اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي بعد وقف إطلاق النار في غزّة: كيف سوّق إعلام الوصاية لتطبيع لبنان مع الاحتلال؟ 

مقالات

زيارة الشرع إلى موسكو.. أهداف وأوهام
مقالات

زيارة الشرع إلى موسكو.. أهداف وأوهام

163

أحيطت زيارة رئيس السلطة الانتقالية في سورية أحمد الشرع إلى موسكو بتكهنات حول أهدافها، ومن بين تلك التكهنات ما روّجه مناصروه عن طلب سيتقدّم به من الرئيس الروسي بوتين لتسليمه الرئيس السابق بشار الأسد. 

ولم يصدر بلسان الشرع ما يفيد أنه بصدد المطالبة بتسليم الأسد الذي تؤويه موسكو منذ تاريخ 8 - 12 - 2024. وجاءت هذه الأخبار من قِبل مؤيدي الرئيس المؤقت لتبرير زيارته إلى روسيا التي يتهمونها بدعم النظام السابق حتّى آخر ليلة قبل سقوطه، ويعتبرونها شريكة في الحرب التي شهدتها البلاد. وربما هناك حاجة لإقناع جمهوره بجدوى "التكويعة" الجزئية باتّجاه روسيا، وسط انتقادات تتهمه بأنه تخلّى عن "الثورة" من أجل نيل رضا الدول الكبرى والإقليمية والحصول على مباركتها للبقاء في سدة الحكم مقابل مكاسب تنالها كلّ دولة نافذة، بينما يجد آخرون له التبريرات لكل التحولات الحاصلة في مسيرته. 

في الواقع، حرص الشرع في تصريحات خلال لقائه الرئيس الروسي على تأكيد التزام دمشق بكافة الاتفاقيات السابقة الموقَّعة بين البلدين، والتي تتضمن احتفاظ روسيا بقاعدتين إحداهما جوية في اللاذقية وأخرى بحرية في طرطوس، فضلًا عن اتفاقيات اقتصادية. وأشار إلى "الروابط التاريخية" و"المصالح المشتركة" بين البلدين، وأوضح أن "جزءًا من الغذاء السوري معتمد على الإنتاج الروسي وأن كثيرًا من محطات الطاقة معتمدة على الخبرات الروسية".

يدرك الشرع أن بقاء القاعدتين الروسيتين في سورية ثمن قليل مقابل الاعتراف الروسي بسلطته، وهي سلطة تفتقر إلى شرعية شعبية مباشرة وتستند إلى حكم الأمر الواقع في غياب انتخابات عامة حرة ودستور تُعدّه جهة منبثقة من برلمان منتخب مباشرة من الشعب. وتمت الانتخابات التشريعية الأخيرة بطريقة معلَّبة إلى حد بعيد. ويحتاج الشرع، بعد أن حصل على مباركة الإدارة الأميركية والعديد من الدول الغربية والعربية، إلى ضمان دعم روسيا لسلطته، إن على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي، أو حتّى على صعيد بناء وتسليح الجيش السوري الذي يعتمد على التجهيز الروسي، بينما لا تبدي واشنطن حماسة للعب هذا الدور. كما إنه يحتاج إلى الموافقة الروسية لإزالة اسمه وأسماء قادته العسكريين وأغلب وزرائه الموضوعين على قوائم العقوبات الأممية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1267 الصادر في 1999 والقرارات اللاحقة له.  

معلوم أن روسيا دولة كبرى تلعب أدوارًا على مسارح عدة دوليًا، ولها تاريخ طويل من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع سورية. بينما سورية دولة متوسطة الحجم في المنطقة، ولها موقع جغرافي هام وقد منحها الرئيس السابق حافظ الأسد مكانة جيوسياسية بارزة في الإقليم، بالرغم من التغيرات التي عصفت بالمنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. لكن دورها الآن شبه مضمحل بفعل الإنهاك الذي أصابها نتيجة الحروب عليها وفيها ونتيجة الحصار الاقتصادي الأميركي والغربي والعربي. 

وتقف روسيا اليوم ندًّا في وجه الولايات المتحدة وأوروبا، وتخوض حربًا ضارية مع تكتل من الدول على أرض أوكرانيا، ولم تقبل بشروط الرئيس الأوكراني فلادومير زيلينسكي للتفاوض برعاية من الرئيس الأميركي، فهل يُعقل أن تقبل بشروط قد يطلبها الشرع لزيارة موسكو؟ بل هل يشكّل تسليم الأسد مطلبًا فعليًا للشرع، أم أنه يطلب شيئًا آخر، وتحديدًا الحصول على الدعم الروسي للسلطة المؤقتة القائمة؟ 

لا يملك الحكم الجديد في دمشق المكانة الكافية لمخاطبة روسيا من موقع تفاوض قوي، وهو يحتاجها أكثر مما تحتاجه، لا سيما في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه سورية اليوم على مختلف المستويات حيث تلتمس الحكومة المؤقتة التمويل الخارجي لدفع رواتب القطاع العام في البلد. وتحتاج سورية بشدة للنفط والقمح، وقد زودت روسيا سورية هذا العام بكميات من النفط، فيما تعاني سورية من جفاف يؤثر على قدرتها على توفير حاجاتها من القمح. وما يحاول الشرع أن يقوم به هو تقوية حكومته عن طريق استسقاء الدعم الخارجي من جهات مختلفة ومهادنة الأطراف الداخلية التي تحظى بحماية دولية أو "إسرائيلية"، وزيارتُه إلى موسكو لا تبتعد عن هذه المعطيات.

لذلك، فإن القول بأن أحد أهداف زيارة الشرع المطالبة بتسليم بشار الأسد يندرج في إطار الخطاب الموجَّه للداخل السوري من قبل الفريق المؤيد للشرع، ولا يملك هكذا طلب أي مستند في تاريخ علاقات روسيا الخارجية، وقد تؤدي الاستجابة لطلب من هذا القبيل إلى ضرب ثقة حلفاء روسيا بها. 

نقطة أخرى هامة في هذا الموضوع، وهي أن ما يساعد الشرع على "التوجّه شرقًا" نحو موسكو ولو جزئيًا، بعدما فتحت له أميركا أذرعها على نطاق واسع، هو عدم وجود ممانعة من الولايات المتحدة ولا الدول الإقليمية التي تسانده اليوم حيال إقامة روابط مع روسيا، لأن هذه القوى تريد إلقاء بعض حِمل التركة السورية الثقيلة على عاتق روسيا. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى هذه القوى ممانعة فقط حيال علاقات سورية مع المقاومة ووقوفها إلى جانبها ضدّ الاحتلال الصهيوني. وقد أثبت الحكم الجديد في سورية خلال الشهور الماضية قدرة على نسج علاقات مع كلّ الأطراف، وحتّى إنه عقد لقاءات عدة مع الجانب "الإسرائيلي"، إلا أنه يتعاطى بشكل مختلف مع قوى المقاومة بفعل تموضعه الإقليمي الذي يُعاكس شعارات سابقة تجاه الغرب ودول خليجية ويشير إلى استعداد للعب دور ما عندما تتوفر لديه القدرة ويحين الوقت.
 

الكلمات المفتاحية
مشاركة