خاص العهد
ها هي كربلاء المقدّسة تستقبل ملايين المحبّين، وتتهافت إليها قلوب العاشقين من كلّ فجّ عميق، في مشهد يخطف الأبصار والقلوب ويثير المشاعر، يتجدّد اللقاء بين الأمّة وحبيبها الإمام الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس(ع)، حيث تتحوّل الأرض بين النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وفي طريق يا حسين إلى صفحة بيضاء تكتب عليها أقدام الزائرين أروع قصص الإيمان والوفاء.
وكما الأعوام الماضية، تجاوزت مسيرة الأربعين هذا العام كلّ التوقّعات، حيث شهدت حضورًا غير مسبوق ومليونيًّا للزائرين من مختلف أقطار العالم، جاؤوا يحملون في قلوبهم حبّ الحسين (ع) بشعار إنا على العهد، وفي وجوههم علامات الشوق والوله، وعلى ألسنتهم ذكر "لبّيك يا حسين" يتردّد كأنّه نشيد الحرّية الأبدي.
الزوار الإيرانيون.. حضور يعانق السماء
ما أروع تلك الصور التي تجسّدت في المسير! الزائرون الإيرانيون يأتون بأعداد غفيرة ومليونية، رجالًا ونساءً، شيبًا وشبابًا وأطفالًا، كلّهم قد توحّدوا تحت راية الحسين (ع).
لقد حملوا معهم روح الثورة الإسلامية وعهد الشهداء، إلى جانب إخوانهم من بقية دول العالم.
وهم اليوم يقفون صفًّا واحدًا مع إخوانهم العراقيين، ليثبتوا أنّ دماء الشهداء التي روت أرض كربلاء ما زالت تثمر عزّة وكرامة.
وهذا ما شهدناه خلال صمود الشعب الإيراني وانتصاره في الحرب الصهيونية المفروضة على إيران، حيث شهدت زيارة هذا العالم تفاعلًا شعبيًا كبيرًا مع هذا النصر الإلهي.
صوت فلسطين وغزّة.. صوت الملايين في كربلاء
وسط هذه الزيارة المليونية العالمية، برزت قضية فلسطين كواحدة من أبرز سمات المسيرة هذا العام.
لقد حمل الزائرون الأعلام الفلسطينية وردّدوا الهتافات المؤيّدة للمقاومة، حاملين صور شهداء المقاومة وخاصة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله والشهيدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس والشهداء على طريق القدس.
لقد تحوّلت المسيرة إلى منبر عالمي لإدانة جرائم الكيان الصهيوني، حيث رأينا الصور المؤثّرة لأطفال غزّة الشهداء تزيّن جدران المواكب خاصة موكب نداء الأقصى، وكأنّ الامام الحسين (ع) يستقبل في روضته المطهّرة أرواح هؤلاء الأبرياء الذين ساروا على درب شهادته بصمودهم ومقاومتهم.
وحدة الصفّ.. دروس كربلاء الخالدة
في هذا المحفل العظيم، ذابت كلّ الفوارق. رأينا العراقي والإيراني، اللبناني والباكستاني، الكويتي والهندي، ومن مختلف دول العالم جميعهم يسيرون جنبًا إلى جنب، يتشاركون الدموع والابتسامات والشموخ. ها هي الأمّة الإسلامية تظهر بوحدتها التي ترهب الأعداء، وتثبت أنّ كربلاء ستظلّ عنوان الوحدة الأبدي.
الزائرون يروون
فاطمة وهي طالبة جامعية إيرانية تقول لموقع "العهد" الإخباري "جئت إلى كربلاء لأجدد عهدي بالإمام الحسين (ع) ولأدعو لنصرة أهل غزّة. كل خطوة في هذه المسيرة تذكرني بتضحيات الشهداء، خاصة الشهيد قاسم سليماني والشهيد السيد حسن نصر الله. نحن هنا لنقول للعالم: نحن مع المقاومة حتّى النصر".
بدوره، يقول الشاب العراقي علي من بغداد لـ"العهد": "هذه هي السنة العاشرة التي أشارك فيها في مسيرة الأربعين. المشهد الأكثر تأثيرًا بالنسبة لي هو رؤية الأطفال يحملون أعلام فلسطين.
هذا يثبت أن القضية الفلسطينية ستظل حية في قلوب الأجيال القادمة".
الطفل اللبناني حسن يقول لـ"العهد" "أبي أخبرني أن الإمام الحسين (ع) ضحى بنفسه من أجل الحق. وأنا أريد أن أكون مثل الشهداء الذين يدافعون عن فلسطين. وأحب أن أشارك في المسيرة لأنها تجمع الناس من كلّ مكان".
الحاج محمد وهو موظف متقاعد، من البحرين، يقول لموقعنا: "شاركت في مسيرة الأربعين لأكثر من ١٥ عامًا. واليوم، المسيرة أصبحت أكبر وأقوى، ورسالتها هذا العام أوضح: لا مكان للصهاينة في أرض فلسطين".
العراق يكتب ملحمة الكرم
وما أروع كرم الشعب العراقي! لقد حوّل أبناء الشعب العراقي مواكبهم وبيوتهم إلى موائد خدمة للزائرين، وفتحوا قلوبهم قبل أبوابهم.
تلك الموائد الطاهرة لم تكن تقدّم الطعام فحسب، بل كانت توزّع دروسًا في الإيثار والعطاء.
لقد أثبت العراقيون أنّهم خير خلف لخير سلف، يحفظون عهد أبي الفضل العباس(ع) في السقاية وخدمة الملهوفين. كما بذلت الحكومة العراقية جهودًا جبّارة لاستقبال هذا العدد الهائل من الزائرين، حيث رأينا تطوّرًا كبيرًا في البنى التحتية وتقديم الخدمات للزائرين وتعزيز الإمكانيات لتسهيل مرور وحضور الزائرين.
دروس تتجدّد
ها هي ذي مسيرة الأربعين تثبت عامًا بعد عام أنّها ليست مجرّد مناسبة، بل هي مدرسة تخرّج أجيالًا من المؤمنين الأحرار، وهي رسالة واضحة لكلّ المستكبرين في العالم أنّ الأمّة حيّة بقلبها النابض في كربلاء، فيا سيدنا الإمام الحسين(ع)، ها هم عشّاقك قد أتوك من كلّ حدب وصوب، يحملون في قلوبهم حبّك، وفي عقولهم دروس ثورتك، وفي أرواحهم عهدًا أنّهم سيسيرون على دربك حتّى تحرير كلّ أرض وكلّ مقدّس، وإنا على العهد..