نقاط على الحروف

لم يكن التجمّع الكشفي الأكبر في العالم، والذي تابعه العالم أجمع في المدينة الرياضية في بيروت سوى رسالة حبّ ووفاء. رسالة من أجيال السيّد إلى أبيهم وحبيبهم وقائدهم وسيّدهم، إلى الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله بشكل خاصّ، وإلى كلّ أهل الأرض.
احتشد أبناء وبنات أفواج كشافة الإمام المهدي (عج) وشكّلوا مشهدًا مهولًا من حيث التنظيم والالتزام، بكلّ طهرهم، بكلّ نقاء فطرتهم، بكلّ مخزونهم الثقافيّ المتجذّر فيهم أبًا عن جدّ، بكلّ تألّقهم الأخلاقيّ والقيميّ، وبكلّ الحبّ الذي تفيض فيه قلوبهم، قالوا للعالم، بأجمل صوت، بأسطع صوت، إن الدّم العزيز ينتصر على سيف العدا، وإنّ العهد في كلّ لحظة يتجدّد: إنّا على العهد يا نصر الله.
من بين الحشد الجميل حضر أبناء الشهداء: بصور آبائهم، وبصور القادة، قالوا بأعينهم اللّامعة إنّهم على درب آبائهم، وإنّ اليتمَ الذي حزّ قلوبهم ما زادهم إلّا التزامًا وحبًّا. وكذلك حضر الكشفيون الشهداء، جنبًا إلى جنب مع رفاقهم، شُوهدوا بأعين القلوب وهم يرفعون الرايات ويلقون السلام على السيّد حسن، الذي أحبّهم وأحبّوه.
دعنا ممّن أثار طهر المشهد حفيظة التلوّث المتجذّر فيهم، فما جرى بالأمس ليس عابرًا مهما عتّمت عليه وسعت إلى تشويهه أيدي الإعلام المتأمرك. فهؤلاء معذورون في الإفصاح عن حنقهم وخيبتهم، إذ أيقنوا أنّ هذا المجتمع لا يفنى ولا ينتهي، أجياله تتسابق إلى رفع راية الحقّ، وراية الحبّ، والحبّ في لغة مشهد الأمس اسمه السيّد حسن.
من القرى والمناطق كما من الضاحية، أشرقت شمس الأمس على حافلات تضجّ بأصوات فتية وفتيات يستعجلون الوصول إلى المدينة الرياضيّة. يستعجلون تأدية التحية إلى روح السيّد، ومخاطبته بأعلى الصوت وأكثره انتظامًا ووضوحًا في ظلّ ضجيج المواقف المحليّة: "يا سيّد منحبّك". رفعوا رايات نصرة الحقّ مهما بلغت الأثمان. عبّروا بكلّ صدق عن ثقافتهم التي تنتصر للمظلوم مهما بلغ منسوب غيّ الظالمين. وقالوا، لكلّ العالم الذي امتهن تشويه صورتهم ومحاولة إلغائهم وتغييبهم وادعاء انتهائهم إنّهم، أجيال السيّد، لم يسقطوا ولن. هم امتداد لأهلهم، لبيوتهم العابقة بالروح الثورية، لترابهم الذي ارتوى من دم أحبتهم. قالوا إن أهل الحقّ لا يفنون وإن اجتمع عليهم كلّ العالم. رفعوا صور شهدائهم، وأنشدوا على مسمع كلّ أهل العالم كلّ ما يعبّر عن هويّتهم وثقافتهم وارتباطهم بخطّ المقاومة.
في محاذاة المشهد المهيب هذا، وقف أهل وأقارب وجيران كلّ كشفيّ مشارك، أيّ كلّ مجتمع المقاومة، بعيون مغرقة بدمع الاعتزاز والولاء، بقلوب تباهي العالم بصبرها وبعزيمتها التي دفعتها إلى الإصرار على مشاركة أبنائها في هذه الفعالية المباركة، رغم انكشاف خلايا إرهابية كانت قد خطّطت لتفجيرات في يوم ذكرى السيّد حسن، ورغم احتمالية وإن مستبعدة بأن يكون ثمّة خلايا أخرى قد تحاول تخريب الفعالية أو استهدافها.
أجيال السيّد قدموا بالأمس مراسم الوفاء للشهداء، وجرعة فرح عزيز إلى القلوب التي منذ عام أثقلها الفقد بالحزن الحيّ الثوريّ. رفعوا رؤوسهم عاليًا، كما يرفع أهل العسكر أرواحهم على البنادق. رسموا الطريق بالخطّ الأوضح والأشرف، وكتبوا في سجلّ الشرف على هذه الأرض أسماءهم بالخطّ الأصدق، والأكثر التصاقًا بروح الإنسان وفطرته، خطّ المقاومة.