اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي عون لا يرضخ لمعراب: "مخرج قانوني" يُنزل الجميع عن الشجرة؟

مقالات مختارة

ما تداعيات قرار
مقالات مختارة

ما تداعيات قرار "المركزي السوري" على المصارف اللبنانية؟

55

ماهر سلامة - صحيفة الأخبار

أصدر مصرف سورية المركزي، الأسبوع الماضي، توجيهات تُلزم المصارف بتغطية كامل انكشافها على القطاع المالي اللبناني خلال ستة أشهر، أي ما قيمته 1.6 مليار دولار وفق تصريح حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية.

فُهم من هذا الإجراء والمدّة القصيرة الممنوحة للمصارف لتأمين هذا المبلغ، أنه بات على المصارف السورية، بما فيها خمسة مصارف ذات مساهمات لبنانية واسعة، أن تضخّ رساميل جديدة لتعويض خسائرها، سواء من أموالها الحرّة، أو من خلال مستثمرين جدد. توقيت القرار ومدّته وشكله من دون أي تنسيق مع مصرف لبنان، كلّ ذلك يثير الشكوك بأن الهدف إجبار المستثمرين اللبنانيين وحتّى السوريين، على بيع كامل أو جزء من ملكياتهم في المصارف العاملة في سورية. هوية المستثمرين الجدد لن تكون لغزًا.

الانكشاف على لبنان يعني أن المصارف السورية لديها مبالغ مودعة أو موظّفة في القطاع المالي في لبنان. وتغطية الانكشاف بشكل كامل تعنى الاعتراف بأن هذه المبالغ تحوّلت من ودائع وتوظيفات إلى خسائر محقّقة تفرض على المصارف السورية تغطيتها بـ"مؤونات". وبما أن حجم الانكشاف وفق تصريح الحصري يبلغ 1.6 مليار دولار، فهذا يعني أنه يترتب على المصارف السورية تغطية المبلغ بنسبة 100%، وهذا رقم يمثّل ضغطًا كبيرًا على المصارف العاملة هناك، ومن بينها المصارف المملوكة من مصارف لبنانية.

بحسب المعلومات المتوافرة، فإن حجم انكشاف المصارف السورية المملوكة بنسبة كبيرة من المصارف اللبنانية لا يتجاوز 500 مليون دولار، أي نحو 31% من مجمل الانكشاف، ومعظم هذا المبلغ يتركّز في مصرفين اثنين، وأن باقي المبلغ المطلوبة تغطيته هو خسائر مُنيت بها المصارف السورية الأخرى التي تترتّب عليها تغطيتها.

وفق مطّلعين على القطاع المالي السوري، فإن مصدر الانكشاف على القطاع المالي في لبنان، يعود إلى مسألتين أساسيتين؛ الأولى، أن الحصار على سورية في العقود الماضية دفع هذه المصارف إلى التعامل مع مصارف لبنانية لتغطية عمليات استيراد وتحويلات مالية أخرى، إذ لم تكن لديها مصارف مراسلة في الخارج تتعامل معها، فضلًا عن الصعوبات التي كانت تواجهها في فتح حسابات لها في البلدان الأوروبية. ثمّ انفجرت الحرب في سورية واشتدّ الحصار، ما دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى المصارف اللبنانية لإيداع أموالهم فيها أو لاستعمالها كمحطة وسيطة للانطلاق نحو الخارج.

وكانت المصارف اللبنانية توسّعت إلى سورية في السنوات التي سبقت انفجار الحرب الأهلية هناك، إذ صدر في عام 2001 القانون الرقم 28 الذي أتاح إنشاء مصارف خاصة، ثمّ جاءت خطّة "الانفتاح" تحت شعار "اقتصاد السوق الاجتماعي" الذي اعتُمد رسميًا في عام 2005، لتشكّل ترجمة واضحة لانتقال سورية من "الاقتصاد الموجّه" إلى "اقتصاد السوق"، وهو ما استدعى فتح السوق المصرفية للقطاع الخاص بدلًا من الاعتماد على المصارف الحكومية فقط.

هكذا اندفعت المصارف اللبنانية إلى هناك على وقع إشباع السوق المحلية وتضخّم أصولها في لبنان إلى أكثر من 3 أضعاف الناتج المحلي، فجاء قرار توسّعها نحو الخارج ترجمة لهذه التطورات التي وجدت في حقائق التاريخ والجغرافيا بين البلدين منفذًا للتنفيس الورم. فالسوق السورية منظّمة بشكل عميق، وهي سوق واسعة فيها نفط وغاز بعدد سكان كان يبلغ 20 مليون شخص وعدد كبير من السياح، وتعاني من عطش مزمن إلى التمويل للمؤسسات وللأفراد.

بنتيجة هذا الوضع، أسّست 7 مصارف لبنانية مصارف تابعة لها في سورية، منها ستة تصل ملكيتها إلى 49% وواحد يملك 29%. وأسماء هذه المصارف كانت تمزج بين الاسم التجاري المُتداول في لبنان والهوية السوقية الجديدة، وقبل انفجار الحرب في سورية صدر قرار يسمح للمصارف بزيادة نسبة الملكية الخارجية إلى أكثر من 49%، لذا خطّطت المصارف لتجاوز النسب السابقة، وهو بالفعل ما حدث. فبحسب إفصاحات المصارف ذات المساهمات اللبنانية لسوق دمشق للأوراق المالية، فإن الملكيات صارت على النحو الآتي:

 - بنك سورية والمهجر: المملوك بنسبة 49% لبنك لبنان والمهجر.
 - بنك بيمو السعودي الفرنسي: المملوك بنسبة 22% لبنك بيمو اللبناني ونحو 27% للبنك السعودي الفرنسي.
 - شهبا بنك: الذي كان مملوكًا بنسبة 59% لبنك بيبلوس سنة 2023 ولكن أصبح مملوكًا بنسبة 35% لبنك بيمو السعودي الفرنسي وبنسبة 24% لبنك الائتمان الأهلي سنة 2024.
 - فرنسبنك سورية: المملوك بنسبة 55.6% لفرنسبنك اللبناني.
 - بنك الشرق: المملوك بنسبة 49% للبنك اللبناني الفرنسي.
بضاف إلى ذلك، أن هناك مصرفًا لبنانيًا واحدًا يملك 7% من أحد المصارف السورية.

في الواقع، أدّى الترابط بين مصارف سورية ومصارف لبنان، إلى لعب المصارف السورية ذات المساهمات اللبنانية، دور القناة التي وجّهت أموالًا سورية نحو القطاع المصرفي اللبناني. وبنتيجة ذلك، أصبحت أكثر تعرّضًا لخسائر انهيار المصارف اللبنانية، بحكم أن جزءًا كبيرًا من أصولها موظّف هناك.

وبحسب التقديرات التي تشير إلى أنه يترتّب على المصارف اللبنانية أن تغطّي 500 مليون دولار من الانكشاف السوري أمام المصارف اللبنانية، فإن المصارف السورية التي فيها مساهمات لبنانية قد تكون في وضع صعب بعدما أصبح هذا المبلغ يساوي 11% من مجمل رساميل المصارف في لبنان المُصرّح عنها خلافًا لوقائع الإفلاس التي تفيد بأن غالبية المصارف في لبنان لديها رساميل سلبية.

ويقول كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، إن "تغطية هذا الانكشاف لا يجب أن تكون بالضرورة متناسبة مع حصّة المصارف اللبنانية في المصارف السورية المذكورة، فليس هناك ما يحدّد هذه الآلية".

كما يشير إلى أنه "في الوضع الحالي للقطاع المصرفي اللبناني، يُعتبر هذا الانكشاف الذي يجب تغطيته بنسبة 100% رقمًا كبيرًا".

بمعزل عن حجم الانكشاف، صغيرًا كان أم كبيرًا، إلا أن ما يثير الاهتمام هو القرار السوري القاضي بتغطية الخسائر خلال فترة ستة أشهر فقط. فهذا القرار يصدر على يد الحصري الذي كان يعمل لدى مكتب شركة "إرنست آند يونغ" في سورية وهو شارك في بعض عمليات التدقيق التي أجرتها الشركة لعدد من المصارف اللبنانية.

وهو على علم أيضًا بأنه في أيام النظام السوري السابق صدر قرار عن مجلس النقد والتسليف يحاول التعامل مع هذه الخسائر بطريقة مختلفة وتدريجية لتنظيم ومعالجة التعرّضات الائتمانية للمصارف السورية لدى المصارف اللبنانية بعد الأزمة المالية في لبنان. ونصّ القرار على "تصنيف هذه التعرّضات كمتعثّرة اعتبارًا من نهاية عام 2021، وإلزام المصارف السورية بتقدير خسائر انخفاض القيمة تدريجيًا حتّى نهاية عام 2022 بنسبة لا تقلّ عن 30%، وفقًا لمعايير المحاسبة الدولية والإسلامية".

كما يُلزم القرار المصارف بتزويد مفوّضية الحكومة بخطط تغطية الفجوة المالية، والامتناع عن توزيع الأرباح قبل تكوين المخصّصات المطلوبة، ويعفيها من العقوبات السابقة إذا التزمت بالتنفيذ، مشدّدًا على أن المسؤولية الكاملة تقع على المصارف السورية عن تعرّضاتها في لبنان، مع ضرورة اتّخاذ الإجراءات الوقائية لتقليل المخاطر المستقبلية.

في الواقع، هذه المقاربة جنّبت المصارف السورية اعترافًا فوريًا بخسائر فادحة. وكانت قد عالجت جزءًا من المشكلة، إذ إن كلّ المصارف التزمت بها، ووضعت مؤونات بنسبة 30% من انكشافها على المصارف اللبنانية، حتّى إن بعض المصارف ذهب لوضع مؤونات بنسبة 60% من الانكشاف.

أمّا اليوم، وبعد مرور ست سنوات تقريبًا على انهيار المصارف اللبنانية، فقد ارتأت السلطات النقدية السورية تصنيف الأموال العالقة في لبنان كخسائر فعلية يجب تغطيتها بالكامل. وهذا القرار يأتي من دون أي تنسيق بين حاكم مصرف سورية المركزي وحاكم مصرف لبنان، أي السلطتين المعنيّتين بالأمر في بلدين يعانيان من انهيار ضخم وهائل.

التجارة بين البلدين
تقلّبت العلاقة التجارية بين لبنان وسورية في السنوات العشر الأخيرة، إذ مرّت بمراحل مختلفة. بشكل عام بقي لبنان بلدًا مُصدّرًا إلى سورية إذا ما احتسبنا صافي الحركة التجارية.

انخفضت حركة التصدير إلى سورية بعد إصدار قانون قيصر عام 2020، وهو الذي عرّض الاقتصاد السوري للعقوبات، وهو ما أسهم في انخفاض حركة التصدير من معدّل 210 ملايين دولار سنويًا، إلى نحو 107 ملايين دولار عام 2020 و91 مليون دولار عام 2021. إلا أن الدعم على المحروقات في لبنان، الذي تزامن مع شحّ بالمحروقات في سورية في ذلك الوقت، أسهم في ارتفاع حجم التصدير من لبنان إلى سورية إلى نحو 356 مليون دولار في 2022.

بعد ذلك عادت حركة التصدير إلى الانخفاض إلى ما دون الـ100 مليون دولار سنويًا، وذلك بسبب رفع الدعم في الجهة اللبنانية. لكن استمرت حركة التهريب إلى سورية، خصوصًا مع هامش الفرق في الأسعار بين البلدين الذي بقي مرتفعًا نسبيًا حتّى بعد رفع الدعم في لبنان. ولم يقتصر التهريب على المحروقات، بل امتد إلى الكثير من السلع التي لم تكن سورية تستطيع أن تستوردها بسبب العقوبات.

عام 2025، بعد سقوط النظام، ورفع العقوبات جزئيًا، عاد التصدير من لبنان إلى سورية للارتفاع، إذ بلغت قيمة الصادرات نحو 103 ملايين دولار في الأشهر الثمانية الأولى من السنة. في حين انخفض الاستيراد من سورية إلى نحو 70 مليون دولار بعدما كان يبلغ نحو 13 3 مليون دولار في 2024، وهو ما يُشير إلى انخفاض الإنتاج السوري عقب تغيير النظام، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

تزامنت عودة الصادرات اللبنانية إلى سورية أيضًا مع الانفتاح السوري على البضائع الأجنبية، التي كانت الدولة تضع قيودًا على استيرادها، لأسباب مختلفة، منها دعم البضائع المحلية.

21
هو عدد المصارف الإجمالي في سورية، منها نحو 15 مصرفًا خاصًا، في حين أن عدد المصارف الإسلامية هناك هو 4، كما إن هناك 6 مصارف عامة تابعة للدولة

الكلمات المفتاحية
مشاركة