عين على العدو
في مقال رأي نشرته صحيفة "معاريف" اليوم، توقف سفير الاحتلال السابق في واشنطن زلمان شوفال عند كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حفل عيد الأنوار (حانوكا) اليهودي الذي أُقيم في البيت الأبيض، حين قال لأحد الحاضرين إن "تأثير اليهود في مجريات الأمور داخل الولايات المتحدة قد تغيّر، ولم يعد كما كان في السابق".
ورأى شوفال أن ترامب كان محقًا في ذلك، مضيفًا "ربما أراد ترامب إيصال رسالة سياسية مفادها أن يهود الولايات المتحدة يدفعون اليوم ثمن دعمهم التقليدي للحزب الديمقراطي، الذي تحوّل في أجزاء واسعة منه إلى حزب معادٍ لـ"إسرائيل" ومؤيد للفلسطينيين. وقد تتفاقم هذه الحقيقة إذا ازداد، في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل، عددُ أعضاء الكونغرس الديمقراطيين المحسوبين على اليسار والمعارضين لأي دعم لـ"إسرائيل"، وهو احتمال وارد في ضوء فوز ممداني في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك".
وتابع شوفال "حتى لو كان ترامب محقًا في هذه الرسالة، فإنه تجنّب الإشارة إلى تطوّر موازٍ داخل حزبه الجمهوري. فترامب ليس "مُعاديًا لـ السامية"، غير أن جزءًا من النواة الأيديولوجية المتشددة في حزبه، المعروفة باسم "ماغا" (MAGA)، وهو اختصارٌ لشعار "أعيدوا لأميركا عظمتها"، والتي تضمّ شرائح واسعة من شباب الحزب، يتسم بعداء واضح لليهود، إلى حد تبنّي مواقف تُذكّر بسنوات الثلاثينيات في ألمانيا. بل إن أفراد هذه الفئة الحزبية يرون في دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" تعارضًا مع التوجهات الانعزالية التي، برأيهم، مكّنت ترامب من الفوز في الانتخابات".
بحسب شوفال، شخصيات مثل الإعلامي تاكر كارلسون، الذي أتاح منبرًا لخطاب "معادٍ لـلسامية" تبنّاه المؤثّر المؤيد للنازية نِك فوينتِس، و"المنظّر" المحافظ ستيف بانون، الذي كان في الماضي مقرّبًا من ترامب، يقودون خطًا سياسيًا يتجلّى أيضًا في معارضة الخطوات الأميركية ضد إيران وفي إدانة النشاط "الإسرائيلي" ضد حماس في غزة. غير أن الأبرز بينهم هو كورت ميلز، رئيس تحرير صحيفة محافظة متطرفة، حاول في السابق من دون نجاح الترشح لنيل ترشيح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة. ووفق رأي ميلز، فإن دعم "إسرائيل" يتعارض مع التوجهات الحقيقية للحزب، وهو يعمل على إدخال بنود معادية لـ"إسرائيل" إلى برنامج الحزب استعدادًا للانتخابات المقبلة.
ويردف سفير الاحتلال السابق في واشنطن "في الوقت الراهن لا تزال هذه المجموعة أقلية داخل صفوف الجمهوريين، وحتى داخل تيار "ماغا"، غير أن وزنها ليس هامشيًا. كما أن ترامب لم يبدِ تجاهها أي تحفّظ علني. وتظهر مؤشرات واضحة على أنه، كما هو الحال في الحزب الديمقراطي، ستتحول مسألة دعم "إسرائيل" والتماهي القيمي والعملي معها لدى الجمهوريين أيضًا إلى قضية مركزية ومثيرة للجدل في النظام الانتخابي، وهي توقعات لا تستطيع "إسرائيل" ويهود الولايات المتحدة تجاهلها".
من وجهة نظر شوفال، الوضع في هذا الشأن يختلف كليًا عمّا كان عليه في الماضي، حين كان دعم "إسرائيل" شبهَ إجماع داخل الحزبين وفي التيارات المختلفة في كلٍّ منهما. فالصراع حول هذه القضية ليس خاسرًا سلفًا في أي من الحزبين، غير أن الرياح العاتية التي تهبّ في واشنطن تفرض اعتماد خطوط عمل مشتركة ومغايرة لتلك التي اتُّبعت سابقًا، بما في ذلك بلورة موقف موحّد بين "إسرائيل" والجالية اليهودية الكبرى في الولايات المتحدة، وهو موضوع أهملته حكومات "إسرائيل" المتعاقبة. كما ينبغي ألّا تُنقل الصراعات السياسية في "إسرائيل" إلى الساحة الأميركية، خشية أن تُستغل ضدّنا وضد اليهود هناك.
ويُشير شوفال الى أنه يتضح من المؤتمر السنوي للحزب الذي عُقد قبل أسبوعين في ولاية أريزونا إلى أيّ حدّ أصبحت الخلافات حول إسرائيل، وما يترتب عليها أيضًا من تداعيات تتعلق بمعاداة السامية، قضيةً مركزية داخل الحزب الجمهوري (بينما هي كذلك منذ زمن في الحزب الديمقراطي).
ويتابع "هناك بذل نائب الرئيس فانس جهدًا استثنائيًا لرأب الصدع بين التيارات المتشددة". وقال في خطابه: "لم يبنِ الرئيس ترامب أكبر ائتلاف سياسي من خلال إخضاع مؤيديه لاختبارات نقاء لا تنتهي". وعلى الرغم من أن كلماته قوبلت بتصفيق واسع، فإنها لم تُبدّد الانطباع الذي خلّفته قبل ذلك السجالات الحادة بين المعسكرات المختلفة".
وختم "أحد المتحدثين الرئيسيين، ستيف بانون، وصف المعلّق السياسي اليهودي والمؤيد لـ"إسرائيل" بن شابيرو بأنه "سرطان متفشٍ". مثل هذه التصريحات تبدو مألوفة، وليست من تاريخ بعيد. ومرة أخرى ثبت أنه عندما يتعلق الأمر باليهود، يلتقي اليمين واليسار".