عين على العدو
التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل": التزام قانوني أميركي وتداعياته الإقليمية
استمرارية تفوق "إسرائيل" العسكري الإقليمي ليست مضمونة
كتب المدير السابق لمكتب الشؤون العسكرية والسياسية في وزارة الخارجية الأميركية جوش بول، مقالة تناول فيها الالتزام الأميركي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"، مشيرًا إلى أن نهج إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال الميزان العسكري في الشرق الأوسط لا تحكمه الاعتبارات السياسية فحسب، بل يقوم أيضًا على شرط قانوني أميركي ينص صراحة على الحفاظ على هذا التفوق.
وأوضح الكاتب أن هذه السياسة تعود إلى ما يقارب خمسة وأربعين عامًا، وقد اعتُمدت باعتبارها وسيلة لضمان استقرار الشرق الأوسط من خلال ضمان تفوق "إسرائيل" العسكري على خصومها الإقليميين. غير أنه حذّر من أن هذا الالتزام قد يخلق حوافز تدفع إلى عمل عسكري "إسرائيلي" يزعزع الاستقرار ويؤدي إلى إشعال سباق تسلح، بما قد يفضي في نهاية المطاف إلى تقويض المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة.
وأشار بول إلى أن أمام الحكومة الأميركية ثلاثة خيارات عند النظر في صفقات بيع السلاح للمنطقة عندما تشكّل هذه الصفقات تحديًا للتفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل". ويتمثل الخيار الأول في تزويد "إسرائيل" بقدرات عسكرية إضافية لضمان بقائها متقدمة على غيرها. وضرب مثالًا على ذلك باقتراح إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تزويد "إسرائيل" برادارات متقدمة قادرة على كشف طائرات من طراز F - 16 من مسافات بعيدة، وذلك بالتزامن مع اقتراح بيع هذه الطائرات لدولة الإمارات عام 2013.
وتابع الكاتب أن التفوق العسكري النوعي قد يسهم في إشعال سباق تسلح في الشرق الأوسط إذا ما دفعت القدرات التي تحصل عليها "إسرائيل" دولًا إقليمية أخرى إلى تعزيز أنظمتها الدفاعية. وفي هذا السياق، أشار إلى قانون مراقبة صادرات الأسلحة، ولا سيما الفقرة الأولى منه التي تنص على أن سياسة الولايات المتحدة تقوم على تثبيط سباق التسلح. وبناء على ذلك، خلص إلى أن مبيعات السلاح المرتبطة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي قد تشكّل انتهاكًا مباشرًا للقانون الأميركي إذا أدت إلى إشعال سباق تسلح.
أما الخيار الثاني، فيتمثل وفق الكاتب في فرض قيود على صفقات التسلح، سواء من حيث الكمية عبر تحديد سقف لما يُزوَّد به بلد عربي معين، أو من حيث الجغرافيا على أساس المسافة بين الدولة المتلقية و"إسرائيل". كما يمكن أن تكون هذه القيود ذات طابع تكنولوجي، بما يضمن حصول "إسرائيل" على نسخ أكثر تطوّرًا من القدرات العسكرية.
وفي ما يتعلق بالخيار الثالث، أوضح بول أنه يقوم على الامتناع عن إتمام صفقات التسلح بهدف الحفاظ على تفوق "إسرائيل" النوعي، لكنّه نبّه إلى أن هذا الخيار قد لا يكون مناسبًا لواشنطن. ولفت إلى أن لوبي صادرات السلاح في الولايات المتحدة غالبًا ما يجادل بأن تزويد الدول بالسلاح أفضل من لجوئها، ولا سيما تلك التي لديها سجل سيئ في حقوق الإنسان، إلى منافسين للولايات المتحدة. غير أنه شدد على أن الشرط القانوني للحفاظ على تفوق "إسرائيل" النوعي يعني أن الامتناع عن إتمام صفقات البيع مع دول عربية قد يكون أحيانًا الخيار الوحيد، محذرًا من أن هذه الدول قد تلجأ في مثل هذه الحالات إلى أطراف ثالثة للحصول على القدرات الدفاعية التي تعتبرها ضرورية. وخلص إلى أن هذا الواقع يدفع "شركاء" الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى تحويل سلاسل توريدهم العسكرية نحو دول مثل الصين وروسيا.
وأضاف الكاتب أنّ الشرط القانوني الخاص بالحفاظ على تفوق "إسرائيل" يفرض قيودًا على صادرات السلاح الأميركية إلى جميع الدول العربية، سواء على مستوى التطور التكنولوجي أو من حيث العدد. وحذّر من أن أوراق القوّة الأميركية قد تتقلص في حال فقدانها تفوقها في التكنولوجيا العسكرية، مشيرًا إلى أن القيود الأميركية على صادرات السلاح قد تشجع دولًا عربية على التوجّه إلى مزودين آخرين، مثل الصين أو فرنسا، للحصول على أنظمة تسليح عالية الجودة.
وتطرق بول إلى مخاوف أوسع تتعلق بتداعيات التفوق العسكري النوعي على السياسة الخارجية و"الأمنية" لـ"إسرائيل"، لافتًا إلى أنّ "تل أبيب" قد ترى في هذا التفوق بديلًا عن الانخراط في المسارات الدبلوماسية، اعتمادًا على اطمئنانها إلى الدعم الأميركي المستمر. إلا أنّه أشار في المقابل إلى أنّ هذا التعويل على القوّة العسكرية يسهم في انعدام الاستقرار في المنطقة، ويؤدي إلى تغذية ديناميكيات عدم الاستقرار بدلًا من الحد منها.
وتناول الكاتب المقترحات الداعية إلى توسيع تعريف التفوق العسكري النوعي ليشمل تفوق "إسرائيل" على تركيا، محذرًا من أن ذلك قد يفضي إلى مزيد من التعقيدات عبر إعطاء أولوية لقدرات "إسرائيل" على حساب دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.
وفي ختام مقاله، أشار بول إلى ما يذهب إليه محللون عسكريون من أنّ العالم يقف على أعتاب ثورة عسكرية جديدة تتسم بانتشار أنظمة سلاح منخفضة الكلفة وقادرة على التغلب على القدرات التقنية العالية. واعتبر أنّه إذا صح هذا التقدير، فإن تفوق "إسرائيل" العسكري النوعي مرشح لعدم الاستمرار في ميزان القوى في الشرق الأوسط. ودعا صناع القرار في الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى البحث عن بدائل للهيمنة العسكرية "الإسرائيلية" وما تسببه من هشاشة وعدم استقرار في المنطقة، مؤكدًا أنّ الدبلوماسية والتسويات تبقى المخرج الوحيد من العزلة التي فرضتها "إسرائيل" على نفسها عبر عقيدة التفوق العسكري النوعي. وأضاف أنّ على "إسرائيل"، إذا كانت تعتزم التراجع عن استخدام القوّة العسكرية كخيار أول، أن تدرك مسبقًا أن تفوقها العسكري الحالي ليس دائمًا، بل عابر.