نقاط على الحروف

منذ فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، وشهية إعلام الوصاية مفتوحة على تمجيد السياسة الأميركية، ودورها في "الشرق الأوسط"، بل أكثر من ذلك، روّج بشكل مطّرد لما سمّي بـ"السلام في الشرق الأوسط" وكأن ترامب حل قضية الصراع العربي - "الإسرائيلي" باتفاق غزّة!. هكذا عمّم خطاب واحد على منصات إعلام الوصاية، قائم على بيع الأوهام، لا بل أكثر انتقل هذا الخطاب إلى لبنان مع هبوب "رياح السلام" في المنطقة، والدعوة هنا صريحة إلى بلاد الأرز للالتحاق بهذا القطار والتطبيع مع العدوّ "الإسرائيلي"!. يضاف اليه، إعلان لما وصف بـ"سقوط خط المقاومة والممانعة"، والوقت اليوم لما تقره السياسية الأميركية ومن خلفها "الإسرائيلية" على المنطقةّ!.
خطاب التيئيس تمهيدًا للتطبيع
"عصر الممانعة انتهى"، بهذه العبارة نعت قناة mtv محور المقاومة، عشية توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة. فضمن مقدمة نشرة أخبارها المسائية يوم الاثنين الماضي، كالت المحطة المديح للرئيس الأميركي الذي "تصرّف كقيصر العالم الجديد"، حسب قولها. ووصفت وقف إطلاق النار في غزّة وتبادل الأسرى وزيارة ترامب إلى الأراضي المحتلة بـ"اليوم التاريخي"، وأيضًا استخدمت عبارة "السلام" لجمع هذه المشهدية. الملاحظ هنا، جزم القناة بأن "الشرق الأوسط برمته مقبل على مرحلة جديدة"، وأن "زمن الممانعة انتهى والمعارك الوهمية للممانعين أضحت من الماضي". وزادت على هذه العبارات ما وصفته بـ"سقوط شعارات المقاومة لأكثر من أربعة عقود"، بفعل "طوفان الأقصى" و"حرب الإسناد". كلّ ذلك تمهيدًا لتسويق فكرة التطبيع مع الاحتلال وزرع لغة التيئيس في نفوس اللبنانيين.
هلّموا إلى التطبيع
كان لافتًا، بعيد إبرام وقف إطلاق النار في غزّة، تسيّد خطاب الاستسلام والدعوة الصريحة إلى التطبيع مع الاحتلال سيما في لبنان. منصات محلية عملت على نشر هذا الخطاب تحت عبارة "السلام". يمكننا هنا، التوقف عند ما تضمنته حلقة "بودكاست النهار" التي ظهر فيها نائب رئيس تحرير "النهار" نبيل بو منصف، تحت عنوان: "لبنان إلى عصر السلام؟ على لبنان أن يتهيأ لمرحلة المفاوضات". الحلقة بثت بعد وقف إطلاق النار في غزّة، إذ وصف بو منصف هذا الاتفاق بـ"التاريخي"، وادعى أنه "يوحي بأن المنطقة ذاهبة صوب مرحلة جديدة". وبعد وصفه حرب الإبادة في غزّة بأنها "أشرس حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي"، وحديثه عن "محو غزّة"، سأل: "هل نحن فعلًا نحن ذاهبون لسلام في الشرق الأوسط؟". وتوجه بعدها إلى الداخل اللبناني لينتقد حزب الله و"مغامراته"، و"مناوراته"، قائلًا إن العالم اليوم يضع لبنان "تحت الاختبار"، وعليه "إتمام حصرية السلاح". لينهي هذه الحلقة بالإشادة برئيس الجمهورية جوزاف عون وطرحه قضية التفاوض غير المباشر مع الاحتلال، مخاطبًا من يشاهده بالقول: "علينا أن نكون مستعدين لمفاوضات مع اسرائيل"، مضيفًا: "ما فينا نخلي حماس تسبقنا"!. تزامنت هذه الحلقة، مع مقال منشور في صحيفة "نداء الوطن"، تحت عنوان: "لبنان الرسمي يلاقي رياح السلام"، تقاطع مضمونه مع باقي المنصات المحلية التي راحت تسوّق للتطبيع ولدخول "المنطقة زمنًا جديدًا" و"لمكان لبنان" ضمن هذه "الولادة" التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. المقال يصف ما حصل بـ"الزلزال" الذي "لا تقف تردداته عند "مكان حصوله بل ستكون له ترددات في لبنان". المقال اتكأ على ما أسماه بـ"المصادر السياسية البارزة"، ليدعي أن "دولًا عربية تدفع باتّجاه عدم وجود محور الممانعة في الزمن الجديد"، في ظل "إصرار أميركي فريد من نوعه لن تكون معه عودة إلى الوراء".
على ضفة موقع "لبنان 24" أيضًا حضرت عبارة "السلام" عبر مقالة منشورة على الموقع بعنوان: "لبنان المستفيد الأول والأكبر من عملية السلام"، تضمّن خطابًا تيئيسيًا أيضًا عبر الإشارة إلى ما خلّفته قضية "ربط الساحات بغزّة"، مقابل المديح لما قاله الرئيس الأميركي حول "السلام" وتعميمه في منطقة "الشرق الأوسط"، والادّعاء أن لبنان معنيّ أكثر من غيره من دول المنطقة بكلام ترامب، وأنه "المستفيد من عملية السلام تمامًا كما كان الخاسر الأول والأكبر من عدم الاستقرار والحروب البديلة".
التمجيد بالدور الأميركي في منطقة "الشرق الأوسط"
في سياق التسويق للتطبيع، كان لافتًا التمجيد بالدور الأميركي في المنطقة، وإسقاط كلّ ما من شأنه أن يمسّ هذه السياسة الداعمة للاحتلال. التمجيد طال تحديدًا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوصفه "صانعًا للسلام"، واستطاع وقف إطلاق النار في غزّة. يمكن التوقف هنا، عند تقرير لقناة mtv، مجّدت فيه بتاريخ الرؤساء الأميركيين وبدورهم في منطقة "الشرق الأوسط". التقرير المعنون: "من نيكسون إلى ترامب.. كيف صاغ الرؤساء الأميركيون من "إسرائيل" تاريخ الشرق الأوسط". يتحدث عن زيارة الرؤساء الأميركيين إلى الأراضي المحتلة، وعن اعتلائهم منبر "الكنيست" "الإسرائيلي" وإعلانهم من هناك معاهدات واتفاقات تخص بلدانًا عربية شرعت بالتطبيع مع الاحتلال كمصر والأردن. تتباهى القناة هنا بهذا الدور وتعتبره "تحولًا في الصراع العربي الإسرائيلي" عبر تحويل "حروب عربية "إسرائيلية" متكرّرة إلى تسوية سلمية ونهاية لحقبة عدم التطبيع مع اسرائيل". وصولًا إلى ترامب الذي وصفته المحطة بأنه "شرع أبواب السلام في الشرق الأوسط من الباب العريض"، من خلال استخدام منبر "الكنيست" الذي شكل برأي القناة دليلًا على "ولادة الشرق الأوسط الجديد"، والانتقال من "الحرب إلى السلام"! وفق تعبيرها.