مقالات مختارة
عبد الباري عطوان - صحيفة رأي اليوم الالكترونية
فجأة، وبعد مقتل جنديين أمريكيين ومترجم وإصابة ثلاثة آخرين على يدي رجل مسلح ينتمي الى قوات أمن سورية الجديدة، اثناء اجتماع عسكري مغلق انعقد بإشراف القيادة الامريكية العسكرية الوسطى في مدينة تدمر للتنسيق لوضع استراتيجية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، تحولت الدولة الإسلامية (داعش) الى “قوة عظمى” تهدد أمن منطقة الشرق الأوسط، وأوروبا، وامريكا، وربما مجرات زحل والمريخ أيضا.
فجأة أيضا، ودون أي مقدمات، جرى احياء، وتفعيل، تحالف أسسته الولايات المتحدة الامريكية عام 2014 تحت اسم “التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي”، وانضم الى هذا التحالف الدولة السورية الجديدة، التي تلتقي مع “داعش” في الكثير من الأيديولوجيات الإسلامية المتشددة، واكد ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي الى منطقة “الشرق الأوسط” ان الرئيس احمد الشرع، حليف “داعش” سابقا، تعهد اثناء زيارته الأخيرة الى أمريكا ولقائه مع الرئيس دونالد ترامب على الانضمام للتحالف المذكور الذي لن تقتصر عملياته العسكرية على القضاء على الدولة الإسلامية (داعش) فقط، وانما كل الحركات “الإرهابية” الأخرى، من بينها “حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس” في غزة، و”انصار الله” في اليمن، ومن سيّنضم الى هذه القائمة في الأشهر والسنوات المقبلة.
فجر اليوم السبت أقدمت القوات الامريكية في سورية على شن هجمات موسعة على اكثر من 70 هدفا في البادية السورية من بينها بنى تحتية، ومخازن أسلحة قيل انها تابعة لداعش، مما أدى الى مقتل خمسة من مقاتليها، واصابة آخرين لم يحدد البيان العسكري الأمريكي عددهم.
كان لافتا ان الأردن اكد مشاركته لقوات التحالف الدولي في قصف اهداف لتنظيم “داعش” في سورية، و”ان سلاح الجو الملكي الأردني شارك بتنفيذ ضربات جوية دقيقة استهدفت عددا من الأهداف التابعة لعصابة داعش الإرهابية في مناطق متعددة في سورية”.
من المفارقة ان هذه الهجمات للتحالف المذكور تزامنت مع توغل إسرائيلي اليوم للمرة الثالثة، في ريف محافظة القنيطرة، حيث اقتحمت الدبابات والعربات المدرعة الاسرائيلية عدة مناطق فيها، وأقامت حواجز أمنية، واعتقلت العديد من ابناء المنطقة الذين تظاهروا في وقفات احتجاجية بمشاركة العشرات منهم في مدينة السلام في المحافظة احتجاجا على هذه التوغلات الإسرائيلية، وخطف وقتل العديد من أبنائها السوريين.
القوات الامريكية لم ولن تقصف أهدافا إسرائيلية داخل سورية، او العمق الفلسطيني المحتل وجبل الشيخ وهضبة الجولان السورية لحماية المواطنين السوريين من الصواريخ والدبابات الإسرائيلية، ووضع حد للإرهاب الإسرائيلي جنبا الى جنب مع تهديد “عصابات داعش”، ولكن يبدو ان هناك “إرهابا حلالا”، وآخر “حراما”، من وجهة نظر العدالة الامريكية، فالإرهاب الإسرائيلي مسموح ومرحب به حتى لو وصلت صواريخه الى القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ومقر هيئة اركان الجيش في قلب دمشق.
نتمنى ان نعرف ما هو المقابل الذي سيحصل عليه الأردن الشقيق مقابل هذا التجاوب السريع للطلب الأمريكي في ارسال سلاح جوه وطائراته الحربية والمروحية لقصف قواعد “داعش” والبنى التحتية لقواتها ومخازن أسلحتها في سورية، فهل ستوقف أمريكا وقيادتها المركزية الاختراقات الإسرائيلية لوقف اطلاق النار في قطاع غزة وقتل العشرات من اهالي القطاع يوميا، او لنترك غزة جانبا، ونسأل هل ستلزم أمريكا بنيامين نتنياهو على الأقل بضخ حصة الأردن من المياه التي اوقفها؟ وهناك امثلة عديدة في هذا المضمار لا نريد ذكرها، وربما نعود اليها لاحقا.
أكثر ما نخشاه ان هذه الانتفاضة الامريكية المسلحة ربما لا تكون حركة “داعش” الإرهابية هي الهدف الأساسي لها، وانما الهدف المقاومة الإسلامية الوطنية التي بدأت تطل برأسها في سورية ومحيطها وخاصة سفوح جبل الشيخ في الجنوب السوري.
ربما يفيد في هذه المناسبة التذكير بالتصريح الخطير الذي أدلى به الرئيس ترامب في حفل عيد الانوار اليهودي الذي أقامه في البيت الأبيض امس الأول، وتباهى فيه بأنه هو الذي اهدى هضبة الجولان الى إسرائيل، واكتشف لاحقا ان قيمتها ليست بالمليارات كما اعتقد وانما تريليونات الدولارات، لما تحتويه ارضها من معادن نادرة، ونفط حجري، وموقع عسكري استراتيجي، وتزود إسرائيل بثلث احتياجاتها المائية.
لا شك ان “داعش” تشكل خطرا على أمن واستقرار سورية ونظامها الجديد، وربما حكومات أخرى في المنطقة، ولكنه خطر محدود بالمقارنة الى الخطرين الإسرائيلي والامريكي.
فأيديولوجيا التطرف الإسلامي التي تدعي أمريكا محاربتها، ليست الخطر في مضمونها، وتعاليمها، وأسسها، وعناصرها، وسلاحها، وانما في خندق من تقف هذه الأيديولوجيا وفي خدمة منّ توظف، فاذا كانت تخدم أمريكا ومصالحها، ومخططاتها الداعمة لإسرائيل وحرب ابادتها، فأهلا وسهلا بها، اما اذا كانت غير ذلك فان التحالفات لشن الحرب عليها، واجتثاثها جاهزة، ولا تحتاج الا ضوءا أخضر من واشنطن والقيادة المركزية الوسطى للجيش الأمريكي.. والأيام بيننا.