مقالات

انفجر الخلاف، داخل حكومة نتنياهو، على خلفية الموقف من قانون تجنيد "الحريديم". دفع ذلك الأحزاب "الحريدية" إلى إعلان تأييدها لحل "الكنيست" والدفع نحو انتخابات مبكرة. وتتمحور الخلافات تحديدًا في عدد "الحريديين" الذي سيُجندون والعقوبات الشخصية على من يرفض منهم التجنيد، وعلى المؤسسات التعليمية "الحريدية". ذلك أن سنّ قانون من دون عقوبات لن يكون له أي مفاعيل جدية؛ بل سيكون غطاء قانونيًا للتهرب من الخدمة في الجيش. نتيجة ذلك؛ تفجر الخلاف بعد فشل المفاوضات في تعديد هذه البنود، فاتهمت الأحزاب "الحريدية" نتنياهو أنه لم يقم بخطوات جدية لتذليل هذه العقبات.
تجنيد "الحريديم"
تُشكل قضية تجنيد "الحريديم إحدى أهم القضايا الخلافية، داخل الكيان "الإسرائيلي"، وهي مادة سجالية بين الأحزاب الشخصيات، إضافة إلى أنها قضية خلافية في "المجتمع الإسرائيلي"؛ حيث تُعمق حالات الانقسام القائمة داخله. فـــــ"الحريديم" يرفضون التجند في الجيش لأسباب عقدية وفقهية. إذ يرون أن مهمتهم هي التفرغ لدراسة التوراة. ويخشون، أيضًا، التأثير في تماسك المجتمع "الحريدي" فيما لو انخرط شبابهم في الجيش؛ فمن الممكن أن يتأثروا بنمط الحياة العلمانية أو على الأقل المعارضة للشريعة اليهودية؛ وفقًا للفكر "الحريدي".
في المقابل؛ ارتفع عدد "الحريديم"، في "المجتمع الإسرائيلي"، فقد بات يتجاوز المليون شخص؛ أي بمعنى أنه يمكن أن يتجنّد منهم عشرات الآلاف في صفوف الجيش. لذك تحوّل تجنيدهم في الجيش، بموجب ذلك، إلى قضية خلافية رئيسة ضمن إطار المساواة في عبء التجنيد.
إلى ذلك، تسببت الخسائر البشرية التي تلقتها "إسرائيل" في الحرب على غزة، بشكل رئيسي وبقية الجبهات منذ ما بعد "طوفان الأقصى"، بحصول نقص في صفوف الجيش وصل إلى حد المطالبة بتجنيد نحو 10 آلاف جندي. وتسببت، أيضًا، بتفاقم مشكلة الاحتياط الذين يجدون أنهم مطالبون بالالتحاق بالجيش مجددًا في الوقت الذي يمتنع فيه "الحريديم" عن ذلك.
ثقل "الحريديم" في الحكومة و"الكنيست"
العامل الرئيسي الذي دفع "الحريديم" للمشاركة في حكومة نتنياهو، كما في كل حكومة، هو الوعود التي تلقوها بسنّ قانون يعفيهم عمليًا من التجند في الجيش. لكن بعد مضي كل ذلك الوقت والعراقيل التي يواجهها هذا الإجراء، واستنفاذ المواعيد التي حددتها الأحزاب "الحريدية"، بادرت كتلة "يهدوت هتوراة" التي تمثل "الحريديم الأشكناز" في "الكنيست" إلى إعلان تأييدها لحل "الكنيست"، ثم تبعها حزب "شاس" الذي يمثل "الحريديم الشرقيين"، في دعمه لهذا الخيار.
في ضوء ذلك، تشكل الأحزاب "الحريدية" مكونًا رئيسًا في حكومة نتنياهو، والتي تستند إلى أغلبية 68 عضو "كنيست" من أصل 120، كونهم يمتلكون 18 عضو "كنيست" (يهدوت هتوراة 7، وشاس 11). لذلك؛ فإنّ اصرارهم على مطالبهم وتأييد حل "الكنيست" سيُفقد الحكومة الأغلبية، وتصل إلى 57 عضو "كنيست". وتتوفر الأغلبية المطلوبة لحل "الكنيست".
لو اقتصر تأييد قانون حل "الكنيست" على "يهدوت هتوراة" لاستطاعت الحكومة الاستمرار بأغلبية 61 عضو "كنيست". لكنّ حزب "شاس" أعلن تأييده، أيضًا، لحل "الكنيست" بناء على تعليمات صادرة من حاخامين يتهمون نتنياهو بأنه يضحك عليهم.
آلية حل "الكنيست"
يوجد عدة طرائق من أجل اجراء انتخابات، من ضمنها حل "الكنيست" نفسه. وذلك عبر سنّ قانون يستند إلى أغلبية 61 عضو "كنيست" على الأقل، ويُصادق عليه في الهيئة العامة في قراءات ثلاث. لذلك يمكن أن يُصادق على اقتراح القانون في قراءة أولى. لكنّ مساره التشريعي لا يكتمل إلا بعد المصادقة عليه في قراءة ثالثة. ولذلك؛ خلال هذه المدة ستتسارع المشاورات بين نتنياهو والأحزاب "الحريدية" ومع الشخصية الأساسية المعارضة في "الليكود" يولي "ادلشتاين"، والذي يطالب بأن يتضمن قانون تجنيد "الحريديم" عقوبات شخصية ومؤسساتية؛ لأنه من دون ذلك لا معنى له.
سيناريوهات واحتمالات
بدأت، منذ لحظة انفجار الخلاف، مساعٍ في محاولة التوصل إلى تسوية من أجل دفع الأحزاب "الحريدية" للتراجع عن موقفها بدعم حل "الكنيست" وإجراء انتخابات مبكرة. وعقدت العديد من المشاورات والاتصالات؛ فإن توصلوا إلى تسوية ما، قبل المصادقة على القانون أو بعده في قراءة أولى يمكن لـ"الكنيست" والحكومة مواصلة عملهم كالمعتاد. أما في حال لم تُحلّ الخلافات وذهبت الأمور إلى انتخابات مبكرة، بصرف النظر عن الصيغة التي ستتم من خلالها، عندها يُتفق على موعد للانتخابات على أن يُحدّد ذلك في القانون المصادق عليه.
ماذا لو؟
في حال بلغ مسار حل "الكنيست" نهاياته، فإن السؤال الأهم هو عن انعكاسات ذلك في السياسات العدوانية في غزة والمنطقة؟
من الناحيتين القانونية والعملية؛ لا يُقيِّد حل "الكنيست" الحكومة عن اتخاذ القرارات العدوانية. ويعني ذلك، أن الحرب في غزة والاعتداءات التي تنفذها في سوريا ولبنان واليمن... ستتواصل؛ بل يمكن القول إن حضور العامل الانتخابي قد يؤثر في قرارات نتنياهو ويدفعه إلى المزيد من العدوان، وتحديدًا في غزة، من أجل الفوز بدماء الفلسطينيين. وفي حال أفرزت الانتخابات العامة موازين قوى نيابية جديدة في "الكنيست"، عندها ستنفتح سيناريوهات متعددة، في أكثر من اتجاه، في ضوء التحالفات التي ستتشكل.