مقالات

رغم ثبوت مصداقية المقاومة بأن العدوّ وراعيه وتوابعه لن يحرروا الأسرى عبر العدوان والإبادة وأن الطريق الوحيد هو عقد صفقة، إلا أن أميركا والعدو الصهيوني وبتعاون عربي ودولي يريدون تصدير صورة نصر زائفة ويريدون البناء عليها بتدشين مسار لتصفية المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية بمجملها.
ولا شك أن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة ودقيقة، حيث المطروح عليها معركة صفرية لا تقبل التسوية، وعنوان هذه المعركة هو "إسرائيل الكبرى"، ولا سبيل لمواجهتها بالسياسة والترضيات، وإنما السبيل الوحيد هو المقاومة والتمسك بالثوابت والسلاح والمواقف المبدئية.
ومن هنا يمكن قراءة قمة شرم الشيخ من منظور لحظة مفصلية ولا سيما أنها تزامنت مع خطاب أميركي في "الكنيست الإسرائيلي" يعدّ كاشفاً للحقائق وصريحاً لدرجة الوقاحة وتدشيناً لحقبة جديدة مطروح على العرب التوقيع بالموافقة عليها دون فصال ومناقشة.
وكمدخل لهذه القراءة ينبغي تلخيص جوهر الوضع قبل الموافقة على خطة ترامب المخادعة ودخولها حيز التنفيذ في مرحلتها الأولى المتعلّقة بتبادل الأسرى، وهذا الوضع قبل إعلان الموافقة على الخطة كان باختصار تالياً:
تعثر "إسرائيل" في تنفيذ أهدافها المعلنة بتحرير الأسرى والقضاء على المقاومة مع تفاقم تداعيات حرب الإبادة سياسيًّا على المستوى الداخلي بتفاقم غضب أهالي الأسرى ومزايدات الخصوم السياسيين على نتنياهو، وخارجيّاً بتنامي غضب الرأي العام العالمي على الكيان وأميركا والبدء في الدخول إلى عزلة دولية حيث لا يتحمل دعاة الديمقراطية التي يقوم عليها جوهر النظام العالمي مزيداً من الانتهاكات والخرق والذي بات يهدّد النظام العالمي ويقوده تدريجياً نحو الفوضى وشريعة الغاب.
وبالتالي فإن هامش الوقت المتاح لأميركا والكيان لتحقيق الأهداف المعلنة عبر الإبادة والجرائم أوشك على النفاد، وهو ما استدعى التفافًا ومحاولة لانتزاع هدف تحرير الأسرى على الأقل بالسياسة وعبر لافتة تدعي "السلام" والإنسانية.
وعربيًا كان هناك حرج كبير للأنظمة التي تتوسط بلا فائدة ووصول القصف لحلفاء أميركا وأحد الوسطاء وهو قطر، إضافة إلى التهديدات الموجهة لمصر والأردن وكامل الدول العربية بمشروع "إسرائيل الكبرى" وهو ما يضع علامة استفهام كبرى على الشراكة مع أميركا والتطبيع مع الكيان واستمرارية هذا الخيار الذي يعلن العرب أنه "إستراتيجي"؟
وعلى مستوى الأهداف الحقيقية للحرب، فهناك أهداف تتعلق باحتلال غزّة وسيطرة أميركا عليها وتصفية المقاومات وهو ما تم صياغته بشكل غير مباشر وإدراجه كمرحلة ثانية بعد انتزاع الهدف الأولي المتعلّق بتحرير الأسرى.
من هنا يمكن الدخول إلى قمة شرم الشيخ لذكر الأمور التالية:
1 - القمة هو قمة أميركية بالأساس عبر شواهد مادية تتمثل في شعار أميركا أو "ختم الولايات المتحدة العظيم" الذي كان على واجهة المنصة الرئيسية، وعبر حضور ترامب إلى مصر رغم تجاهله لزيارتها والاجتماع برئيسها في جولته الخليجية.
2 - توقيع ما أسماه المؤتمر "وثيقة اتفاق غزّة" عبر رباعية مصر وقطر وتركيا وأميركا هو الزام للوسطاء التقليديين بمحدّدات خطة ترامب والتي تذهب إلى نزع سلاح المقاومة وتشكيل مجلس احتلال لغزّة تحت مسمى "مجلس السلام العالمي" برئاسة ترامب وعضوية توني بلير صاحب "خطة ريفييرا غزّة" وغيره من الدول المنوط بها تمويل اعمار غزّة الجديدة لصالح استثمارات أميركا، وهو ما أشار إليه ترامب في خطابه في "الكنيست".
وبالتالي فإن هذا الإلزام يعد عزلًا للمقاومة إذا ما تمسكت بسلاحها وثوابتها وبالتالي تحميلها مسؤولية تجدد الحرب!
3 - شكلت القمة مخرجًا للأنظمة العربية والإسلامية والأوروبية وحفظًا لماء وجوهها باعتبار أنها قمة "سلام" رغم الجوهر الحقيقي وهو الاستسلام.
4 - شكلت مقاطعة القمة من جانب جبهات المقاومة وعلى رأسها إيران دليلًا على فطنة المقاومة لحقيقة القمة ومخرجاتها.
من هنا فإن هذه القمة شكلت مرحلة مفصلية عنوانها توقيع صك الاستسلام رسميًّا لمشروع "إسرائيل الكبرى"، وهو ما تحدث عنه ترامب في "الكنيست" بالإشارة إلى "فجر جديد للشرق الأوسط"، وشكل تبييضًا لصفحة المجرم الأميركي الذي اعترف في ـ"الكنيست" بتمويله ودعمه للكيان بأحدث الأسلحة التي استخدمت في حرب الإبادة، وشكلت تبييضًا لوجه العدوّ باعتبارأن نزع سلاح المقاومة هو "السلام" الذي يحتفي العالم به.
بقي أن نقول إن موقف جبهات المقاومة كان مسؤولًا حيث رحبت إيران وحركات المقاومة من حيث المبدأ بكلّ مبادرة توقف الحرب وكان الترحيب من النوع الحذر واللافت لغدر أميركا والكيان، وأبدى الجهوزية الدائمة لدعم المقاومة الفلسطينية واستئناف إسنادها عند تجدد الحرب.