مقالات مختارة

بدأ عهد فرض الضرائب: المحروقات تموّل منحًا للعسكريين
ارتفاع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بقيمة 100 ألف ليرة ليبلغ مليونًا و489 ألف ليرة، و98 أوكتان إلى مليون و529 ألف ليرة. كما ارتفع سعر صفيحة المازوت 174 ألف ليرة، ليبلغ مليونًا و393 ألف ليرة.
صحيفة الأخبار
قرّر مجلس الوزراء، في جلسته أول من أمس، زيادة الضريبة على استهلاك المحروقات عبر تجميد أسعارها على مستويات أعلى من المستوى الذي يفترض أن تبلغه مع انخفاض الأسعار العالمية. وأدّى ذلك إلى زيادة في سعر هاتين المادتين على المستهلك بنسبة 7% على البنزين، و14% على المازوت. ويأتي ذلك بحجّة تسديد منح مالية شهرية للعسكريين بقيمة 14 مليون ليرة لمن هو في الخدمة الفعلية وبقيمة 12 مليون ليرة لمن هو متقاعد، علمًا بأنه تتراكم أموال في الخزينة منذ ثلاث سنوات في حسابها لدى مصرف لبنان المعروف بحساب الـ36 بقيمة تزيد على مليار دولار، فضلًا عن أن هذا الحساب يزداد شهريًا، ما يثير التساؤلات عن السبب الحقيقي الذي دفع الحكومة إلى فرض ضريبة لتمويل إعطاء العسكريين "منحًا" وليس زيادة على أساس الراتب، وهو أمر لم تقم به مع سائر العاملين في القطاع العام.
ينص قرار مجلس الوزراء على "اعتماد أسعار المحروقات السائلة (باستثناء الغاز السائل والبوتان والبروبان والفيول أويل بنوعيه) على القيم التي كانت معتمدة بتاريخ تشكيل الحكومة في 8 شباط 2025". وهو ما يعني عمليًا إعادة رفع الأسعار بشكل اصطناعي، بعد الانخفاض الذي شهدته أخيرًا نتيجة تراجع أسعار النفط عالميًا. وقد ورد في نص القرار أن "يُدرج هذا الفارق ضمن خانة المعاملات الجمركية في جدول تركيب الأسعار"، ما يشير إلى أن هذه الزيادة تُحصّل كضريبة مباشرة من المستهلك.
وقد أدّى القرار إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بقيمة 100 ألف ليرة ليبلغ مليونًا و489 ألف ليرة، و98 أوكتان إلى مليون و529 ألف ليرة. كما ارتفع سعر صفيحة المازوت 174 ألف ليرة، ليبلغ مليونًا و393 ألف ليرة.
هذه الزيادة ليست مجرّد رشوة عادية، بل هي رشوة تمييزية، إذ إنها تُمنح للعسكريين من دون أن تعطيهم ما يطالبون به فعليًا لجهة زيادة أساس الراتب بما ينعكس مباشرة على تعويضات التقاعد، وهي تميّزهم عن سائر العاملين في القطاع العام الذين يستحقون زيادات نتيجة انخفاض رواتبهم إلى مستويات متدنية جدًا قياسًا على ما كانت عليه قبل خمس سنوات.
أيضًا تؤثر هذه الزيادة بشكل مباشر على انفاق الأسر، باعتبار أن المحروقات تمثّل عنصرًا أساسيًا في متطلباتها اليومية. فالقرار ينعكس على كلفة النقل، سواء عبر السيارات الخاصة أو وسائل النقل المشترك التي لم تتمكّن من خفض أسعارها رغم أنخفاض سعر البنزين سابقًا، ليقضي القرار الجديد على هذه الإمكانية. كما سيطال الأثر قطاع الطاقة المنزلية، إذ يعتمد اللبنانيون بنسبة تصل إلى 75% على مولدات الأحياء، إذ يستمدون الطاقة منها لمدة 18 ساعة يوميًا على الأقل، والتي يشكّل المازوت وقودها الأساسي، ما يلغي أي أمل في خفض تسعيرة الكيلوواط ساعة من قبل أصحاب المولدات.
أما على المستوى العام، فإن كلفة النقل تدخل في تكوين أسعار معظم السلع والخدمات في السوق، ما يعني أن زيادة أسعار المحروقات ستؤدّي إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وبالتالي إلى تسارع في وتيرة التضخم. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغ معدل التضخم في لبنان خلال عام 2024 نحو 45%. ورغم أن خفض التضخم يُعدّ أولوية في توصيات كلّ من صندوق النقد والبنك الدولي للبنان، إلا أن قرار الحكومة يتناقض مع هذه التوصيات في وقت تسعى فيه هذه الحكومة إلى التفاوض مع المؤسستين الدوليتين، ما يثير تساؤلات حول اتساق السياسات الحكومية مع أهدافها المُعلنة.
وتُعد هذه الضريبة ضريبة على الاستهلاك، أي إنها ضريبة تراجعية تطال الفئات الفقيرة بنسبة أعلى من الأغنياء، ما يؤدي إلى تفاقم الفقر وتعميق التفاوتات الاجتماعية، تحت ذريعة زيادة إيرادات الدولة. وهو ما يستدعي إعادة النظر في السياسة المالية التي تعتمدها الحكومة، بدءًا من الامتناع عن الانفاق، وصولًا إلى فرض ضرائب غير عادلة من هذا النوع. فهذه الخطوة تشكّل مؤشرًا واضحًا على النهج الذي تتبعه الحكومة الحالية.
اقتصاديًا، يُفترض أن يسهم تراجع أسعار المحروقات العالمية في خفض كلفة الإنتاج، ما يعزز التنافسية ويشجّع على النشاط الاقتصادي. غير أن الحكومة اللبنانية، عبر هذه الخطوة، تعاكس هذا الاتّجاه، وتضع عراقيل أمام أي محاولة لإعادة الاقتصاد إلى مسار إنتاجي. ويأتي ذلك في ظل تركيز شبه حصري على القطاع السياحي، من دون أي رؤية واضحة لتحويل الاقتصاد نحو قاعدة إنتاجية أكثر استدامة.