مقالات مختارة
صحيفة الأخبار - جمال غصن
غالباً ما يبحث العالم عن معنى في الرموز. قد تكون هذه الرموز رسوماً، كما إنها قد تكون عوارض أو عوامل طبيعية…وقد تكون أرقاماً. لكن في تاريخ البشريّة، هناك أزلٌ من البحث في اللاشيء لإيجاد أيّ شيء ذي معنى، ولا بد أنّ هناك أبداً لاحقاً على نفس النهج. في الذاكرة الجماعية لجيلي وجيل أهلي الرقم 67 بعدديه الـ6 والـ7 نظير شؤم. الـ67 نكسة عابرة للأجيال. قبل عامٍ كان يصعب شرح مفهوم النكسة لأجيالٍ ثورية طافت في بلاد العُرب بُعيد ربيع عام 2011 الثوري الملوّن والمعطّر بأزهارٍ انتشرت في ساحات تجمّع كاميرات الإعلام العالمي. ياسمين في مكان… نارنج وقاط وحشيش في ساحات أخرى.
لا تعنينا في منطقتنا روائح اعتدناها أباً عن جدّ. إنها صباحنا وليالينا وحياتنا اليومية منذ أجيال وإن رآها غيرنا ثورةً. والأرقام عندما تقصد التواريخ، فوجدنا لها فتاوى وروزنامات تتلاعب بها وتضربها وتقسمها وتطرحها بعرض الحائط، ثمّ تجمعها فتاتاً في ذكريات مصطنعة. فهي أرقامٌ لا قيمة فعلية سوقية لها. الـ6-7 الأميركية هي فتات البحث عن معنى لما يحدث. الظاهرة الرقمية وكمية المحتوى «الثقافي» و«الترفيهي» وساعات البث الفضائي وهدر الطاقات المستهلكة في خوادم الحواسيب لتحليل ذلك المحتوى قد تكون كافية، ليس فقط لإسقاط إمبراطوريات، بل لحذف الرقمين ستة وسبعة من علوم الرياضيات لأنها قد تبيد البشرية كما نعرفها وكل الكائنات الحيوية التي فهمت رياضياً مفهومَي الرقمين، 6 و7.
تدمر، مدينة في بادية ليست محبّذة للسكن وقد هجرها سكانها منذ أجيال إلى ضواحٍ باتت مدناً في قرونٍ سبقت نكبة الـ67، ومن هذه المدن دمشق وبغداد وبيروت. لكنّ تدمر زنّوبيا بقيت لوجيستياً نقطة تشابك تربط منطقتنا على أكثر من محور. تماماً كما غزة هي زنبرك حضاري تاريخي وجغرافي. تدمر، النقطة الصحراوية التاريخية، قاومت للحظة وخربطت حسابات كثر… من حكام الشام المؤقتين، إلى سيدهم ونبيّهم دونالد ترامب في واشنطن. لكن الأزمة ليست في الشام اليوم، فهي مأزومة منذ أبد. الأزمة السورية اليوم هي عند أسياد خلفاء «الأبد».
لا تعنينا المعاني الرمزية للأرقام، لأن تاريخنا ليس محدوداً بأرقام تسلسلت في سنة معينة كعام 1967 من القرن الماضي. ذاك العام كان نكسة. كذلك كان العام الذي مضى. لكننا إذ قرّرنا التركيز على الأرقام ورمزيتها في العامين الماضيين، فإن الـ67 نكسة أميركية. ليس لأن للأرقام معنى بل لأن الإمبريالية الرأسمالية ارتأت في آخر عمرها أن تحتسب الرموز ربحاً، ومنها الأرقام المتداولة عبثياً وبكل براءة يومياً.
مثل رقمَي الستة والسبعة. هناك عشرات الملايين من جيلٍ أميركيّ يرون في تتابع عددي الستة والسبعة حالة ثقافية احتفالية تتمظهر في المجامع وعلى شاشات التلفزة كلحظة ثورية يهتف لها جيلٌ صاعدٌ. ستة سبعة… أو سيكس سيڤن بالإنكليزية… أو سيكس بيكو بالاستعمارية…أرقام ورموز وأصوات لا معنى لها في تدمر أو حلب أو بيروت أو دمشق أو حيفا وما بعد بعد حيفا.