عربي ودولي

كتب دانيال بايمان مقالة نشرت بمجلة فورين بوليسي نبّه فيها من أن الدروس التي تعلمتها "إسرائيل" من أحداث السابع من أكتوبر 2023، كانت من الناحية العملية صحية جزئيًا فقط، وفي بعض الحالات كانت ناقصة لدرجة الخطورة.
وقال الكاتب الذي يُعدّ من أشهر الخبراء الغربيين في المجال الأمني: "إن من النتائج التي خلصت إليها "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر 2023، هي أن الردع يتطلب القضاء على قدرات الخصم بشكل كامل". مشيرًا إلى أن نتنياهو أكد على القضاء على قدرات حماس العسكرية وقدرتها على الحكم، والتأكد من أن لا تشكّل غزّة من جديد تهديدًا لـ"إسرائيل". كذلك أردف، بأنه، ووفق المنطق "الإسرائيلي"، يتوجب جعل كلّ الجهات المعادية عاجزة تمامًا، وذلك كون حماس استطاعت تحقيق نتائج مدمرة (في السابع من أكتوبر) عبر قدرات متواضعة.
كما تابع الكاتب بأن إمكانية التدمير الكامل لكل خصوم "إسرائيل" هي محدودة، وبأن القضاء على خصم لديه قاعدة اجتماعية يتطلب احتلالًا واستنزافًا واستبدالًا سياسيًّا، منبهًا إلى أن ذلك مكلف حتّى في غزّة، ويستحيل في لبنان أو سورية أو اليمن.
كذلك قال الكاتب، إن النهج "الإسرائيلي" يقوض القيمة الإستراتيجية للشراكة مع العرب، وإن الدول العربية وإن كانت ذات تأثير محدود في حماس، يبقى لها دور مركزي في أي استقرار مستدام في غزّة، وفي سياق أهداف "إسرائيل" الإستراتيجية في إيران ولبنان ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. وعليه، نبّه إلى أن التعاطي معها (أي مع الدول العربية) على أساس أنها هامشية يضيِّق خيارات "إسرائيل" الدبلوماسية في الوقت الذي يُعتبر الدعم الخارجي لها مسألة ضرورية.
هذا، ولفت الكاتب إلى أن قرابة ثلثي الإسرائيليين يرون أنه "لا يوجد أبرياء" في غزّة، وإلى أن العمليات "الإسرائيلية" تعكس ذلك. كما أشار إلى أن أكثر من 66000 غزاوي "قتلوا" منذ بدء الحرب، غالبيتهم من المدنيين، وإلى أن الأعمال العدوانية ("الإسرائيلية") في الضفّة الغربية شردت عشرات الآلاف.
وقال الكاتب، إن عدم التمييز بين حركة حماس والمجتمع الفلسطيني عمومًا سيكون له ثمن إستراتيجي طويل الأمد على "إسرائيل"، محذرًا من أن هذه الإستراتيجية تحمل معها أثمانًا باهظة على صعيد السمعة. كذلك أردف، بأن جزءًا كبيرًا من العالم كان يتعاطف مع "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر، إلا أن "إسرائيل" تواجه انتقادات دولية متزايدة بعد مرور عامين. كذلك نبه من أن استطلاعات حديثة تشير إلى تراجع حاد في الدعم الأميركي لـ"إسرائيل"، وخاصة من جيل الشباب، ومن أن تآكل الدعم الأميركي سيؤدي مع مرور الوقت إلى إضعاف غطاء "إسرائيل" الدبلوماسي وشراكتها الأمنية.
كما تابع الكاتب القول، إن هجمات السابع من أكتوبر جيّشت المجتمع "الإسرائيلي"، لكنّه حذّر من أن لذلك حدودًا. وقال إن استدعاء قوات الاحتياط بشكل مستمر يفرض ضغوطًا على الأسر والمصالح التجارية ويثير الاستياء، خاصة مع إعفاء "الحريديم" من الخدمة العسكرية. وأردف بأنه، وكما اكتشفت الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، فإن وحدة الصفوف التي تبنى في أوقات الصدمة تتآكل مع مرور الوقت.
وبينما قال الكاتب إن "مأساة السابع من أكتوبر" تطلبت ردًّا قويًّا، حذّر من أن "إسرائيل" تواجه خطر استخراج الدروس الخطا. كما حذر من المساواة بين الردع والتدمير، ونبذ الوسطاء العرب، وعدم التمييز بين حماس والسلطة الفلسطينية، والاعتماد إلى أجل غير مسمى على الصمود الاجتماعي، ولفت إلى أن "إسرائيل" وجراء القيام بكلّ ذلك تقوّض أمنها على الأمد الطويل.
وتحدث الكاتب عن ضرورة أن تخرج الحكومة "الإسرائيلية" من حالة الأزمة، معتبرًا أن القيادة الأفضل من شأنها أن تعود إلى الردع التقليدي ضدّ إيران وحزب الله. كذلك قال في السياق نفسه، إن على "إسرائيل" أن تدعم السلطة الفلسطينية وألّا تقوّضها.
بيد أن الكاتب رأى، أن مثل هذه الخطوات المنطقية تبدو بعيدة المنال، وأن وقف الحروب على الأرجح يتعارض ومصالح نتنياهو السياسية الشخصية. وحذّر من أن الخطر المستمر لا يتمثل في عدم تصرف "إسرائيل" بشكل حاسم، بل في النهج المبسط، بحيث تعتمد العقاب بدل الإستراتيجية، والتكتيكات بدل السياسة، والانتقام بدل الرؤية.
كذلك شدّد الكاتب على أن الأمن الحقيقي يتطلب التمييز ما بين الأعداء والمجتمع، والشركاء والمخربين، والانتقام الفوري والحلول المتينة، محذرًا من أن السابع من أكتوبر قد يُسجَّل في التاريخ ليس فقط كيوم الخسارة، بل أيضًا بداية لانحدار "إسرائيل" الإستراتيجي.