عين على العدو
أشارت صحيفة "معاريف الإسرائيلية" إلى أنَّه بعد عام على توقيع وقف إطلاق النار في لبنان، نفّذ الجيش "الإسرائيلي" نحو 700 هجوم داخل الأراضي اللبنانية، وبينما يمكن لمن يمر بمحاذاة الحدود رؤية القرى اللبنانية المدمّرة، فإن الوضع داخل الكيان الصهيوني، وتحديدًا في الشمال، لم يعد إلى ما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولفتت الصحيفة إلى أنَّ اغتيال "رئيس أركان حزب الله، هيثم علي الطبطبائي، الأحد الماضي، أثار لدى "سكان" (مستوطني) الشمال السؤال الأكثر إلحاحًا: هل سيردّ الحزب؟ أي هل سيُطلق صواريخ باتجاه الشمال مجددًا؟"، مضيفةً أنَّه "خلال الأسابيع الأخيرة، تزايدت القناعة بأن جولة جديدة مع حزب الله باتت شبه محتومة، وهو ما ينعكس على الشمال الذي يعاني صعوبة في التعافي".
انقسام بين غرب الجليل وشرقه
وأوضحت الصحيفة أنَّ شمال كيان العدو اليوم قسمان مختلفان تمامًا في مسار تعافيه، ففي الجليل الغربي عاد نمط الحياة إلى طبيعته تقريبًا: المتاجر فتحت أبوابها، المستوطنون رجعوا، والقيادات المحلية تدفع باتجاه تطوير "المنطقة"، بل إن مستوطنات مثل "شلومي" و"كيبوتس بتسات" شهدت ارتفاعًا في عدد المستوطنين، وهو مؤشر غير مألوف في أوقات التوتر.
في المقابل، يواجه الجليل الشرقي صعوبات كبيرة في العودة إلى الحياة الطبيعية، ويعود جزء من المسؤولية —وفق مصادر حكومية— إلى القيادات المحلية نفسها. فبينما دعا رؤساء السلطات في الجليل الغربي المستوطنين إلى العودة فور وقف إطلاق النار، اختار رؤساء السلطات في الجليل الشرقي توجيه رسالة معاكسة: "لا تعودوا"، مقدّمين صورة قاتمة عن الوضع. وتُشير هذه المصادر إلى أن غياب الانسجام وخطط العمل الواضحة لدى قيادات الجليل الشرقي يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية لأزمته الراهنة.
"كريات شمونة".. 700 شقّة معروضة للبيع
في "كريات شمونة"، لم يعد نحو 30% من المستوطنين. العاملون في سوق العقارات يؤكدون أن نحو 700 شقة معروضة للبيع. وفي مواقع التسويق العقاري يمكن العثور على أكثر من 200 إعلان لشقق معروضة للبيع، وعدد مماثل تقريبًا لعروض الإيجار.
المشهد لا يختلف كثيرًا في مناطق أخرى:
في "المطلة" عاد 48% فقط من المستوطنين، مع انتقال مجموعات جديدة من التيار الصهيوني "الديني" إليها.
في "المنارة" لم يعد نصف المستوطنين، والوضع مشابه في "شتولا".
أما في البلدات القريبة من السياج الحدودي، مثل "أدميت" و"ميسغاف عام"، فلم يعد 40% من المستوطنين.
بالمجمل، يدور الحديث عن نحو 9,000 شخص (مستوطن) لم يعودوا، ثلثاهم من "كريات شمونة".
السياحة.. الغائب الأكبر
وأشارت الصحيفة إلى السياحة، التي تشكل شريانًا اقتصاديًا مهمًا للشمال، والتي لا تزال غائبة. فالسياح "يعبّرون عن رأيهم بأقدامهم"، أصحاب بيوت الضيافة يعلّقون آمالهم على موسم الثلوج لإحياء الحركة.
وتضيف الصحيفة "بعد عامين ظلّ فيهما جبل الشيخ مغلقًا بسبب الحرب، وصيفٍ شهد إغلاقًا شبه كامل لمواقع التجديف، تبدو السياحة طوق النجاة الوحيد القادر على إدخال بعض المال إلى المنطقة. حتى الحجوزات القليلة التي سُجّلت مؤخرًا أُلغيت خوفًا من تطورات أمنية".
وأكَّدت الصحيفة أنَّ الوضع الاقتصادي العام متدهور أيضًا. فبحسب ما نشرته "إسرائيل اليوم"، نحو 40% من الأعمال في الشمال لم تُفتح. أما من عاد إلى عمله، فيقف على حافة الانهيار في ظل غياب آلاف المتسوقين.
معطيات مضلّلة
بحسب فحص أجرته مديرية "تُنوفا"، عاد إلى الشمال نحو 87% من المستوطنين، لكن هذه الأرقام — وفق رؤساء السلطات المحليّة — لا تعكس الواقع.
مثال ذلك مستوطنة "مرغليوت": تقول المديرية إن 100% من مستوطنيها عادوا (415 نسمة)، لكن الواقع مغاير تمامًا.
رياض الأطفال افتُتحت بستة أطفال فقط، خمسة منهم ليسوا من أبناء المستوطنة، بينما لم تُفتح الحضانة إطلاقًا.
"مرغليوت تتعافى جسديًا، لكن اجتماعيًا نحن في مأزق"، يقول إيتان دافيدي، رئيس لجنة البلدة. "لا عودة حقيقية "للسكان" (للمستوطنين). لا أعرف إن كنا سنتمكن العام المقبل من فتح روضة الأطفال. الـ20% الذين لم يعودوا هم العائلات الشابة".
إعادة التأهيل.. خمس سنوات على الأقل
وأكَّدت الصحيفة أنّ عملية إعادة تأهيل الشمال تسير ببطء شديد. وبينما تعمل الحكومة على خطط طويلة المدى، يطالب المستوطنون بإنقاذ فوري يمنع استمرار النزوح. التقدير السائد يشير إلى أن خمس سنوات على الأقل ستنقضي قبل عودة الشمال إلى وضعه ما قبل الحرب.
لماذا كل هذا البطء؟
يُجيب دافيدي: "هناك نقص في الاستثمارات وضخ الأموال. التعويضات تُصرف بسرعة نسبيًا، لكن كان على المديرية أن تُظهر وتيرة أسرع. كل شيء يدار ببطء شديد، والبيروقراطية تعرقل العملية. خطة خماسية تُعدّ للأيام العادية، لا لحالة طوارئ.. ونحن في حالة طوارئ. للأسف، كل شيء معقّد للغاية".