نقاط على الحروف

للجنوب مع مشاهد العزّة حكايات وحكايات، وليس آخرها لحظة عبور الصواريخ الإيرانية المباركة فوق أرضه، وكأنّها تتعطّر بفوح ثاراته قبل أن تنسكب نارًا في صدرِ العدا، تُشعل "تلّ أبيب" وتمرّغ أنف واشنطن وسائر الاستكبار..
نعم؛ عاش أهل المقاومة، ليلة أمس، محطّة عزّ مشهود، وفيما كان ألاف المستوطنين يهرعون إلى الملاجىء مذعورين، هُرع الجنوبيون إلى أسطح المباني وإلى الشرفات كي ينظروا إلى أسراب الصواريخ الإيرانية وهي تعبر سماءهم وتزلزل الأرض بعدوّها وعدوّهم..
المشهد في القرى بدا مصداقًا لـ"ويُشفِ صدور قوم مؤمنين": صيحات التكبير سبقت الدعاء بأعلى الصوت "أن اللّهم سدّد".. ودموع الفرح غسلت جدران القلوب من لوعات النهار الدامي الذي شهدت فيه الجمهورية الإسلامية العزيزة الناصرة عدوانًا إرهابيًا أميركيًا بتوقيع صهيوني.. ومضات صواريخ الحقّ سكبت في القلوب الوالهة المتألمة بردًا وسلامًا، ثمّ أثلجتها مشاهد وصول الصليات المباركة إلى وجهاتها، فالنار في نحر العدوّ حكمًا تثلج صدر أهل الحقّ.. وعلى وقع خبر يقول "تل أبيب تحترق"، سالت دموع الحمد والبهجة، وصيحات ثاراتنا، حتى تظنّ أن في كلّ قلب موالٍ ارتفعت منصّة إطلاق للصواريخ الأبيّة، والله الرامي!
مسيرات فرح، وعيون شاخصة نحو السماء تحمّل الصواريخ العابرة بثقة وهدوء سلامًا للأرض المحتلة، وتوقّع على نورها بحبر الدمع بأسماء الشهداء، الشهداء كلّهم؛ ولا سيّما السيد حسن نصرالله.
كما في الجنوب، كذلك غزت الفرحة الضاحية. حلّ الخبر كأذان دعا القلوب إلى مرقد حبيبها، فتهافتت الجموع نحوه، وجابت شوارع المدينة الجريحة، وكلّما مرّت بجانب مبنىً مدمّر رتلّت بكلّ يقينها " وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (سورة النساء؛ الآية 104).
هي ليلة عيد؛ بكلّ ما للعيد من معانٍ، ليلة عيد الله الأكبر، ليلة الولاية الساطعة، ليلة فرح في زمن عزّ فيه الفرح.. ليلة استحضر فيها المؤمنون بالحقّ الباذلون أجمل ما عندهم على طريق القدس شهداءهم: تزيّنوا بضحكات حبّات أعين مجتمع المقاومة، فرأينا في عتمة الليل هذه لا وميض الصواريخ المباركة فحسب، أيضًا أنوارًا ساطعة من وجوه البدور الشهداء.
ليلة تبسّم فيها في عليائه الإمام روح الله الخميني، والتمعت عينا الحاج قاسم حُبًّا واعتزازًا.. ليلة أُضيئت ببسمة ثغر السيّد حسن الشهيد وبحانبه ضحكة الحاج عماد والشهداء كلّهم.. ليلة شعر فيها أهل المقاومة في لبنان بأنّ قلوبهم المملوءة بجمر الغضب الجميل قد استحالت مواقد عزّة، تلقي تحية المؤاخاة في عيد الغدير على دولة الولاية، وتعاهد الله ورسوله وآل بيته أنّ توالي الحقّ تبذل في دربه كلّ ما تملك، تحدّق ناحية آية الله سماحة الإمام السيّد علي الخامنئي، وتردّد معه ما قاله جدّه الحسين: " ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابنَ الدَّعيْ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثنتين، بين السّلّة والذلّة... وهيهات منّا الذلة".