مقالات

قمة بغداد العربية.. لا جدوى من الأقوال بلا أفعال!
منذ بضعة أسابيع، تجري الاستعدادات والتحضيرات في العاصمة العراقية بغداد، على قدم وساق، للقمة العربية الرابعة والثلاثين، المزمع انعقادها في السابع عشر من شهر أيار-مايو الجاري. وهي ثاني قمة عربية يستضيفها العراق بعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، إذ إنه استضاف في عام 2012 القمة العربية الثالثة والعشرين، في ظل أجواء وظروف محلية وإقليمية مضطربة نوعًا ما.
من الطبيعي والمنطقي جدًا، أن تحرص الحكومة العراقية على إنجاح القمة من الناحيتين الفنية والسياسية والأمنية، في ما يتعلق بحسن التنظيم، ومستوى الحضور، والموضوعات المفترض طرحها وتناولها واستعراضها، وأولويات تلك الموضوعات، وألاهم من كل ذلك، النتائج والمخرجات التي ستنتهي إليها القمة.
ولا شك أن نجاح القمة في حال تحقق، سيسجل في جانب منه نجاحًا سياسيًا للعراق، وتعزيزًا لأدواره الدبلوماسية الإيجابية في محيطه العربي وفضائه الإقليمي، كما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فضلًا عن إثبات وتأكيد حقيقة أنه-أي العراق-تجاوز وغادر مرحلة الفوضى والاضطراب الأمني والسياسي، وراح يستعيد مكانته كدولة فاعلة ومؤثرة في إيجاد حلول للمشاكل والأزمات، بدلاً من أن تكون هي جزءًا منها.
ولعل المعروف عن مختلف القمم العربية، بدءًا من أول قمة عقدت في مدينة الإسكندرية المصرية عام 1946، وصولًا إلى القمة الطارئة التي استضافتها القاهرة قبل نحو شهرين، أنها لم تتمكن من ترجمة الأقوال والخطابات والشعارات الجميلة والرنانة الى أفعال تسهم في تغيير الواقع، وإصلاح ما يمكن إصلاحه. والدليل على ذلك، أن العرب بدولهم الاثنتين والعشرين، وقممهم الكثيرة، ومؤتمراتهم المتواصلة على شتى الصعد والمستويات، لم يتمكنوا من المحافظة على فلسطين ومنع قيام ما يسمى بـ"دولة إسرائيل" في عام 1948، ناهيك عن ردع الكيان الصهيوني لاحقًا من التوسع واحتلال المزيد من الأراضي العربية في مصر وسورية ولبنان والأردن. وناهيك عن الحؤول دون تمكين ذلك الكيان الغاصب من كسب المزيد من الدعم والإسناد الدولي، لا سيما من القوى الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
معظم-إن لم يكن كل- القمم العربية، حفلت بالكثير من الخطابات النارية الرنانة والجوفاء للزعماء العرب، في ذات الوقت التي كانت في كل مرة تكشف وتؤكد عمق المأزق العربي، حيث التناقض والازدواجية والخلافات والمؤامرات البعيدة كل البعد عن القضايا المصيرية التي تهم الشعوب، وقد تكون القضية الفلسطينية أبرزها.
ومن دون شك، سيكون الملف الفلسطيني بكل تداعياته الكارثية خلال العامين المنصرمين، على رأس جدول أعمال قمة بغداد العربية، وهذا شيء مهم جدًا، بيد أن الأهم هو ماهية وطبيعة الخطوات العملية للأنظمة والحكومات العربية حيال ما جرى لأبناء الشعب الفلسطيني على أيدي الكيان الصهيوني من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
واليوم، فإن تفاعلات وتداعيات جرائم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في قطاع غزة الفلسطيني اتسعت وامتدت إلى لبنان وسورية واليمن، وربما إلى دول أخرى، وهذا ما يستدعي من القادة والزعماء العرب بحث ومناقشة كل ذلك حينما يلتئم شملهم فى بغداد بعد بضعة أيام.
وإن سقوط عشرات الآلاف من الفلسطينيين، شهداء وجرحى بفعل آلة التدمير الصهيونية، إلى جانب الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الحيوية من مستشفيات، ومدارس، ومجمعات سكنية، ومحطات كهرباء، وطرق وجسور وغيرها، ينبغي أن تكون له أولوية في قمة بغداد، ومعه ما جرى في لبنان، وما جرى ويجري في اليمن من جرائم وانتهاكات، وما جرى ويجري في سورية في ظل حكم هيئة تحرير الشام الإرهابية.
ليس هذا فحسب، بل إن ما تعيشه ليبيا من ظروف وأوضاع اقتصادية وحياتية وسياسية وأمنية صعبة، وما يواجهه السودان من مخاطر وتحديات، لا يبتعد في كل الأحوال عن الأجندات والمخططات والمؤامرات الصهيونية-الأميركية-الغربية التي تهدف الى إغراق دول المنطقة وشعوبها بالفوضى والمعاناة والصراعات.
قمة بغداد العربية، إن لم تخرج بقرارات وخطوات ومبادرات حقيقية لنصرة ومساندة ودعم الشعوب العربية في فلسطين واليمن ولبنان وسورية، لن تكون لها جدوى ولن تكون مختلفة عن سابقاتها من عشرات القمم والمؤتمرات، وإن لم تخرج بقرارات وخطوات ومبادرات تسهم ببلورة مواقف عربية شجاعة وجريئة وواضحة تردع الكيان الصهيوني، وتعيد تصحيح المسارات الخاطئة، ووضع حد للمواقف المتخاذلة، فإنها لن تكون سوى مضيعة للوقت وتبديد للجهد. وإن لم تنهِ مهازل التطبيع العربي المذل والمهين مع كيان الإجرام الصهيوني، فإنها لن تكون سوى مسرحية بائسة وساذجة لا تشغل ولا تقلق أي طرف من الأطراف، وتحديدًا واشنطن و"تل ابيب".
ما من شك أن العراق، وعبر مواقفه الرسمية وغير الرسمية الداعمة لقضايا الشعوب العربية، يسعى جاهدًا إلى أن تبلور قمة بغداد حقائق عربية جديدة، بيد أن واقع الحال يبدو غير مشجع، في ظل تقاطع الإرادات والمصالح، واختلاف التوجهات والمواقف العربية حول القضايا الكبرى والصغرى على السواء.
والحقيقة المهمة والأساسية التي ينبغي التأكيد عليها والتنبيه إليها، هي أن كل ما سيتفق عليه الحكام العرب خارج دائرة قضايا وهموم شعوبهم المظلومة والمضطهدة لا قيمة له، وكل موقف نظري لايترجم الى فعل عملي على الأرض لا جدوى منه. هكذا أكدت التجارب وأثبتت الميادين!.