مقالات

منذ السابع عشر من شهر أيار الحالي تجري مفاوضات مكثّفة، ودون شروط مسبقة بإدارة الوسيطين المصري والقطري، وتدخل مباشر من الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها للشرق الأوسط "ستيف ويتكوف". ويتوقع في هذه الجولة من المفاوضات بالدوحة، التوصل إلى اتفاق يوقف حرب الإبادة على قطاع غزة وانسحاب جيش الاحتلال "الإسرائيلي" وإدخال المساعدات والبدء في إعادة الإعمار، رغم أهوال الحرب والمجازر.
وهناك تقديرات تشير إلى إمكانية الحصول على هذه النتائج خلال هذه الجولة من المفاوضات رغم إعلان الجيش "الإسرائيلي" عن البدء بالعملية العسكرية الواسعة التي أطلق عليها اسم (مركبات جدعون)، وذلك بهدف الضغط لصالح مخطط التهجير والتوصل إلى صفقة جزئية تضمن تحقيق مكاسب سياسية لصالح نتنياهو، وإسكات الأصوات الخارجية والداخلية التي تطالب بصفقة شاملة توقف الحرب وتفرج عن الأسرى "الإسرائيليين" في قطاع غزة.
ورغم أن حركة حماس قد أعلنت أن مرحلة الصفقات الجزئية قد انتهت وأن مطالب الحركة لم تتغير وعلى رأسها وقف العدوان وانسحاب الجيش "الإسرائيلي" وإعادة الإعمار، يلاحظ بأن ما تسير إليه الأمور في المفاوضات، هو مقترح صفقة جزئية تشمل إطلاق سراح 10 من الأسرى "الإسرائيليين" الأحياء دفعة واحدة، وفي اليوم التالي من الصفقة يتم تسليم نصف جثامين الأسرى "الإسرائيليين" الأموات، وفي المقابل يفرج "الإسرائيليين" عن 100 أسير فلسطيني من أصحاب المحكوميات العالية، إضافة إلى 1000 أسير من أصحاب الأحكام العادية، ووقف لإطلاق النار لفترة تتراوح بين 60 و 90 يومًا، والبدء بشكل فوري بإدخال المساعدات الإنسانية إلى كامل مناطق قطاع غزة، وذلك بدءاً من لحظة إعلان الاتفاق، ويوافق "الإسرائيليون" في هذه المرحلة على الانسحاب من المناطق التي جرى احتلالها خلال ما سمي عملية (شجاعة وسيف) مع بقاء لقوات من جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في محور فيلادلفيا ومنطقة "نيتساريم"، وخلال فترة وقف إطلاق النار تستمر المفاوضات حول إنهاء الحرب بشكل دائم ومسألة سلاح المقاومة وسط رفض "إسرائيلي" مسبق لتقديم أي ضمانات بعدم العودة للحرب، وهذا يتطلب وجود ضمانات دولية وأمريكية بشأن إنهاء الحرب.
وتصطدم مفاوضات الصفقة الحالية بالانقسام الحاصل في المجتمع "الإسرائيلي" وداخل الحكومة وفي صفوف الجيش الذي رغم إعلانه عن توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة فإنه يطالب المستوى السياسي بالإسراع في التوصل إلى صفقة تفرج عن الأسرى "الإسرائيليين" وتعطي الجيش فرصة لمواجهة التآكل الكبير في قدراته البشرية والمعنوية، إضافة للتحديات الداخلية على صعيد العتاد والخطط والبنية النفسية للجنود. وفي داخل الجيش يوجد تقدير لدى كبار الضباط بأن توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة لن يفضي إلى تحرير الأسرى "الإسرائيليين" أو هزيمة المقاومة، بل إلى مزيد من الخسائر وفقدان الاتجاه وعدم تحقيق الأهداف.
من هنا يمكن القول، إن المقترح الحالي يسير باتجاه التنفيذ، وقد يمهد لصفقة شاملة تشمل وفقاً دائماً لإطلاق النار، ورفعاً جزئياً للحصار، ولكن الحذر ما زال سائدًا بسبب سعي نتنياهو الدائم لإفشال هذا المقترح من خلال وضع شروط إضافية، ولكن احتمال النجاح في هذه الجولة كبير، ويعتمد على توجهات الإدارة الأمريكية، والساعات والأيام المقبلة أكثر من حاسمة على هذا الصعيد.