اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

منوعات

منوعات

برج آزادي.. من تذكار الشاه إلى رمز الثورة الإسلامية في إيران

43

في قلب العاصمة الإيرانية طهران، يقف برج آزادي شامخًا كأحد أبرز معالم المدينة وأكثرها رمزية. بارتفاع يبلغ نحو 45 مترًا وتصميم فريد مكسوٍّ بالرخام الأبيض، لا يُعد البرج مجرد إنجاز معماري، بل رمزًا سياسيًّا وثقافيًّا يجسد فصولًا من تاريخ إيران الحديث.

شُيّد البرج عام 1971 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ويصادف يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري الذكرى الـ54 لتدشينه. ورغم مرور أكثر من 5 عقود على تشييده، فلا يزال البرج يحتفظ بمكانته كأحد أبرز رموز طهران وأكثرها حضورًا في الذاكرة الجماعية للإيرانيين.

كان يُعرف في بداياته باسم "برج شهیاد"، أي "تذكار الشاه"، إذ أُقيم ضمن احتفالات إيران بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، ليعكس حينها مجد التاريخ الفارسي ويُبرز سلطة الدولة. بيد أن تغيّر المشهد السياسي بعد الثورة الإسلامية عام 1979 حمل للبرج معنى واسمًا جديدَين "برج آزادي"؛ أي "الحرية"، ليغدو رمزًا لمرحلة مختلفة من تاريخ البلاد، وساحة رئيسية للتظاهرات والاحتفالات الوطنية.

صمّم برج آزادي المهندس الإيراني حسين أمانات الذي لم يكن قد تجاوز الـ24 من عمره عندما فاز في المسابقة الوطنية لتشييده. استلهم أمانات رؤيته من مزيج معماري متوازن يجمع بين عناصر التاريخ والحداثة، فدمج في تصميمه: الأقواس الإسلامية بانحناءاتها الرشيقة التي تعكس الطابع الروحاني للفن الإسلامي - الزخارف الساسانية المحفورة بعمق في الرخام، والتي تشير إلى الإرث الفارسي- الرخام الأبيض من أصفهان، والذي يغطي الواجهة بالكامل- يضفي على البرج إشراقًا وأناقة مميزة - وهكذا جاءت النتيجة؛ بناء يجسّد الحداثة دون أن يتنكر لجذوره، كجسر بصري يربط بين الماضي والحاضر، ويحكي من خلال حجَره قصة الهوية الإيرانية المتجددة.

ورغم أن معظم الزوار يكتفون بالتقاط الصور أمام برج آزادي أو في الساحة الواسعة المحيطة به، فإن ما يخبئه الداخل يروي قصة مختلفة تمامًا. فأسفل البرج، يقع متحف صغير يحتضن معروضات تاريخية ووثائق نادرة، إلى جانب قاعات للفنون ومكتبة تضفي على المكان طابعًا ثقافيًّا متكاملًا.

تتميز القاعات الداخلية بتصميمها الفريد على شكل أنفاق منحنية مكسوَّة بالحجر، تمنح الزائر إحساسًا بالانتقال بين طبقات الزمن، وتتيح له اكتشاف أبعاد ثقافية وفنية، ربما لا تبدو واضحة عند الاكتفاء بمشاهدة البرج من الخارج.

منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى اليوم، ظلت ساحة آزادي بمنزلة القلب النابض لطهران؛ شهدت على ملايين التجمعات في لحظات مفصلية من تاريخ البلاد، من المظاهرات والاحتجاجات إلى الاحتفالات الوطنية التي توحد الإيرانيين حول رموزهم المشتركة.

إلى جانب دوره السياسي، أصبح البرج معْلمًا سياحيًّا بارزًا. فعند قدوم الزائرين من مطارَي طهران، غالبًا ما تقع أعينهم؛ أول ما تقع عليه. وهو اليوم يزيّن البطاقات البريدية والملصقات الترويجية، ليصبح رمزًا يعادل في أهميته برج إيفل لباريس أو ساعة بيغ بن للندن.

برج آزادي اليوم، ليس مجرد بناء رخامي شاهق، بل إنه مرآة للتحولات السياسية، وساحة للتعبير الشعبي، ومكان ثقافي يجمع بين الفنون والتاريخ. وهو أيضًا نقطة التقاء بين الأجيال، بين من يتذكرون اسمه القديم "شهیاد"، ومن لا يعرفونه إلا كـ"آزادي".

يظل برج آزادي شاهدًا صامتًا على نصف قرن من تاريخ إيران المتقلب، فبين الأقواس والرخام والأنفاق الداخلية، يحكي قصصًا عن السلطة والثورة، وعن الفن والمعمار، وعن هوية بلد يبحث دائمًا عن الحرية في قلب عاصمته.

زيارة برج آزادي ليست مجرد تجربة لمشاهدة معلم معماري شهير، بل رحلة داخل ذاكرة طهران الحديثة. من الرخام الأبيض إلى الأنفاق الداخلية، ومن الساحة الصاخبة إلى الأضواء الليلية، يقدم البرج مزيجًا فريدًا من التاريخ والثقافة والرمزية السياسية. إنه مكان لا بد أن يمر به كل من تطأ قدماه العاصمة الإيرانية طهران.

الكلمات المفتاحية
مشاركة