اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

نقاط على الحروف

نقاط على الحروف

"بالحلال أو بالحرام".. إعلام "إسرائيل الكبرى"

65

صحافية لبنانية

أن يقف رئيس الحكومة نواف سلام ليقول إن سلاح المقاومة لم يحمِ اللبنانيين ولم يردع الاعتداءات، وإن الدليل هو عشرات القرى الممسوحة، هذا تحوير للحقائق الواضحة والمعلومة. وأن يطل كبير الأبواق من إعلاميي الدعوة لسلام مطروح من طرف واحد، بصرخته: "لا نريد إيران لا بالحلال ولا بالحرام"، هذا اختصار لمعركتهم.  وإيران هنا لا تطرح كدولة ونفوذ، بل كعنوان لتموضع "مُقاوم" في صراع مفتوح على ساحات المنطقة، في مقابله يتمركز مشروع "إسرائيل الكبرى"... والسلام في الصراع هذا لا شيء غير الاستسلام والخضوع كما سبق وعبَّر المبعوث الأميركي توم برّاك.

يعيش لبنان "حرب استنزاف من طرف واحد تتصاعد يومًا بعد يوم”، يقول ذلك رئيس الحكومة، دون أن يقر أن سبب الاستنزاف الأساسي سياسة حكومته وخطابها وتعاطيها سابقًا بالإذعان الكامل للورقة الأميركية. في كلّ إطلالة لسلام يحضر السلاح كعنوان أولي في مواقفه. بهذا تقدم الحكومة نفسها حكومة نزع للسلاح، كما يريدها الخارج، لا حكومة فرض الأمن والاستقرار ووضع حد للاعتداءات والدفع بالاحتلال خارج الأراضي اللبنانية، كما ينشد اللبنانيون. ولو أنها قررت أن تكون حكومة اللبنانيين أولًا، وأخذت على عاتقها هواجسهم وتطلعاتهم، لن يكون مستهجنًا بعدها أن تخاطب أبناء البلد لتسألهم، بعد أن تؤدي ما عليها: هل من دور للسلاح؟ إلا أن رئيس الوزراء، الذي يباهي في أغلب اطلالاته أنه استعاد قرار السلم والحرب، يكرّر ذلك تحت طنين المسيّرات "الإسرائيلية"، وبالتزامن مع الاستهدافات اليومية، تُسقط الشهداء جنوبًا وبقاعًا وفي قلب ضاحية بيروت. هذا وفي حكومة نواف سلام، التي شكّلها على أساس أنها لن تضم وزراء حزبيين، وزير مقاتل على محاور الحرب الأهلية، يُتقن تقريع موظفي وزارته، ويجيد كتابات البيانات فقط للرد على الإيرانيين، ثمّ يقدم نفسه وزيرًا لحزب لا يجد نفسه معنيًّا بالدم المسفوك يوميًا على أراضي بلاد منحته مسؤولية تمثيل صورتها دبلوماسيًا. وألا يكون معنيًا بالقتل، يعني رضى بفعل القاتل… وبعد كلّ هذا يحاججنا رئيس الحكومة بقرى ممسوحة، متى مُسحت يا دولة الرئيس؟ بعد أن انكفأت المقاومة عن الواجهة لتمنحكم الفرصة؟ أم بعد أن مارست كمجتمع كامل أعلى درجات ضبط النفس تجاه عدوان مفتوح وحصار مشدد، واستهدافات سياسية وإعلامية بلا سقف؟.

ثم يأتي من يحدثنا في عز عربدة الحرام، بأنه لا يريدنا "خيارًا مقاومًا" لا بالحلال والحرام. والكلام هذا ليس تعبيرًا عن موقف شخصي، بل هو إعلان على الملأ، أن حلال الجود بدمنا دفاعًا عن النفس والوجود والهوية هو حرام في قاموس إعلام مقدمات نشرات وبرامجه تصوغها سفارات، وتقاريره لا تكاد تتمايز عن تقارير الاعلام المعادي. وسموم السفارات هذه منصبة على اللبناني الذي لم يرَ هذا الإعلام يساند إلا أجندات عدوّه، من حربه المفتوحة اليوم على سلاح المقاومة، مرورًا باصطفاف اعلامييه ومؤسساتهم على ضفة المصارف بعد سطوها على ودائع اللبنانيين، أو في توظيف معاناة وأوجاع اللبنانيين استثمارًا تمريرًا لصفقات فساد، وحمل دمائهم في عز الفجيعة تحريضًا واتهامًا وفبركات، وانفجار مرفأ بيروت شاهد على هذا، تستبق خروج اللبنانيين من الصدمة، بتوزيع الاتهامات، كلّ اتّجاه يخدم "إسرائيل" دون أن يشير إليها.

وفيما يُغرق المواطن اللبناني يوميًا بسموم البث الإعلامي، تُحجب عنه أحداث مفصلية تشهدها المنطقة. فقط لأنها تُربك المسار الذي يُراد إعلاميًا تعبيده. لم نسمع من أصحاب سيمفونية “فقدان جدوى المقاومة” أي حديث عن البديل في زمن العربدة، ولا عن الخطوة التالية بعد أحلامهم بنزع السلاح. هل وضعوا على طاولة حواراتهم خارطة المنطقة كما تُرسَم فعليًا؟ وهل أسقطوا عليها وعود “الازدهار” التي يبشرون بها، ليعرف اللبناني ما ينتظره بعد أن يقف مُجرّدًا من أي قدرة على حماية نفسه؟.

قبل أيام نشر موقع  I24 "الإسرائيلي"  تقريرًا كشف أن التحضيرات لسكة قطار سريع تربط بين الإمارات وحيفا المحتلة باتت متقدمة، وأن المشروع تم بناؤه خلال حرب الإبادة التي كانت تشهدها غزّة وتتنقل في المنطقة. وذكر الموقع أن وفدًا من وزارة المواصلات "الإسرائيلية" أجرى زيارة سرية لدبي بخصوص المشروع الذي سيحوّل الكيان إلى مركز تجاري محوري في المنطقة. وفيما لفت إلى أن هناك رغبة فرنسية وتركية لتحويل السكة بحيث تمر من الأردن إلى سورية وصولًا إلى ميناء في لبنان متجاوزة كيان الاحتلال، عاد وأكد أن موافقة الإمارات والاتفاق مع السعودية من شأنهما إنجاز الأمر بعد انضمام الرياض لاتفاقيات التطبيع. هذا تفصيل واحد مما لا يرد على مسامع اللبنانيين، ولو أنه متعلّق بمستقبل بلادهم، التي لطالما قُدمت في كتب الجغرافيا السياسية أنها صلة الوصل بين الشرق والغرب. سيسلب "الإسرائيليون" من لبنان ليس هذا فقط، بل المياه في زمن الجفاف، والأراضي تلو الأراضي ما استطاعوا لذلك سبيلًا، ليتأكد أن الازدهار الموعود للمنطقة مفصل على مقاس "إسرائيل" وحدها.

خلال عقد، خاض اللبنانيون حربًا ضدّ الإرهاب، وعاشوا استفحال أزماتهم الاقتصادية بانهيار العملة الوطنية وسرقة الودائع وانفجار المرفأ، كلّ هذا في سياق كان يجر اللبنانيين خطوة بخطوة إلى مربع إنهاك وصراعات وانقسامات، في معركة إشغال اللبنانيين بالعناوين الحياتية، وتوظيفها في الوقت نفسه من خلال إعلام التزم هذا الدور. هل كانت الأسباب التي قادتنا إلى زمن التصريح الأميركي بأن لبنان دولة فاشلة تتعلق بالفساد وحده؟ ألم يكن الفساد مرعيًا كما الزعامات؟ ألم يكن حاكم المصرف محميًا أميركيًا وفوق المساءلة؟ ألم يكن الأميركيون يمنعون على لبنان الاستفادة من عروض إيرانية للإمداد بالطاقة، وهذا في زمن يصفه البعض بزمن "احتلال إيراني"! هل 
سُمح للبنانيين بإجراء جردة حساب مع سياسات الأميركيين داخليًا أو أن يربطوا خيوط معاناتهم بخيوط ما دبرته "إسرائيل" لمشهد حرب أرادتها ضربة قاضية أخيرة؟!

هذه دعوة لربط الخيوط بالمشروع الذي يُرسم للمنطقة. وهي مشهد من بين سلسلة تفسر كيف تكون كلفة الاستسلام أكبر بأضعاف من كلفة المواجهة. والاستسلام في زمن "إسرائيل الكبرى" محورًا للمنطقة، هو مسح لاقتصاديات المنطقة فكيف بالاقتصادات المنهكة أصلًا؟ وهو قضم وتوسيع خارطة احتلال. ألم يكرّرها ترامب أكثر من مرة أن مساحة "إسرائيل" تبدو صغيرة وأنه لطالما فكّر في توسيعها؟! و"إسرائيل الكبرى" ليست مجرد هدف عبّر عنه نتنياهو، هي مشروع قائم بفعل العربدة الجوية، والخنوع العربي الكامل، ومن بمقدوره كبح جماحها؟ دموع وزير خارجية؟ أو "برستيج" دولة لا يوفر توم برّاك فرصة لاهانتها؟ أم بالتعويل على ضمانات لم تقدمها واشنطن التي تطالب لبنان بتسلميها صاروخًا لم يُكتب له أن ينفجر في أجسادنا؟ أو بمجتمع دولي هو هيكل مزعوم، لا نرى منه إلا اسمه؟! 

على مسار تحقيق حلم نتنياهو يتجند جيش كبير من إعلاميي لبنان، وبالموازاة يسير خطاب سياسي بقصد أو تحت وطأة التهديد المتصاعد، ليعزز التمادي الإعلامي في مكان ويغض الطرف عن فجوره في مختلف الأمكنة. وأمام كلّ هذا ليس بوسعنا نحن إلا أن نمارس المعتاد بتقمص دور السُذج - عن سابق قصد وتصميم - عندما نسأل في كلّ مرة: أين السلطة من تفلت الخطاب الاعلامي الذي يخدم العدوّ ويشرع استهدافاته؟ ثمّ يتجاوز الدستور في التعاطي مع العدوّ ويشيطن الصديق؟ هل وحده الإعلام يفعل هذا؟ طبعا لا.. ولهذا سنبقى نسأل، لتعيد تساؤلاتنا التأكيد أن تموضع لبنان دستوريًا وقانونيًا وبلحم أبنائه الحي في مكان آخر، وأن الدم والأرواح التي وُهبت بسخاء للوطن، كانت كي لا يكون "إسرائيليًا".

الكلمات المفتاحية
مشاركة