اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي زيارة توم براك إلى لبنان: مرونة أميركية مفاجئة 

مقالات

حرب العقيدة والوجود.. إيران و
مقالات

حرب العقيدة والوجود.. إيران و"إسرائيل" في صدام الأيديولوجيات

64

صراع لا تسوية فيه، في قلب غرب آسيا (الشرق الأوسط)، لا يدور الصراع بين إيران و"إسرائيل" على حدود سياسية أو مصالح اقتصادية عابرة، بل يتخذ طابعًا أيديولوجيًا وجوديًا يجعل من التسويّة أمرًا مستحيلاً. إذ كل طرف لا يكتفي بالسعي إلى إضعاف الآخر، يعمل أيضًا على إزالته من الوجود، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن بقاء العدو هو نفي للذات ومشروعها. هذا الصراع ليس عاديًا، هو مواجهة وجودية وجذرية بين مشروعين متناقضين.

أولًا- إيران دولة العقيدة والمشروع الإلهي

منذ انتصار الثورة الإسلامية، في العام 1979، نشأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس عقدي متين يتمثل بــــ"ولاية الفقيه"، والتي تمنح الفقيه الجامع للشرائط قيادة الأمة الإسلامية. ولا يُنظر إلى هذا القائد على أنه زعيم ديني فحسب، هو يُعدّ امتدادًا للإمامة الشرعيّة وممثلًا للإمام المهدي (عج) الغائب. من هذا المنطلق، تُفهم الحرب أنها جهاد في سبيل الله، والنصر فيها نصرٌ إلهي، والهزيمة ابتلاء وامتحان، والشهادة فوز أبدي. المقاتل لا يخوض الحرب من أجل مكسب دنيوي أو حدود، بل لتحقيق وعد إلهي واستكمال لمشروع العدل الذي سيتحقق بقيادة الإمام المنتظر(عج).

ثانيًا- الشعب الإيراني بين العقيدة والهوية

معظم المجتمع الإيراني يتميز بتديّنه الإسلامي؛ ويضم أيضًا تيارات علمانية وإصلاحية، مع هذا التنوع يتوحد الإيرانيون، بصرف النظر عن خلفياتهم، للدفاع عن السيادة والكرامة القومية. ويرون في "إسرائيل" تهديدًا وجوديًا للأمن القومي. هذا الانسجام، بين البعدين العقدي والوطني، يُعزّز قدرة إيران في مواجهة التحديات، حيث لا تنحصر دوافع الدفاع في حاضنة دينية وحسب؛ إنّما هي راسخة في وعي الإيراني رسوخًا يقدس السيادة والكرامة. وفي لحظات التهديد، تنكمش التباينات السياسية، فيتحوّل الداخل الإيراني إلى كتلة صلبة تتماهى مع خطاب الدولة خلف عباءة الولي الفقيه، ما يمنحها قوة صمود استثنائية تقوم على ثنائية الإيمان والحس القومي المتجذّر. هذا التناغم بين الدولة والشعب يُصعّب مهمة الرهان على الانقسامات الداخلية أو الانهيار المجتمعي، كما يتوهّم بعض الخصوم.

ثالثًا- "إسرائيل" "دولة" قلقة العقيدة

نشأت "إسرائيل" على وعد ديني مغلّف بقومية علمانية، مستندة إلى أسطورة "أرض الميعاد التي منحها الرب لشعبه المختار"، وفقًا للسردية التوراتية المحرّفة. لكن هذه القاعدة العقدية لا تؤسس لوحدة داخلية؛ بل لانقسام مستمر:
1.    انقسامات طبقية وعرقية ومذهبية (الأشكيناز، السفارديم، الفلاشا وغيرهم).
2.    تيارات يهودية ترفض قيام "الدولة" قبل مجيء المسيح، وأخرى علمانية ترى في "إسرائيل" مشروعًا دنيويًا صِرفًا.
3.    هيمنة نفعية تجعل من القيادة السياسية رهينة النتائج الظرفية.
كما أن "المجتمع الإسرائيلي" بطبيعته يتمسك بالحياة المادية، ويرى في الموت خسارة مأساوية، بخلاف العقيدة الإسلامية التي ترى في الموت شهادةً وطريقًا للخلود. هذا التباين يُنتج فارقًا حاسمًا في مدى الاستعداد للتضحية، وهو ما يظهر جليًا في الحروب الطويلة أو العمليات النوعية التي تُحدث صدمة نفسية حادة في الداخل "الإسرائيلي".

رابعًا- الحرب بين الخلود والزوال
الصراع في جوهره هو مواجهة بين مشروعين:
1.    مشروع إيماني راسخ، يرى كل قطرة دم في المعركة خطوة نحو النصر الإلهي.
2.    مشروع دنيوي هش، يخشى الانهيار إذا تعرّض إلى أدنى زعزعة في الأمن أو الاقتصاد.

إيران تعدّ "إسرائيل" غدة سرطانية يجب اقتلاعها، بينما ترى "إسرائيل" في إيران تهديدًا وجوديًا لا يمكن التعايش معه. ولذلك؛ لا تتوقف محاولات محاصرة الكيان ومن يدعمه لإيران، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، لأن المعركة لا تُخاض على حدود إيران؛ هي في ساحات متعددة من لبنان إلى اليمن.

خامسًا- أدوات الحرب الأيديولوجية
يتجلى هذا الصراع في ميادين عدة:

1.    الإعلام: تبث إيران خطابًا عقديًا تعبويًا، وتدعم حركات المقاومة، بينما تعتمد "إسرائيل" على ماكينة دعائية هائلة مدعومة غربيًا لشيطنة خصومها ووصمهم بالإرهاب.
2.    التحالفات: تبني إيران محورًا إقليميًا عقديًا، من طهران إلى غزة، في حين تعتمد "إسرائيل" على تحالفات مع أنظمة استبدادية وعلى الدعم الغربي، لا سيما من الولايات المتحدة و"الناتو".
3.    الميدان: من لبنان إلى سوريا وفلسطين، تتجلى الحرب صدامًا مباشرًا بين العقيدتين، حيث تتحول الجبهات إلى مختبر للصبر والتضحية من جهة، وللهشاشة النفسية من جهة مقابلة.

سادسًا- القدرة في تحمّل الخسائر اقتصاد العقيدة مقابل هشاشة الرفاه
الفرق الأكثر حساسية يتمثل بقابلية المجتمعات لتحمّل الكلفة:
1.    إيران، اعتادت العقوبات ولديها منظومة روحية ومجتمعية ترى في الصبر الاقتصادي عبادة، وفي التضحية وسيلة للفتح الإلهي، ما يجعلها تمتلك قدرة نفسية مؤسسة على امتصاص الصدمات.
2.    "إسرائيل"، أسست على نموذج رفاهي غربي، ومعظم المستوطنين قدِموا من أوروبا بحثًا عن حياة مريحة، لا عن مشروع ديني أو عقدي؛ فأيّ تراجع في مستوى المعيشة نتيجة الحروب وضرب البنية التحتية، أو إغلاق المجال الجوي، يُترجم إلى أزمة وجودية.

مع مرور الوقت واشتداد الضربات الاقتصادية والعسكرية، تطرح شرائح واسعة من "الإسرائيليين" تساؤلات جدّية: لماذا نبقى؟ هل هذا هو الوطن الموعود "جنة الأرض"؟ هل يستحق هذا الكيان هذه التضحيات كلها؟ 
في المقابل، تُقابل هذه التساؤلات في الجانب الإيراني بعقيدة تزداد صلابة كلما اشتدت المحنة، وتحوّل الشدة إلى مصدر تعبئة وتحفيز.

خاتمة- سقوط المشروع الهش وانتصار العقيدة الراسخة

التحليل الواقعي والمعطيات الاستراتيجية يشيران بوضوح إلى أن ميزان الصراع يميل إلى المشروع العقدي:
1.    إيران تمتلك بنية روحية ومادية تستطيع التكيّف مع الأزمات، تقاتل برؤية إلهية شاملة تتجاوز اللحظة.
2.    "إسرائيل" كيان محكوم بالتناقضات، هشّ أمام الضغوط، وتقوم أسسه على وعود دنيوية متراجعة.

لقد لخّص شهيد الأمة السيد حسن نصر الله -قدس سره- هذه الحقيقة بقوله المستند إلى القرآن الكريم: "إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت".
هذا ليس تشبيهًا؛ هو توصيف علمي وديني واستراتيجي لكيان تفقد عناصره تماسكها أمام أول عاصفة جدّية. 
ومع تراكم المؤشرات الميدانية والاجتماعية والاقتصادية، تتجّه المعادلة التاريخية نحو حسم واضح:
1.    المشروع الصهيوني يسير نحو التفكك والتراجع.
2.    المشروع الإلهي المستند إلى عقيدة راسخة وتضحيات جليلة يتقدم بثبات.

إذا كانت النهايات تُحسم بميزان التحمّل وثبات العقيدة، فإن كيانًا يُقاتل من أجل الرفاه لا يستطيع الصمود طويلًا أمام أمة تُقاتل من أجل الخلود.
 


 

الكلمات المفتاحية
مشاركة