مقالات مختارة
فراس الشوفي - صحيفة الأخبار
بينما ترتفع وتيرة التصعيد الأوروبي ـ الروسي، وتترك سياسات الرئيس دونالد ترامب مخاوف أوروبية من التزامات الحليف الأميركي، يزداد الاهتمام الأوروبي العسكري والأمني بالشاطئ الشرقي للمتوسط. وذلك ربطًا بشعور الأوروبيين باقتراب الخطر الروسي، إضافة إلى القلق الذي يساور أوروبا من التطور التكنولوجي الصيني وما يعتبرونه خطرًا على أمنهم القومي. فضلًا عن المخاوف من التوترات الناجمة عن "الخطر الإيراني" وتفكّك الدول وتزايد تهديدات اللجوء غير الشرعي وانتشار الإرهاب قرب أوروبا وداخل بعض دولها.
كذلك، فإن الإدارة الأميركية الحالية، ليست مأمونة الجانب بالنسبة إلى الأوروبيين، خصوصًا أنها تبتزّها كلّ الوقت لرفع موازناتها الدفاعية من جهة، وحجم مساهمتها في ميزانية "الناتو".
كما أن أوروبا ليست راضية عن مقترح ترامب للصفقة حول أوكرانيا، وترى أنه يعطي موسكو فرصة للسيطرة على أوروبا بالتعاون مع ترامب. وقد عبّرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن ذلك، في تعليقها على خطة السلام المطروحة في أوكرانيا، علمًا أن المستشار الألماني فريدريش "ميرتس" عبّر بوضوح عن هذا الموقف، حيث أشار إلى أن "أوروبا ليست مجرد بيدق بل طرف فاعل يسعى لتحقيق مصالحه وقيمه، وأن الجهود الأميركية مُرحّب بها لكنّ القرارات الأوروبية يجب أن تُتّخذ بالتوافق مع الأوروبيين".
هذه الأسباب الأوروبية، تدفع الاتحاد والدول الكبرى في أوروبا الغربية، منفردة وبالتعاون، إلى القيام بمبادرات للحضور المباشر في أكثر من ساحة، والتواجد بشكل مباشر في مناطق النفوذ وعلى خطوط النقل العالمية، وقد ظهرت خلال الأسبوعين الأخيرين، مبادرة أوروبية جديدة، كشفها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، حول نية فرنسا إرسال قوات درك إلى غزّة، للمساهمة ضمن مبادرة أوروبية في تدريب ثلاثة آلاف جندي في غزّة، على غرار ما فعلته سابقًا القوات الأوروبية في الضفّة الغربية. وبحسب مسؤول أوروبي، فإن قوة الشرطة الأوروبية الحالية في الضفّة الغربية ستتولى قيادة عملية إنشاء قوة شرطة في غزّة، ويمكن أن يصل حجم هذه القوّة الجديدة في غزّة على المدى الطويل إلى 13 ألفًا.
مصادر أمنية أوروبية أكّدت لـ"الأخبار" أن "المبادرة هي جزء من توجّه أوروبي عام لنشر قوات وخبراء ورجال شرطة في أكثر من دولة مثل فلسطين ولبنان وسورية بهدف مساعدة القوات المحليّة على إدارة أفضل ولتأمين حضور عسكري أوروبي مباشر في مناطق حيوية للغاية بالنسبة إلى الأمن الأوروبي". وأضافت أن المُرجّح أن "تكون القوات الألمانية والإيطالية والفرنسية في طليعة القوات التي ستقوم بهذه المهام".
وتأتي تلك الخطوة، بالتوازي مع عودة ظهور المستشارين الأوروبيين في شرق الفرات، في مناطق سيطرة قوات "قسد"، حيث يعمل مستشارون ألمان وإيطاليون ودنماركيون وهولنديون وفرنسيون. بينما تتحفّظ الدول الأوروبية حاليًّا على التواجد والظهور داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات السلطة السورية الجديدة، في ظل انعدام "اليقين الأمني" وارتفاع منسوب الخشية من تهديد الإرهاب. إلّا أن الجيوش الأوروبية ليست بعيدةً مستقبلًا عن فكرة الحاجة إلى نشر بعض القوات العسكرية في الساحل السوري، أو في مناطق من دمشق، في إطار دعم عمليات "مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات"، وهو ما قد يثير حفيظة الأتراك والروس.
ويبدو أن لبنان، في طليعة اهتمامات القوى الأوروبية، خصوصًا بعد قرار مجلس الأمن إنهاء مهمّة قوات "اليونيفل" نهاية عام 2026 (راجع الأخبار، ما بعد "اليونيفل": أوروبا تبحث عن تثبيت حضورها العسكري، 28 تشرين الأول 2025).
وقد تكثّف أخيرًا النقاش حول الخيارات البديلة عند الأوروبيين للإبقاء على وجودهم العسكري في لبنان، مع سعي واضح من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا إلى البحث عن صيغ تعاون ثنائية مع الجيش اللبناني، تعوّض عن احتمال فشل الوصول إلى صيغة جماعية للإبقاء على قواتها المسلحة في لبنان. وقد دفعت هذه الرغبة، ألمانيا وإيطاليا إلى رفع مستوى دعمهما المادي والتدريبي للجيش اللبناني بشكل ملحوظ، حتّى باتتا تتفوّقان بذلك على فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى استمرار الدعم الإسباني بوتيرة منتظمة.
وأكّدت مصادر أمنية غربية لـ"الأخبار" تسارع البحث عن الصيغ البديلة، وأن وفودًا عسكرية وأمنية سوف تزور لبنان في المرحلة المقبلة لبلورة فكرة واضحة حول البديل عن وجود "اليونيفل" بما يحفظ الحضور العسكري الأوروبي المباشر، مع وجود إيجابية لبنانية في التعاطي مع الطروحات الأوروبية، وهو ما عبّر عنه رئيسا الجمهورية جوزف عون والحكومة نواف سلام.
وتقول المصادر، إن الصيغ المطروحة، مثل تشكيل قوّة أوروبية على غرار القوّة الأوروبية في البلقان، تحتاج إلى غطاء دولي واضح من مجلس الأمن، وهو أمر ليس متوفّرًا حاليًّا في ظلّ الكباش مع الصينيين والروس. ويؤكّد المصدر أن واحدة من النتائج الإيجابية القليلة بالنسبة إلى الأوروبيين لإنهاء مهمّة "اليونيفل"، هي إخراج القوات الصينية من لبنان، وتعذّر بقائها بصيغة مختلفة. فرغم محدوية انتشار القوات الصينية في لبنان، إلّا أن مجرد وجود الكتيبة الصينية العاملة إلى جانب القوات الأوروبية، بات يثير ريبة هؤلاء، خصوصًا أن عماد القوّة الصينية يتألّف من مهندسين وتقنيين وفنيين متخصّصين في البنى التحتية، ويساعدون لبنان في مهام من هذا النوع.
ويبدو الرهان ضعيفًا على تغيّر ما في مجلس الأمن، ولا سيّما بعد زيارة السفراء الأعضاء في مجلس الأمن لبيروت الأسبوع الماضي، لكنّ مصادر أمميّة تقول، إن "أفضل بديل عن اليونيفل هو لجنة مراقبة الهدنة (UNTSO) التابعة لمكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان (UNSCOL)"، خصوصًا أنها تستطيع القيام بمهام مراقبة "الخروقات" "الإسرائيلية" أو اللبنانية رغم عديدها الصغير، ويمكن توسيع مهامها للمراقبة في حال توسيعها. لكن تضيف المصادر أنه "يبدو أن الدول الأوروبية باتت تفضّل رؤية أعلامها بدل رؤية رايات الأمم المتحدة".
ولا تنفصل زيارة قائد الجيش رودولف هيكل لهولندا عن هذا السياق، وهو بحث نهاية الشهر الماضي مع نظيره الهولندي الجنرال أونو إيشلشايم، مستقبل الحضور الأوروبي من ضمن ملفات أخرى. كذلك فُهم من الزيارة توجّه أوروبي بدعم الجيش وهيكل، خصوصًا أن ذلك أتى بعد إلغاء زيارته للولايات المتحّدة، مع تخوّف الأوروبيين من الضغط الأميركي الزائد على الجيش اللبناني.