اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الجنود الصهاينة يشكون من الخدمة النظامية: مُنهكون ومضطربون نفسيًا

مقالات

الشيطان الأكبر: الولايات المتحدة ودورها في إشعال الصراعات العالمية
مقالات

الشيطان الأكبر: الولايات المتحدة ودورها في إشعال الصراعات العالمية

85

الشيطان يعيش على الصراعات والاقتتال بين الإنسان وأخيه الإنسان. لم يكن الشعار الذي أطلقه مفجّر الثورة الإسلامية في إيران، الإمام روح الله الخميني(قده): "أمريكا الشيطان الأكبر"، مجرد هتاف يُردَّد في التظاهرات والمهرجانات، بل كان تعبيراً فلسفياً وأيديولوجياً عميقاً، يكشف عن حقيقة الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في الصراعات الإقليمية والدولية. هذا التوصيف لم يكن محصورًا في إطار العلاقة المتوترة بين طهران وواشنطن، بل كان يعبّر عن موقف أوسع يشمل كل المستضعفين في العالم، الذين ذاقوا ويلات السياسات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة.

أينما نظرنا في خريطة النزاعات، نجد آثار "الشيطان الأكبر" ماثلة في دعم الانقلابات، إذكاء الحروب، إشعال الفتن، وفرض الحصارات، ناهيك عن التهجير والمجازر وتدمير البلدان تحت شعارات الحرية والديمقراطية ونشر السلام في العالم. وليس من العبث أن استخدم الإمام الخميني(قده) أداة التعريف في عبارته؛ فـ"الشيطان الأكبر" تعني التفرّد في موقع الريادة ضمن معسكر الشر، فلم يصفها بأنها "شيطان" فحسب، بل بـ"الشيطان الأكبر"، في إشارة إلى موقعها المتقدّم في صناعة الفتن وتصدير الدمار.

أولاً: أمريكا كمهندس للصراعات العالمية
الحرب الباردة وما بعدها

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نصّبت أمريكا نفسها وصيًّا على العالم. فكان مشروع "مارشال" المزعوم لإعادة إعمار أوروبا. لم يكن ذلك كرماً إنسانيّاً، بل بوابة لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسيّة، وتمهيداً للحرب الباردة التي خاضتها ضد الاتحاد السوفيتي. كانت هذه الحرب غير معلنة في ساحات كثيرة، لكنها دموية في كوريا (1950-1953)، حيث قُتل ملايين المدنيين بذريعة محاربة الشيوعيّة، وفي فيتنام (1955-1975)، حيث ارتكبت القوات الأمريكية مجازر يندى لها الجبين، وأُبيدت قرى كاملة باسم "الحريّة".

أمريكا وروسيا وأوكرانيا
الحرب في أوكرانيا لم تبدأ عام 2022، بل حين قادت أمريكا انقلاب 2014 في كييف، فأقصت القوى الموالية لموسكو. ثم تسليحٌ، وتحريض، وحرب وكالة تدفع أوروبا ثمنها، بينما تستفيد أمريكا من استنزاف روسيا ومنع تشكل عالم متعدد الأقطاب.

ثانياً: أمريكا في الشرق الأوسط – نار لا تنطفئ
لبنان... الغطرسة الأمريكية تحطمت في بيروت

عام 1982 دخلت أمريكا الساحة اللبنانية، محاولةً فرض نفوذها العسكري والسياسي تحت ذريعة "حفظ السلام" ضمن القوات المتعددة الجنسيات، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. أرسلت أمريكا قوات المارينز إلى بيروت، ليس لحماية المدنيين كما زعمت، بل لدعم القوى المرتبطة بالمصالح الغربية والصهيونية، وعلى رأسها حكومة أمين الجميل.
لكن المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها القوى الوطنية والإسلامية، لم تقبل بهذا الاحتلال المقنّع، ففي أكتوبر 1983، جاء الردّ الصاعق بعملية نوعية استهدفت مقرّ المارينز في بيروت، فأسقطت أكثر من 240 جنديًا قتلى في ضربة واحدة، ما اعتبر من أقسى الضربات التي تلقّتها واشنطن منذ فيتنام. أدّت هذه العملية إلى انسحاب القوات الأمريكية من لبنان مذلولة، في مشهد فضح هشاشة المشروع الإمبريالي حين يواجه إرادة الشعوب الحرة.

غزو العراق
في عام 2003، كذبة "أسلحة الدمار الشامل" مهّدت الطريق لغزو دمّر بنية الدولة، وقتل أكثر من مليون عراقي، وسلب خيراتها من الذهب والنفط وزرع بذور الفتنة الطائفية التي لولا حكمة المرجعيّة والأطراف الوازنة لكانت الحرب الأهليّة قضت عليه بالكامل.

احتلال أفغانستان
بذريعة "الحرب على الإرهاب"، في عام 2001 غزت الولايات المتحدة الأمريكية بلداً أنهكته الحروب، لتتركه بعد عقدين من الاحتلال أكثر فوضى وتطرفاً، بعد أن سلّمته لطالبان التي كانت مبررَ الحرب أصلاً.

تحويل سورية من دولة ممانعة إلى جبهة مفتوحة
لم تكتفِ الولايات المتحدة بدعم الفصائل المسلحة وإدارة الحرب عبر أدواتها، بل دخلت الصراع بوجه سافر من خلال وجودها العسكري المباشر في منطقة التنف ومناطق شرق الفرات، بحجة "محاربة الإرهاب". لكن الواقع يكشف أن هذا التواجد لم يكن سوى محاولة لاقتطاع الجغرافيا السورية والتحكّم في ثرواتها، لا سيما النفط، وقطع الطريق على محور المقاومة. ويضاف إلى كل هذا قانون قيصر الذي زاد من معاناة الشعب السوري.

عقد التحالفات للحرب على اليمن
منذ العدوان عام 2015، كانت أمريكا العقل المدبّر والداعم اللوجستي الأول لعاصفة الحزم، والتي كانت حربًا عالميّة بالوساطة على أطفال اليمن في مشهد يفضح زيف ادعاءات حقوق الإنسان ونشر السلام في العالم.
واليوم تقف أمريكا في خندق واحد مع الكيان الصهيوني في عدوان مزدوج على اليمن وفلسطين، فهي تخوض معركة واحدة على جبهتين ضد كل من يرفع راية المقاومة ويدافع عن المستضعفين. فـ"أنصار الله" الذين يجاهرون بمناصرة الشعب الفلسطيني ويدعمونه بالصواريخ والمواقف، تصفهم أمريكا بـ"الإرهابيين"، بينما تصف الكيان الصهيوني – الذي يرتكب المجازر يوميًا في غزة – بأنه "يدافع عن نفسه"!
فاليوم لم تعد الغارات على اليمن تُشن فقط من قبل أدوات واشنطن في الخليج، بل تشارك فيها الطائرات والبوارج الأمريكية جنبًا إلى جنب مع الطائرات الصهيونية، في استهداف مباشر للمدن اليمنية، والموانئ، والبنى التحتية، بدعوى "ردع التهديدات عن الملاحة البحرية" أو "منع الهجمات على إسرائيل"، لكن الحقيقة التي لا يمكن حجبها: الولايات المتحدة تنفذ مجازر بحق اليمنيين لمجرد مساندتهم للشعب الفلسطيني.
ليس الأمر مجرد تقاطع مصالح، بل تحالف أيديولوجي بين كيان استعماري استيطاني وقوة إمبريالية مهيمنة، هدفه المشترك: كسر إرادة الشعوب الحرة، وتجويعها حتى ترضخ، أو تُباد.
فمن أين جاء الإرهاب؟ من الصواريخ التي تنطلق دعمًا لغزة؟ أم من القنابل الذكيّة التي تقتل الأطفال في صعدة وتعز وغزة في آنٍ واحد؟
الجواب واضح: الشيطان لا يلبس عباءة بيضاء، بل يحمل توقيع "Made in USA".

ثالثاً: الفوضى الخلاقة... الربيع العربي أداة للسيطرة
باسم الديمقراطية، أطلقت أمريكا العنان للفوضى في دول عربية:
●    ليبيا (2011): تدخل الناتو بقيادة أمريكية فأسقط القذافي، وترك ليبيا غارقة في الفوضى.
●    كذلك في تونس (2010) ومصر (2011): إعلام، تمويل، وتحريض لإعادة تشكيل أنظمة على هوى واشنطن.
مع العلم أن بعض الأنظمة السابقة لم تكن بعيدة عن المشروع الأمريكي، ولكن تنتهي صلاحيتها، فتركب أمريكا موجة الشعوب لإعادة خلط الأوراق وتحميل أدواتها السابقة مسؤولية الأزمة.

رابعاً: أمريكا الجنوبية... مختبر الانقلابات والهيمنة
تشيلي (1973)
أسقطت حكومة أليندي المنتخبة، ودعمت بينوشيه الذي قتل الآلاف.
فنزويلا
من هوغو تشافيز (الانقلاب عام 2002) إلى نيكولاس مادورو عام 2013، وصولًا إلى العقوبات القاسية على صادرات النفط، وفرض حصار اقتصادي شامل، بهدف خنق النظام وإشعال اضطرابات داخلية.
كوبا، بوليفيا، نيكاراغوا
حصار، انقلابات، تدخلات... كل دولة رفضت التبعية، عوقبت.

خامساً: أمريكا في القوقاز – أرمينيا وأذربيجان
لعبت أمريكا على التوازنات الحساسة، وتدخلت سياسيًّا وإعلاميًّا، لتوسيع نفوذها على حدود روسيا وإيران. هدفها ليس الحل، بل خلق نقاط توتر دائمة بالاستفادة من النزاعات العرقية والدينية.

خاتمة: مواجهة الشيطان الأكبر... بين معركة الوعي ومعركة الوجود
لم تكن تسمية الإمام الخميني(قده) للولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر" مجرد خطاب تعبوي، بل قراءة إستراتيجية لطبيعة نظام يقيم بنيانه على الحروب، ويصنع اقتصاده من تجارة السلاح والدمار، ويُعلي مصالحه على جثث الأبرياء. إننا أمام منظومة هيمنة لا تعرف الاستقرار إلا إذا احترق العالم من حولها.

أمريكا لا تملك مشروعًا حضاريًا، بل تملك آلة قمع مغطاة بخطاب "نشر السلام في العالم". هي تخلق الأزمات ثم تأتي كمنقذ، تزرع العملاء ثم تصفهم بالثوار، تدعم الاحتلال ثم تروّج للسلام، إنها الشيطان الذي يقاتل الله في خلقه.

لكن في وجه هذا الشيطان، تقف أمم لا تزال تؤمن بالمقاومة، وشعوب لا تنكسر، ومحور لا يزال يراهن على الكرامة. من غزّة إلى صنعاء، ومن طهران إلى كاراكاس، ومن بيروت إلى بغداد وصولاً إلى كل مدن أحرار العالم، تتشكل اليوم ملامح عالم جديد، يُولد من رماد الحروب التي أشعلها الشيطان، عالم لا مكان فيه للهيمنة الأمريكية.

فالساكت عن الشيطان الأكبر، شيطان أخرس.
 

الكلمات المفتاحية
مشاركة