مقالات
ما تقوله "إسرائيل"، يسير به العالم، ويصبح حقيقة دامغة.
قالت "إسرائيل"، إن المقاومة الفلسطينية اغتصبت النساء وقطعت رؤوس الأطفال في عملية "طوفان الأقصى"، فصدقها العالم، وسار بروايتها.
قالت "إسرائيل"، إن المقاومة في غزّة والمقاومة في لبنان تتَّخذان من المدنيين دروعًا بشرية، وإنهما تخزنان ذخائر تحت الأبنية السكنية، فصدقها العالم، وسار بروايتها.
سنة ١٩٩٦ خرج نتنياهو ليقول، إن إيران على عتبة إنتاج قنبلة نووية، فصدقه العالم، وسار بروايته، ومذَّاك بدأت العقوبات تتوالى عليها.
سنة ٢٠٠٢ خرج لينشد القصيدة نفسها، وكرّرها في ٢٠٠٩ و٢٠١٨، فترنَّم العالم بقصيدته، وسار بها، وازدادت العقوبات والحصار على إيران.
قالت "إسرائيل"، إن إيران محور الشرّ، وإن "إسرائيل من سلالة إبراهيم، ويجب السير بالاتفاقات الإبراهيمية"، فسار بها العالم.
اليوم، خرج نتنياهو ليقول مجدَّدًا، إن إيران على بعد خطوات من إنتاج قنبلة نووية، ويجب مهاجمتها، فسار معه العالم وهاجم إيران.
قال، إنه لا يستطيع أن يدمّر مفاعلَي "فوردو" ونطنز إلا بمساعدة أميركية، فسار العالم خلف رغبته، ورضخت أميركا لطلبه، ونفذت الضربة. هذه الضربة التي لم يثبت حتّى الآن ما إذا أدت إلى تدمير هذين المفاعلين بشكل كامل وأخرجتهما عن الخدمة أم لا. فقد صرحت إيران بأنها نقلت محتويات هذين المفاعلين وسواهما إلى أماكن أخرى آمنة، وأن مفاعلاتها ستعمل في المستقبل القريب، ولن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم، لاستعماله لأغراض سلمية. كما صرح مسؤولون أميركيون، أنه ظهر بواسطة الأقمار الصناعية، نحو ٢٠ شاحنة قرب مفاعل "فوردو".
"إسرائيل" تريد إشعال المنطقة وجر أميركا وإيران إلى حربٍ يمكن أن تصبح إقليمية، لتتفرغ بعدها لغزّة، والضفّة، ولبنان، وسورية، والأردن.
ففي ظل الحرب الإقليمية، سينصب اهتمام العالم والإعلام على ما يجري في هذه الحرب وعلى حجم الدمار وأزمة النفط العالمية، وبالتالي الأزمة الاقتصادية، وسيكون أهل غزّة والضفّة تحت رحمة آلة القتل "الإسرائيلية" وتحت رحمة التهجير القسري، وسيكون لبنان وسورية تحت رحمة الاجتياح "الإسرائيلي"، وسيكون الأردن تحت رحمة استقبال الآلاف من الفلسطينيين الذين ستطردهم "إسرائيل".
لكن رغم ذلك، هناك شيء مهم جدًا يجب أن نتنَّبه إليه، وهو أن ما يحصل اليوم من دمار في قلب الكيان، سيجعل العقل "الإسرائيلي" يتحول ١٨٠ درجة، وستترسخ فيه عقيدة جديدة مفادها، أن الحروب التي تشنها "إسرائيل" على محيطها لن تأتي لها بعد اليوم بالأمن والسلام، بل ستأتي بالويلات والدمار الزلزالي.
وإنه لَمِن المهم أن نوضح، أن العقل "الإسرائيلي" ستترسخ لديه أيضًا حقيقة جديدة، وهي أنه لو اجتمعت دول العالم بأسرها (وهذا ما هو حاصل أصلًا) لن تستطيع حمايته من الصواريخ المدمرة.
يبقى أن نترقب الساعات والأيام القليلة القادمة، لنرى ما إذا كانت إيران سترد على الضربات الأميركية باستهداف قواعدها المنتشرة في المنطقة، أم أنها ستغلق "مضيق هرمز" و"باب المندب"، أم أنها ستستهدف مفاعل "ديمونا"، أم ستقوم بكلّ ما ذكرت.
المنطقة على كف عفريت، وكلّ ما يحصل هو كُرمى لعينَي "إسرائيل"، هذا الكيان الذي مذ زُرِعَ في منطقتنا والحروب والنزاعات قائمة، والقتل والمجازر والدمار وكلّ أشكال الموت مستمرة!.
المنطقة ستبقى على مدى السنوات القادمة في حالة حرب دائمة، تتصاعد حينًا وتخفت حينًا آخر، تتوسع حينًا وتتقلص حينًا آخر، لنصل إلى الحرب الكبرى التي لا يعلم ساعتها إلا الله.