خاص العهد
تعيش غزة اليوم أزمة إنسانية غير مسبوقة منذ عقود، إذ يواجه أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني فصل الشتاء القادم بلا مأوى آمن، في ظل تدمير آلاف المنازل واحتجاز سلطات الاحتلال الإسرائيلي لآلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية. وكشفت مصادر أممية لموقع العهد الإخباري أنّ الكارثة الإنسانية في القطاع تتفاقم مع كل يوم تأخير في إدخال المواد الإغاثية، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية والإغاثية.
وبحسب المصادر، فإن الاحتلال الإسرائيلي يمنع منذ أكثر من ستة أشهر دخول نحو 6,000 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية الأساسية، والأدوية، والخيام الجديدة، والشوادر، والأغطية، والملابس الشتوية، ومواد الإغاثة اللازمة لتأمين حياة المواطنين، رغم أنّ الأونروا اشترت هذه المواد منذ أشهر ووضعَتها في مستودعاتها في الأردن ومصر، بقيمة تقدر بمئات ملايين الدولارات، تحسبًا لمواجهة فصل الشتاء القاسي وحماية النازحين من الرياح والعواصف والأمطار الغزيرة.
وتوضح المصادر أنّ معظم الخيام الموجودة اليوم داخل القطاع بالية ومهترئة، ولا توفر الحد الأدنى من الحماية للسكان، كما أنّ آلاف الخيام منصوبة على مسافة خمسة أمتار فقط من شاطئ البحر، ما يجعلها معرضة مباشرة لخطر المد البحري والانهيار في حال ارتفاع منسوب الأمواج. وأضافت المصادر أنّ الاحتلال سمح سابقًا بإدخال عشرات الآلاف من الخيام فقط، وهو رقم لا يكفي سوى جزء صغير من الاحتياجات الفعلية، خصوصًا مع وجود نحو 1,500,000 فلسطيني بلا مأوى يعيشون في العراء أو في خيام مهترئة، فيما الأونروا اشترت خيامًا تكفي 1,300,000 شخص.
وتؤكد المصادر أنّ الأونروا تمتلك أكثر من 12,000 موظف في غزة، موزعين على قطاعات الصحة والتعليم والإغاثة والدعم اللوجستي، وهي الجهة الإنسانية الوحيدة القادرة على إدارة توزيع المساعدات وإقامة المخيمات بكفاءة، لكن القيود الإسرائيلية تمنع تنفيذ أي من هذه الخطط حتى اللحظة. وقالت المصادر: “لدينا خبرة طويلة في إقامة المخيمات وتوزيع المساعدات على السكان، لكن الاحتلال يمنع حتى الآن إدخال المواد الضرورية”.
وتحذّر المصادر من أنّ استمرار منع دخول المساعدات سيعيد القطاع إلى مرحلة الانهيار الشامل، خصوصًا مع دخول الشتاء، إذ تشير تقارير اليونيسف الأخيرة إلى أنّ 9,400 طفل يعانون من سوء تغذية حاد ويحتاجون إلى غذاء علاجي عاجل. كما أنّ القطاع الطبي يعاني انهيارًا شبه كامل، مع نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية، في وقت يعتمد فيه السكان على مياه ملوثة بعد اختلاط مياه الصرف الصحي بالخزان الجوفي وظهورها في الشوارع، ما يهدد بانتشار سريع للأمراض والأوبئة.
وتضيف المصادر أنّ الوضع الجغرافي يزيد من خطورة الكارثة، إذ إنّ غزة منطقة رملية بالكامل، ولا تحتوي على جبال تحدد مسارات السيول، كما أنّ الأمطار الغزيرة تتحوّل إلى سيول جارفة في المناطق المنخفضة، خصوصًا مع تكدس الركام الناتج عن الدمار، والذي يقدّر بـ 60 مليون طن ويغطّي أكثر من نصف مساحة القطاع المتبقية. ويشير المصدر إلى أنّ الاحتلال يسيطر على نحو 60% من مساحة غزة، فيما يعيش أكثر من 2,000,000 فلسطيني على مساحة لا تتجاوز 70 إلى 80 كيلومترًا مربعًا فقط، ما يضاعف مخاطر فصل الشتاء ويجعل السكان محشورين في مساحات ضيقة ومكدسة بين الركام والخيام المهترئة.
وتختم المصادر تحذيرها بالقول إنّ أي تأخير إضافي في إدخال الخيام والأدوية والمواد الغذائية سيجعل الشتاء الحالي الأخطر على الإطلاق منذ عقود، وسط العاصفة الإنسانية الكاملة، محذرة من أنّ ملايين السكان يواجهون البرد والأمطار والسيول دون أي حماية كافية، بينما تبقى آلاف الشاحنات محجوبة في مخازن الأونروا خارج غزة، في انتظار قرار يسمح بإدخالها.