاملة المشتركة هي ثمرة ما لا يقل عن عقدين من الجهود التي بذلتها إيران ودول مجموعة الخمسة زائد واحد، والتي نجحت، من خلال مفاوضات شاقة ومضنية، في توفير آلية لحل البرنامج النووي الإيراني. على الرغم من أن الاتفاق النووي كان عمليًا على طريق التعثر خلال السنوات العشر الماضية بسبب التطورات السياسية في الولايات المتحدة، وفشله في تحقيق أهدافه، إلا أنه يُمثل حاليًّا الإطار القانوني الوحيد المتاح لمنع نشوء أزمة دولية وإقليمية عميقة، إلا أن الواقع يُشير إلى أن الأمل في التوصل إلى تفاهم في هذه اللحظات الأخيرة لا يمكن أن يرتكز إلا على إدراك الأطراف المتفاوضة أن عودة قرارات عقوبات مجلس الأمن بعد عشر سنوات من إلغائها، وفشل كلّ آمال إحياء الاتفاق النووي، لن يؤدي إلا إلى توترات ومخاطر جديدة على المستويين الإقليمي والعالمي".
وقالت الصحيفة: "لا بد أن الغرب قد أدرك أن العقوبات، على الرغم من آثارها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإيران، لم تدفع إيران إلى التراجع عن مواقفها المبدئية في التمتع بحقوقها الأصيلة في معاهدة حظر الانتشار النووي، بل إن عودة قرارات مجلس الأمن ستؤدي حتمًا إلى اتّخاذ إجراءات مضادة وتعويضية، وهو ما قد يُعقّد الوضع". ورأت الصحيفة أن: "ما لا يُفهم في موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة هو تأكيدها أن عودة قرارات عقوبات مجلس الأمن لن تُثني الحل الدبلوماسي، وأنها ستواصل دعمها لاستمرار المفاوضات. ولكن كيف يُعقل، مع فشل هذه المرحلة الحرجة من المفاوضات الحالية وعودة قرارات عقوبات مجلس الأمن، أن يُتوقع استئناف المفاوضات قريبًا لسحب وإلغاء القرارات التي عادت مؤخرًا؟".
من المتوقع، بحسب الصحيفة، أن يُولي القادة الغربيون مسؤولياتهم المهمّة، ويُقدّرون استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتوصل إلى اتفاق، أو على الأقل تمديد الاتفاق الحالي لمدة وجيزة، لإفساح المجال للدبلوماسية. ويُؤمَل أن تُكلّل الأيام المقبلة، وهي أيام حاسمة لتكثيف الجهود العالمية والإقليمية لخفض التوترات، بالنجاح، وأن يجد الطرفان سبيلًا فعّالًا للتوصل إلى تفاهم ذي رؤية عميقة وبناءة، لتجاوز أزمة غير واردة".
الاستثمار في الاقتصاد الإيراني
أمّا صحيفة "رسالت" فقد كتبت: "على الرغم من جميع التحديات، لا يزال الاقتصاد الإيراني أحد الأسواق الجاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب. تُعد الموارد الطبيعية الوفيرة، والموقع الجيوسياسي المتميّز، وسوق الاستهلاك الكبيرة، والكوادر البشرية الشابة عوامل تجذب انتباه المستثمرين. لكن السؤال الرئيسي هو: ما المجالات الأكثر جاذبية في ظل الظروف الحالية؟ وكيف يُمكننا التغلب على حاجز المخاطر السياسية لتجسيد هذه القدرات؟ يُعد قطاع التعدين والصناعات المعدنية أهم هذه المجالات، بفضل احتياطياته المتنوعة من النحاس وخام الحديد والذهب والعناصر الأرضية النادرة، حيث تتمتع إيران بالقدرة على أن تصبح أحد مراكز المعادن في المنطقة.
وبحسب الصحيفة، يشهد السوق العالمي للمعادن نموًا سريعًا، لا سيما خلال الانتقال إلى الطاقات الجديدة وتطوير الصناعات المتقدمة، ويمكن لإيران الاستحواذ على حصة جيدة من هذه السوق من خلال جذب رأس المال والتكنولوجيا. والصحيفة أشارت إلى أن الاستثمار في الاستكشاف العميق ومعالجة المعادن وتطوير سلسلة القيمة بدلًا من مبيعات المواد الخام يحقق عوائد اقتصادية أعلى ويخلق فرص عمل مستدامة.
وقالت الصحيفة إنّه: "بالإضافة إلى التعدين، تُعد مجالات مثل الطاقة المتجددة والزراعة القائمة على المعرفة وتكنولوجيا المعلومات والسياحة خيارات استثمارية مهمّة أيضًا. بسبب تغير المناخ ومحدودية الموارد المائية، تحتاج إيران إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع الزراعة؛ إذ يمكن للتقنيات الحديثة أن تُحوّل هذا القطاع إلى محرك للنمو والصادرات". وفي قطاع الطاقة، تضيف الصحيفة، تُمهّد المزايا الجغرافية والمناخية لإيران الطريق لتطوير محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ وهو مجال يتماشى والتوجّه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لطالما شكّلت المخاطر السياسية والاقتصادية عقبة كأداء أمام الاستثمار في إيران. ومن بين العوامل الرادعة العقوبات، وعدم استقرار السياسات الاقتصادية، وعدم القدرة على التنبؤ بالقوانين.
برأي الصحيفة، هناك عدّة حلول رئيسية للتغلب على هذه العقبات:
أولًا: إرساء الاستقرار في صنع السياسات الاقتصادية. فالمستثمرون بحاجة إلى القدرة على التنبؤ أكثر من أي شيء آخر، فشفافية القوانين وتجنب القرارات المفاجئة والدعم المستمر للمستثمرين من شأنه أن يُبعث برسالة طمأنة إلى السوق.
ثانيًا: توسيع التعاون الإقليمي والدولي؛ فحتّى في ظل العقوبات، من الممكن فتح آفاق لجذب رؤوس الأموال من خلال استخدام الاتفاقيات الثنائية، ومقايضة السلع، والدخول في سلاسل القيمة الإقليمية.
ثالثًا: إنشاء منصات مالية وتأمينية جديدة. إذ إن تطوير صناديق ضمان الاستثمار والتأمين ضدّ المخاطر السياسية واستخدام أدوات مثل سوق رأس المال، سيُمكّن الجهات الفاعلة الاقتصادية من إدارة المخاطر".