خاص العهد
من غزةَ إلى بابِ المندب.. هذه خلفيات المخطط الصهيوني لتمزيق الصومال
اعتراف خارج الشرعية الدولية: قراءة قانونية في محاولة الاحتلال ضرب وحدة الصومال وزعزعة القرن الإفريقي
في خطوة تتجاوز حدود التصريح السياسي إلى حقل الاشتباك القانوني الدولي، فجّر إعلان كيان الاحتلال "الإسرائيلي" اعترافه بجزء من إقليم دولة الصومال السيادية أسئلةً خطيرة تمسّ جوهر النظام الدولي القائم على احترام السيادة ووحدة الأراضي. فهل نحن أمام سابقة قانونية عدوانية جديدة تضرب عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة، وتفتح الباب أمام شرعنة النزعات الانفصالية واستخدامها أداة للابتزاز السياسي والأمني في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، القرن الإفريقي وباب المندب؟
بين نصوص القانون الدولي الصريحة التي تحرّم المساس بالسلامة الإقليمية للدول، ومحاولات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الالتفاف على الشرعية الدولية عبر اعتراف لا يستند إلى أي مسوغ قانوني أو دستوري، تبرز إشكالية عميقة: ما القيمة القانونية لمثل هذا الاعتراف، وما تداعياته على وحدة الصومال والاستقرار الإقليم، وهل يرقى إلى مستوى التدخل في الشؤون الداخلية أو حتّى العدوان القانوني؟ أسئلة تضع هذا الإجراء تحت مجهر الشرعية الدولية، وتستدعي قراءة قانونية معمّقة لحدوده، مخاطره، والسبل المتاحة أمام الصومال لمواجهته في المحافل الدولية.
في قراءة قانونية حادّة وحاسمة، يقدّم المختص في القانون الدولي الدكتور عمر حامد لموقع العهد الإخباري مقاربة شاملة لخطوة كيان الاحتلال "الإسرائيلي" المتمثلة بالاعتراف بجزء من إقليم دولة الصومال، مرجحًا أنّ ما جرى لا يخرج عن كونه انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقانون الاتحاد الإفريقي، ولا يملك أي قيمة قانونية أو شرعية دولية.
ويؤكد حامد أنّ القانون الدولي ينظّم مسألة الاعتراف بالدول والأقاليم وفق قواعد واضحة، أبرزها احترام سيادة الدول ووحدتها الإقليمية، مشددًا على أنّ اعتراف كيان احتلال فاقد للشرعية أصلًا بإقليم منشق عن دولة عضو في الأمم المتحدة، هو اعتراف باطل قانونًا ولا يترتب عليه أي أثر في ميزان الشرعية الدولية. ويذكّر بأنّ الاتحاد الإفريقي أدان هذه الخطوة رسميًا واعتبرها مخالفة للقانون الدولي ولمبادئه المؤسسة، ما ينسف أي محاولة لإضفاء طابع قانوني عليها.
ويرى الدكتور حامد أنّ هذا الاعتراف ليس سوى أداة سياسية وأمنية، تهدف إلى تمكين الاحتلال من إيجاد موطئ قدم عسكري في القرن الإفريقي، وتحديدًا في منطقة أرض الصومال، بما يخدم أجندته العدوانية في البحر الأحمر وباب المندب، ويتيح له استخدام هذه المنطقة كقاعدة متقدمة لاستهداف اليمن ومحور المقاومة، بعد فشله في تحقيق أهدافه عبر المواجهة المباشرة.
ويضيف حامد بوضوح: "كلّ ممارسات الاحتلال، من الاعترافات الأحادية إلى الاتفاقات المفروضة بالقوّة، تمثل خرقًا فاضحًا لميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما المادّة الثانية التي تنص صراحة على احترام السلامة الإقليمية للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
ويتابع إنّ "الاحتلال دأب على تجاوز النصوص الدولية كافة، من اتفاقيات جنيف، إلى نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، حيث ارتكب جرائم موثقة ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية وتطهير عرقي".
ويشدد حامد على أنّ الاعتراف بإقليم منفصل كـ "أرض الصومال" لا يمنحه صفة الدولة دوليًا، طالما أنّ هذا الانفصال يجري خلافًا لإرادة الدولة الأم، ويفتقر إلى المقومات الأساسية للدولة وفق القانون الدولي، سواء من حيث الشرعية الشعبية، أو القدرة الاقتصادية، أو الاستقلال الحقيقي. ويؤكد أنّه لا يجوز الاعتراف بهذا الكيان لا إفريقيًا ولا عربيًا ولا دوليًا، وأنّ أي محاولة في هذا الاتّجاه تمثل تدخلًا مباشرًا في الشؤون الداخلية للصومال، وتحريضًا على التقسيم وزعزعة الاستقرار.
وفي المقارنة بين الاعتراف الذي يمارسه نتنياهو والشرعية القانونية الفعلية، يوضح حامد أنّ ما يقوم به الاحتلال هو اعتراف شكلي، سياسي، وقسري، لا يستند إلى أي توافق دولي أو مسار دستوري وطني، بعكس الشرعية القانونية التي تتطلب احترام إرادة الشعوب، والالتزام بالقانون الدولي، والحصول على قبول دولي واسع. ويضيف أنّ الاحتلال يحاول تعويض انعدام الشرعية بالقوّة العسكرية والدعم الأمني، مستفيدًا من تواطؤ بعض الأنظمة الوظيفية والدعم الأميركي.
أما بشأن الأدوات القانونية المتاحة أمام الصومال، فيشير حامد إلى أنّ مقديشو تستطيع نظريًا اللجوء إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية بدعم من الاتحاد الإفريقي، واعتبار هذا الإجراء عدوانًا قانونيًا يهدّد السلم والأمن الإقليميين. لكنّه يعترف في الوقت نفسه بأنّ المنظومة الدولية تعاني عجزًا بنيويًا، حيث تُشلّ قراراتها بفعل الفيتو الأميركي، كما حصل في قضايا كبرى تتعلق بجرائم الاحتلال في فلسطين.
وفي ما يتعلّق بإمكانية ملاحقة الكيان الصهيوني بتهمة التحريض على الانفصال وزعزعة الاستقرار، يرى حامد أنّ ذلك ممكن نظريًا، لكنّه يصطدم عمليًا بغياب آليات تنفيذ حقيقية، رغم صدور قرارات وإدانات واضحة بحق قادة الاحتلال من أعلى الهيئات القضائية الدولية.
ويحذّر الخبير القانوني من أنّ استخدام ملف "الاعتراف بالأقاليم" كسلاح سياسي وأمني، قد يحوّل "أرض الصومال" إلى قاعدة تهديد إقليمي لا تطاول الصومال وحده، بل قد تمتد تداعياتها إلى دول محورية مثل مصر، في إطار مخطّط أوسع للهيمنة على البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وفي ختام قراءته، يتطرّق حامد إلى الطرح الخطير المتعلّق بربط الاعتراف بإقليم منفصل باستخدامه كـ"منفى" لسكان غزّة، مؤكدًا أنّ القانون الدولي يعتبر ذلك انتهاكًا مزدوجًا: خرقًا لسيادة دولة مستقلة، ومشاركة في مشروع تطهير عرقي مرفوض قانونًا وأخلاقيًا. ويستبعد عمليًا إمكانية تنفيذ هذا السيناريو في ظل المعوقات الجغرافية والسياسية والشعبية، لكنّه يحذّر من خطورته الإستراتيجية إذا حاول الاحتلال فرضه بالقوّة، داعيًا إلى التنبه لمآلاته على الأمن الإقليمي والدولي.