نقاط على الحروف
كاتب من مصر
استمرارًا لسلسلة التحريض والتهديد والتهويل بالحرب، زارت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس بيروت مجددًا لاستكمال التهديدات واستعراض المهل الزمنية، وهي سلسلة بدأت بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، والذي لم تلتزم "إسرائيل" به حتى الآن.
وعلى امتداد الشهور العشرة الماضية، استمرت التهديدات والضغوط بفجاجة وتدخُّل وقح يخرق السيادة اللبنانية، وتم تشكيل مناخ عام من التخويف والحرب النفسية لإرساء قناعة بأن الحرب سوف تندلع حتمًا لو لم يستسلم حزب الله ويوافق على نزع سلاحه.
وتم توزيع الأدوار بغية خلق هذه الحالة بين المبعوثين الأميركيين إلى لبنان، وبين تصريحات السياسيين الصهاينة والأميركيين، وبين حالات مساعدة تتمثل في حرب إعلامية تقوم على تسريب سيل من التقارير نقلًا عن مصادر مجهولة بأن الحرب ستندلع تحت عناوين براقة ودرامية مثل " الوقت ينفد" و" الساعة تدق" وكل ما يولِّد ضغطًا نفسيًّا على الجماهير.
كما تم توظيف عدة زيارات إلى لبنان واستغلالها في مناخ التخويف، مثل زيارة مدير المخابرات المصرية وزيارة البابا وزيارة برّاك للعراق، وكذلك نشر محتوى رسالة نتنياهو للرئيس الصهيوني لطلب العفو وما جاء بها من حديث عن "أحداث غير عادية" ستشهدها المنطقة.
والملاحظ هنا هو الثبات الانفعالي للمقاومة والصمود على موقفها المبدئي، رغم هذا السيل من التهديدات والحرب النفسية المكثّفة.
وهنا يمكننا أن نقدِّم استعراضًا سريعًا للشهور العشرة الماضية وما شهدته من تخويف مستمر بالحرب يتزامن مع انتهاكات يومية، وكيف تضافرت هذه التهديدات مع تقارير الإعلام الصهيوني ــ ومع الأسف "العربي" ــ لخلق هذا المناخ الذي يخدم "إسرائيل" ويخلق الفتنة الداخلية في لبنان بدلاً من خلق حالة من الوحدة في مواجهة الضغوط، وهي الكفيلة بإزالة هذه التهديدات وتوفير الأمن والسيادة والكرامة لكامل لبنان.
ويمكننا هنا استعراض هذه السلسلة وأبرز حلقاتها وفقًا للترتيب الزمني على النحو الآتي:
أولاً: دور المبعوثين الأميركيين والتهديدات والمهل الزمنية:
1- في فبراير /شباط، مارست المبعوثة الأميركية سياسة وقحة، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ صرحت أورتاغوس بأن حزب الله "هُزم عسكريًا وانتهى عهد ترهيبه في لبنان والعالم"، وهو تصريح لا يلائم الوقت ولا المكان، ناهيك عن عدم صحته وموافقته للواقع الميداني، ولم تقف أورتاغوس عند هذا الحد، بل تدخلت بوقاحة في تشكيل الحكومة اللبنانية؛ إذ قالت، إن واشنطن تسعى لضمان عدم مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية المرتقبة.
2- في 6 أبريل/نيسان، انتقلت مورغان أورتاغوس إلى التهديد بالعدو الصهيوني والتلويح بمهلة زمنية؛ إذ قالت في مقابلة تلفزيونية "من الواضح، أنه يجب نزع سلاح حزب الله، ومن الواضح، أن إسرائيل لن تقبل بإطلاق الإرهابيين النار عليها داخل أراضيها، وهذا موقف نفهمه".
وعندما سُئلت عمَّا إذا كانت الولايات المتحدة قد حددت جدولاً زمنياً لنزع السلاح، قالت أورتاغوس: "في أقرب وقت ممكن".
3- في يونيو/ حزيران، وفي أثناء الحرب بين إيران والعدو الإسرائيلي، حذّر السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سورية توماس برّاك من بيروت من أن تدخُّل حزب الله في الحرب الإيرانية الإسرائيلية سيكون "قرارًا سيئًا للغاية".
وقال برّاك للصحفيين: "يمكنني أن أتحدث باسم الرئيس ترامب الذي كان واضحًا جدًّا، وكذلك المبعوث الخاص ستيف ويتكوف بأن هذا سيكون قرارًا سيئًا جدًّا جدًّا جدًّا".
وفي هذه الفترة، تسرَّبت التقارير عن نقل توماس برّاك، مطالب واشنطن خلال زيارة إلى بيروت في 19 يونيو/حزيران، وأفادت المصادر لرويترز بأن برّاك أطلع المسؤولين اللبنانيين على خارطة طريق مكتوبة، وأبلغهم أنه يتوقع ردًّا بحلول الأول من يوليو/تموز بشأن أي تعديلات مقترحة. تُركِّز الوثيقة المُكوّنة من ست صفحات، على نزع سلاح حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى، وتحثّ لبنان على تحسين علاقاته مع سورية المجاورة وتطبيق إصلاحات مالية، حسبما أفادت المصادر.
وشهدت هذه الفترة بداية طرح المهلة الزمنية؛ إذ قالت المصادر، إن برّاك صرّح بأن نزع السلاح الكامل يجب أن يُستكمل بحلول نوفمبر/تشرين الثاني أو بحلول نهاية العام على أبعد تقدير.
كذاك شهدت تهديدًا صريحًا، حيث نقل أن برّاك حثّ المسؤولين اللبنانيين على اغتنام الفرصة المُتاحة في خارطة الطريق؛ لأنها "قد لا تُتاح مجددًا".
4- في يوليو/تموز، وصل التهديد إلى ذروة وقاحته وخطورته؛ إذ لوح برّاك بزوال الدولة اللبنانية بشكلها الراهن، وقال برّاك في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية: إن "لبنان يواجه خطر الوقوع في قبضة قوى إقليمية، ما لم تُعالج بيروت مسألة مخزونات أسلحة حزب الله"، محذرًا من أن "البلاد قد تواجه تهديدًا وجوديًّا". وجاء في تصريحاته أيضًا: "إذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام من جديد".
5- في أغسطس/آب، ومع صمود حزب الله، بدأ التلويح بسياسة الجزرة إلى جانب العصا، حيث أكد توم برّاك، في أثناء المؤتمر الذي انعقد في القصر الجمهوري ببعبدا، أن الحكومة اللبنانية حددت 11 نقطة ووعدت بالالتزام بها، والأولى خطة لنزع سلاح حزب الله، وأن الولايات المتحدة ستعوض لبنان بإشراك دول الخليج وبمنطقة اقتصادية جديدة.
6- في أكتوبر/ تشرين الأول، نشر توم برّاك، بيانًا مطولًا على موقع X، واصفًا الوضع في لبنان وسورية بأنه "الخطوة التالية نحو السلام في المشرق العربي"، وكرر برّاك دعواته لنزع سلاح حزب الله، محذرًا من أن أي تأخير إضافي قد يدفع إسرائيل إلى إعادة شن حربها على لبنان. وكتب: "إذا استمرت بيروت في التردد، فقد تتصرف إسرائيل بشكل أحادي، وستكون العواقب وخيمة".
7- شهد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، قمة التهويل والتخويف وبشكل متسارع، ففي بداية نوفمبر، قالت القناة "الإسرائيلية" الثالثة عشرة، إن المبعوث الأميركي توم برّاك منح الجيش اللبناني مهلة تنتهي في نهاية نوفمبر الجاري لإحداث تغيير في الوضع المتعلق بقضية سلاح حزب الله.
وبحسب التقرير، أوضح برّاك أنه في حال لم يحدث ذلك، فستتمكن "إسرائيل" من شن هجمات وستتفهم الولايات المتحدة ذلك.
وبدأت التقارير تتحدث عن التفاصيل؛ إذ قالت القناة "الإسرائيلية"، إن "الجيش الإسرائيلي يستعد لجولة قتال، قد تستمر عدة أيام ضد حزب الله، فيما تصعّد إسرائيل تهديداتها باستئناف القصف، على أمل أن يؤدي الضغط على الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح حزب الله".
ثانيًا: في استغلال الزيارات الدبلوماسية في التهويل:
1- في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، زار مدير المخابرات المصرية بيروت، وتم عنونة الزيارة إعلاميًا بعنوان مشوق؛ إذ وصفت بأنها "زيارة مفاجئة"، ورشحت تقارير إعلامية تخدم مناخ التخويف، حيث نشر أن زيارة مدير المخابرات المصرية تدخل في إطار التنسيق الأمني والسياسي مع لبنان، ونقل عن السفير المصري في لبنان قوله: "ما يحدث من تطور في الاعتداءات الإسرائيلية في مداها ووتيرتها يدعونا للتحوُّط مما يجري".
2- في منتصف نوفمبر/ تشرين التاني، تحدثت تقارير إعلامية عن زيارة أخرى لمدير المخابرات المصرية، وتحدثت التقارير عن أن الزيارة جاءت وسط "مشاورات واسعة" مرتبطة بملف التصعيد في الجنوب والاتصالات المصرية–الأميركية–الفرنسية.
3- في 26 نوفمبر/ تشرين التاني زار وزير الخارجية المصري بيروت، وأطلق تصريحًا لافتًا يقول: إن "المنطقة برمتها على شفا التصعيد الكامل"، وأكد دعم مصر قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح في يدها.
4- نشرت وسائل الإعلام بكثافة تسريبات عن لقاء المبعوث الأميركي توم برّاك، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بغداد، حيث تصدرت العناوين تسريبات مفادها أن برّاك قال، إن "’إسرائيل‘ تستعد لشنّ هجوم واسع على لبنان خلال أيام أو أسابيع، مؤكداً أنّ أي تحرك للفصائل العراقية الموالية لإيران سيقود إلى رد إسرائيلي قد يهزّ العراق وسورية والأردن".
وبحسب قناة "I24News الإسرائيلية"، نقل برّاك للسوداني أنّ "العملية الإسرائيلية المرتقبة ستكون أكبر من سابقاتها".
5- في وقت استعداد لبنان الرسمي والشعبي لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر في زيارته التي امتدت لثلاثة أيام، تم إغراق المواقع الصحفية بتسريبات تقول، إن العدو "الإسرائيلي" يستعد لشن الحرب بعد مغادرة البابا، ونسبت التقارير ذلك لأوساط ديبلوماسية زارت بيروت مؤخرًا.
ثالثًا: رسالة نتنياهو للرئيس الصهيوني بطلب العفو:
حتى رسالة نتنياهو بطلب العفو من الرئيس الصهيوني شهدت تلويحًا وتهديدًا بحرب كبرى، تم توظيفها لخدمة هذا الغرض الصهيوني، حيث قال نتنياهو في رسالته للرئيس، "إن الأشهر المقبلة ستشهد أحداثًا غير عادية في الشرق الأوسط، ما يتطلب استعدادات هائلة، وجهودًا دبلوماسية وأمنية على مدار الساعة".
والخلاصة، أن المقاومة لا تخشى التهديدات، ولا تتأثر بالمهل الزمنية المتعددة التي بدأت كتحذير حتى نهاية الصيف، ثم تحدثت عن آخر تشرين التاني كمهلة نهائية، ثم امتدت إلى نهاية العام، وكلها بغرض الضغط وانتزاع التنازلات، وهو ما أعلنت المقاومة رفضه دومًا وعلى لسان الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، والذي قال نصًّا: "هل تتوقعون أن تكون هناك حرب لاحقًا؟ محتمل في وقت من الأوقات، نعم، هذا الاحتمال موجود، واحتمال عدم الحرب أيضًا موجود؛ لأنّ إسرائيل تدرس خياراتها، وأمريكا تدرس خياراتها أيضًا. هم يعرفون أنّه مع هذا الشعب، ومع هذه المقاومة، ومع هذه الروحية، ليست لديهم إمكانية لتحقيق ما يريدون".
كما قال الشيخ نعيم للجميع بشكل ناجز: "عليهم أن ييأسوا. يهدّدون، يفعلون ما يفعلون. يجمعون الدنيا كلها ضدّنا. يحاولون بكل الوسائل. هذا شعب لا يُهزم، وهذا شعب لا يستسلم، ونحن لن نهزم ولن نستسلم، وهيهات منّا الذلة".