مقالات
Former Lebanese government coordinator to UNIFIL .Former Director General of Administration . Former President of the Permanent Military Court
عميد متقاعد في الجيش اللبناني/ منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية
ورئيس المحكمة العسكرية السابق
منذ أسابيع، يعيش لبنان تحت وطأة تهويل متواصل بحرب "إسرائيلية" واسعة قد تنفجر في أي لحظة. هذا المناخ المتوتر انعكس مباشرة على أداء الحكومة اللبنانية التي سارعت إلى إدخال تعديلات في فريقها المفاوض ضمن لجنة "الميكانيزم" عبر إضافة شخصية مدنية. خطوة أثارت تساؤلات داخلية وانتقادات سياسية واسعة، خصوصاً بعدما سارعت "إسرائيل" إلى الإعلان عن أن هذه المفاوضات تتناول جوانب “اقتصادية” وتنظيمية فحسب، ولا تشمل وقف الاعتداءات أو الانسحاب من المناطق اللبنانية المحتلة.
هذا التناقض بين أهداف الطرفين جعل من الجلسات التفاوضية مساحة ضبابية لا يُعرف ما إذا كانت تمهّد لهدوء أم تُستخدم لتمرير وقائع على الأرض.
هل يمكن أن تحقق هذه المفاوضات تقدُّماً؟
المعطيات الحالية تُظهر أن فرص التقدم الفعلي ضعيفة لأسباب عدة:
١- اختلال الأولويات بين لبنان و"إسرائيل".
فبينما يصر لبنان على أن أي نقاش يجب أن يبدأ بوقف الاعتداءات والانسحاب من الأراضي المحتلة، تحاول "إسرائيل" حصر النقاش في مسائل تقنية أو اقتصادية لإبعاد الجانب السياسي والأمني عن الطاولة.
٢- الضغط العسكري ومعادلة الوقت.
التفاوض تحت التهديد بالحرب يفقد جدّيته؛ إذ يُستخدم أداةً للضغط وليس مسارًا للحلّ.
٣- الطابع التقني للمسار.
طالما أن الإطار المعلن يبقى "تقنياً"، فمن الصعب توقع أي اختراق جوهري.
خطاب الأمين العام لحزب الله: اعتراض على “السقطة” الحكومية
في خطابه الأخير، اعتبر الأمين العام لحزب الله أن الحكومة ارتكبت "سقطة" عندما عيّنت شخصية مدنية في الفريق المفاوض دون وضع وقف الاعتداءات "الإسرائيلية" شرطاً مسبقاً.
هذا الموقف يعكس خشية الحزب من أن تُفهم الخطوة على أنها قبول بالتفاوض تحت النار، أو قبول بإطار تفاوضي تحدده "إسرائيل" لا لبنان.
كما جاء تأكيد الأمين العام لحزب الله على التمسك بالسلاح كقرار لا يمكن التراجع عنه وأن الاتفاق محصور فقط في منطقة جنوب الليطاني. هذه المواقف تجعل "إسرائيل" والمجتمع الدولي يرون أن موضوع سلاح المقاومة معقد جداً، ولا يمكن، بل يستحيل تحقيق حلم "إسرائيل" وبعض الداخل اللبناني بنزعه.
توم برّاك يدخل على الخط: بين الواقعية والرسائل السياسية
شكّل تصريح المبعوث الأميركي توم برّاك نقطة تحوّل لافتة في مسار النقاش اللبناني – الإقليمي، بعدما قال بشكل واضح:
“لا يمكن نزع سلاح شريحة واسعة من الشعب اللبناني بالقوة.”
ودعا السفير الأميركي ميشال عيسى في لبنان إلى السعي لفتح خرق تفاوضي مع حزب الله بدل اعتماد مقاربات الصدام أو فرض الشروط على الدولة.
ماذا تعني هذه الرسائل؟
١- اعتراف بأمر واقع لبناني لا يمكن تجاوزه.
قول برّاك، إن "شريحة واسعة" من اللبنانيين تحمل السلاح، أو تتكئ على من يحمله،
يعني أن السعي لفرض نزع السلاح بالقوة قد يدفع الأوضاع نحو مواجهة داخلية أو حتى حرب أهلية، وهو مسار لا ترغب به أطراف دولية وإقليمية خشية انفلات المشهد وتداعياته الواسعة.
٢- دعوة صريحة لفتح قناة تفاوضية مع حزب الله.
حين يدعو برّاك السفير الأميركي إلى “السعي لخرق تفاوضي مع حزب الله”، فهو يرسل إشارة مزدوجة:
للولايات المتحدة: بأن سياسة الضغط وحدها لن تنجح.
للبنان: بأن المجتمع الدولي بات مقتنعاً بأن الحزب طرف أساس في أي ترتيبات أمنية وسياسية، ولا يمكن تجاوزه.
٣- إعادة تعريف مسار الحل: من “النزع بالقوة” إلى “التسوية”.
كلام برّاك يوحي بأن واشنطن بدأت تعي أن:
الحل في لبنان لن يكون عسكرياً.
ولا يمكن بناء استقرار مستدام دون تفاهم شامل يشمل الدور الأمني للحزب وحدود هذا الدور.
٤- ربط السلاح بمسار سياسي – اقتصادي أكبر
تصريحه يفتح الباب أمام فرضية، أن أي نقاش حول السلاح قد يرتبط بصفقة أوسع:
ــ وقف الاعتداءات.
ــ انسحاب من الأراضي المحتلة.
ــ ترتيبات أمنية جديدة.
ومعها دعم اقتصادي دولي للبنان.
كيف يتقاطع كلام برّاك مع المفاوضات الجارية؟
مع دخول "المدني" في وفد المفاوضات، ومع محاولة "إسرائيل" جرّ النقاش إلى ملف “اقتصادي”، يأتي كلام برّاك ليقول بصراحة:
لا يمكن تجاوز حقيقة؛ اسمها حزب الله، ولا يمكن بناء أي تسوية دون التعامل معه مباشرة.
وهذا يحمل دلالات مهمة:
كلام برّاك سيجعل الحكومة لا تنخرط في مسار مفاوضات يُستغل لتجاوز حقوق لبنان أو فرض أجندة "إسرائيلية".
وقد يُستخدم من قبل أطراف أخرى للترويج لفكرة "التفاوض الشامل"، بما في ذلك مستقبل سلاح حزب الله، مقابل ضمانات دولية.
كما يعمّق الفجوة بين من يرى في السلاح قدرة ردع وحماية، وبين من يعتبره عقبة أمام بناء دولة مكتملة.
خلاصة
الملف اللبناني اليوم يقف على تقاطع ثلاثة مسارات:
١- مفاوضات مضغوطة بتهديد الحرب .
٢- حكومة مرتبكة بين الضغوط الخارجية والحسابات الداخلية .
٣- وخطاب أميركي جديد يلمّح إلى أن الحل لن يكون إلا عبر تفاوض مع حزب الله لا ضده.
النتيجة؟
لبنان يدخل مرحلة معقدة، حيث تتشابك الرسائل الدولية مع الحسابات الداخلية ومع حركة الميدان.
لكن ما يبدو ثابتاً حتى الآن هو أن لا تقدُّم تفاوضياً حقيقياً دون وقف العدوان، ولا استقرار دون معالجة دور حزب الله ضمن إستراتيجية أمن وطني يكون فيها إستراتيجية دفاعية، ولا نزع للسلاح بالقوة.. ولربما أصبح ذلك قناعة لدى الإدارة الأميركية..